هل تنضمّ جيبوتي لمحور القاهرة لمواجهة محور أديس أبابا؟

هل تنضمّ جيبوتي لمحور القاهرة لمواجهة محور أديس أبابا؟


20/04/2021

وجدت جيبوتي نفسها محاصرة بتحالف الثلاثي؛ أديس أبابا أسمرا مقديشو، الذي يريد إعادة تشكيل منطقة القرن الأفريقي، لخلق مركز قوة يصب في صالح دعم بقاء زعماء الدول الثلاث في السلطة، بالتكاتف لقمع المعارضة الداخلية، كما حدث في تيجراي، كخطوة أولى نحو فرض هيمنة على الجوار الإقليمي، سواء عبر سلاح المياه، كما تأمل إثيوبيا مع مصر والسودان، وبشكل أقل جيبوتي وكينيا، أو عبر التدخل في الدول الأخرى لضمان وصول سلطة موالية لهم.

مع آبي أحمد شعرت جيبوتي بالخطر من التقارب الإثيوبي الإريتري، الذي ضمّ الصومال التي تجمعها علاقة مضطربة مع جيبوتي، في تحالف ثلاثي

ودفع ذلك جيبوتي إلى توسيع دوائر سياستها الخارجية، للبحث عن حلفاء ثقات لمواجهة هذه التحوّلات الإقليمية، التي تهدّد الاستقرار فيها، فجاء اتصال رئيسها بنظيره المصري، في ظلّ أزمة سياسية غير معلنة بين جيبوتي والحلف الثلاثي، لينذر بتصاعد الاضطراب في الإقليم الذي لا يحتمل المزيد.

جيبوتي ومصر

عقب أيام من إعلان فوزه بولاية رئاسية خامسة، أجرى الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، اتصالاً بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، في 15 نيسان (أبريل) الجاري، فتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول توقيت وطبيعة الاتصال، الذي لم يأتِ من السيسي كتهنئة لجيله، بل جاء من الأخير، ما يعني أنّ وراءه الكثير من المسائل المهمة، التي تشكّل أولوية لدى جيله.

السيسي وإسماعيل عمر جيله

ووفق ما نشرته الرئاسة المصرية، تناول الاتصال التباحث بشأن عدد من موضوعات التعاون الثنائي بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري وزيادة الاستثمارات البينية، وذلك في ظلّ التعاون الثنائي والإقليمي الممتدّ بين البلدين لتحقيق المصالح المشتركة وصون الأمن والاستقرار، خاصةً في منطقتي القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

اقرأ أيضاً: هذه هي خطوات السودان للتصعيد ضد أزمة سد النهضة

وقدّم الرئيس السيسي التهنئة إلى الرئيس جيله بمناسبة إعادة انتخابه لولاية جديدة، ومن جانبه، أكّد الرئيس جيله اعتزاز جيبوتي بالعلاقات التاريخية والأخوية التي تربط بين البلدَين، لا سيما في ضوء حرص مصر المستمر على تلبية الاحتياجات التنموية لبلاده، مشيراً في هذا الصدد إلى وجود آفاق واسعة لتطوير العلاقات ودفع أطر التعاون المشترك في مختلف المجالات.

الباحث السوداني أبو بكر عبد الرحمن لـ "حفريات": من المحتمل أن تنضم جيبوتي للتحالف المصري السوداني، إلى جانب تعزