هل يعيد التفجيران الانتحاريان في العراق تشكيل موقف "الانسحاب الأمريكي"؟

هل يعيد التفجيران الانتحاريان في العراق تشكيل موقف "الانسحاب الأمريكي"؟


21/01/2021

ما هي إلّا ساعات بعد تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وقبل أن تبدأ ملامح سياسته في الانتظام داخل الإدارة الجديدة، حتى تصاعد الموقف في العراق، الذي يمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة معادلتها الأصعب في الشرق الأوسط، سواء على صعيد تقويض العنف الإيديولوجي، أو تقويض إيران.

فقد شهدت ساحة إحدى الأسواق الشعبية لبيع الملابس المستعملة تفجيرين انتحاريين أمس، أوديا بحياة 35 شخصاً وجرح أكثر من 100 آخرين، في مشهد أمل العراقيون ألّا يتكرر، منذ وقع في العام 2018، ثم انقطع شهوراً طويلة، عادت فيها مظاهر الأمن، ما عدا صواريخ الميليشيات المسلحة وسطوتها.

اقرأ أيضاً: العراق: أسرار زيارة الكاظمي لمقر الحشد الشعبي بعد العقوبات الأمريكية

وعلّقت السفارة الأمريكية في العراق على التفجيرين قائلة عبر صفحتها على فيسبوك"إنّ هذا الاعتداء هو عمل جبان ومشين، يؤكد مخاطر الإرهاب التي ما يزال يواجهها الملايين من العراقيين".

شهدت ساحة إحدى الأسواق الشعبية لبيع الملابس المستعملة تفجيرين انتحاريين أمس

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أكد على أنّ باقي القوات الأمريكية ستنسحب من العراق، وأنّ قوات الأمن العراقية باتت قادرة على السيطرة على الأوضاع، غير أنّ الهجوم الأخير جاوزت أعداد ضحاياه أعداد ضحايا هجوم داعش الانتحاري في 2018 في الساحة نفسها، الذي سجّل آنذاك 31 قتيلاً.

وفي ظلّ التطورات الأخيرة، ترأس رئيس الوزراء اجتماعاً طارئاً بمقرّ قيادة عمليات بغداد.

علقت السفارة الأمريكية في العراق على التفجيرين قائلة: إنّ هذا الاعتداء هو عمل جبان ومشين، يؤكد مخاطر الإرهاب التي ما يزال يواجهها الملايين من العراقيين

والتفجير الذي تُرجح المؤشرات تورط تنظيم داعش الإرهابي فيه، أربك كافة حسابات الكاظمي، وضاعف التحديات الأمنية التي يواجهها نظامه في مواجهة الميليشيات المدعومة من إيران، ليضعه مباشرة أمام خطر متنامٍ لتنظيم داعش، ما يعني أنّ خيار التخلي عن الأمريكيين في هذه الفترة، ومطالبتهم بسحب قواتهم كما كان مخططاً، يبقى محلّ شك ومخاطرة غير مأمونة العواقب.

ومن جهة ثانية، أربكت تلك العملية حسابات العملية السياسية وتوقيتاتها؛ إذ جاءت عقب أيام من محادثات سياسية لجدولة مواعيد الانتخابات، التي اقترح البعض تأخيرها إلى تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بدلاً من الموعد الأوّل الذي أعلنه الكاظمي قبل شهور، استجابة لضغوط الشارع في حزيران (يونيو) المقبل.

اقرأ أيضاً: قبيل السباق الانتخابي العراقي: الإسلاميون يجدّدون أنفسهم بعناوين مدنية

وتمثل استعادة تنظيم داعش أنفاسه، وعودته إلى تكتيكه القديم في العمليات الانتحارية والتفخيخية، تشكيكاً في قدرة الحكومة على تسيير الانتخابات في أيٍّ من الموعدين، وتجعلها في مواجهة معركة مزدوجة؛ في مواجهة التكفيريين من جهة، والميليشيات الموالية لإيران من جهة أخرى، إضافة إلى حالة الاضطراب السياسي، وتردّي الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الشارع العراقي، وتفشي جائحة كورونا.

واللافت أنّ استعادة الأنفاس تلك من قبل التنظيم لا تقتصر على العراق، فقد شهدت سوريا على مدار الشهرين الماضيين عمليات إرهابية أسقطت عشرات الضحايا، بينهم مدنيون، في البادية السورية، ما دفع العراق إلى الإعلان عن حملة أمنية لتمشيط الحدود مع سوريا، وملاحقة فلول التنظيم.

الرئيس العراقي برهم صالح

في غضون ذلك، علّق الرئيس العراقي برهم صالح على التفجيرين عبر صفحته الرسمية على تويتر قائلاً: إنّ الانفجارين الإرهابيين ضدّ المواطنين الآمنين في بغداد، وفي هذا التوقيت، يؤكّدان سعي الجماعات الظلامية لاستهداف الاستحقاقات الوطنية الكبيرة، وتطلعات شعبنا نحو مستقبل يسوده السلام. نقف بحزم ضدّ هذه المحاولات المارقة لزعزعة استقرار بلدنا.

وفي السياق ذاته، أكّدت وزارة الصحة والبيئة أنّ حصيلة التفجيرين الإرهابيين في ساحة الطيران، وسط العاصمة بغداد، بلغ 32 شهيداً و110 جرحى.

 

تمثل استعادة تنظيم داعش أنفاسه وعودته إلى تكتيكه القديم في العمليات الانتحارية والتفخيخية، تشكيكاً في قدرة الحكومة على تسيير الانتخابات في أي من الموعدين

 

وقال وزير الصحة حسن التميمي في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع): "إنّ حصيلة التفجيرين الإرهابيين في بغداد هي 32 شهيداً و110 جرحى"، وأضاف: "لا وفيات للجرحى في مؤسساتنا الصحية لغاية الآن إثر التفجيرين الإرهابيين".

وفي وقت سابق من اليوم أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول عبدالله أنّ انتحاريين فجّرا نفسيهما في ساحة الطيران بعد ملاحقتهما من القوات الأمنية.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة انفجارات معسكرات تابعة لميليشيات حزب الله العراقي؟

وقال اللواء رسول في بيان له تلقته وكالة الأنباء العراقية: "إنّ اعتداءً إرهابياً مزدوجاً تمّ بوساطة إرهابيين انتحاريين اثنين فجّرا نفسيهما حين ملاحقتهما من قبل القوات الأمنية في منطقة الباب الشرقي ببغداد، ما أدّى إلى وقوع عدد من الشهداء والجرحى بين صفوف المدنيين".

وأظهرت مقاطع مصوّرة للتفجير أنّ العملية تعمّدت إسقاط أكبر عدد من الضحايا، فقد وقع الانفجار الأول، وفي غضون دقائق تظاهر الانتحاري الآخر بالتأذي كي يجتمع حوله أكبر عدد، ثمّ قام بتفجير نفسه، بحسب إحدى الروايات الأمنية المتداولة.

وقال الباحث السياسي نجم القصاب: إنّ التفجيرين الإرهابيين "خرق أمني يسجل على القيادة العسكرية، مشيراً إلى مطالبات في الشارع العراقي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بضرورة استبدال بعض القادة المقصّرين في أداء واجباتهم، بحسب ما أورده موقع "سكاي نيوز".

ورأى القصاب في الهجوم المزدوج رسالة إلى الكاظمي مفادها أنه لن يكون بمقدوره تنظيم انتخابات برلمانية في البلاد في وقت لاحق من العام الجاري.

وأكد الباحث العراقي أنه على يقين من أنّ "داعش" وراء الهجوم، خاصة أنه يحمل بصمات هجماته المعتادة.

وقال: إنّ "داعش" يريد أن يثبت الوجود والنفوذ والتمدّد في بغداد، وليس في الموصل أو الرمادي، معتبراً أنّ التنظيم الإرهابي ضرب المنطقة لرمزيتها، فقد كانت أيقونة مثالية للاحتجاجات التي أدّت إلى استقالة الحكومة السابقة، وإقرار قانون الانتخابات، واعتماد مفوضية جديدة للانتخابات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية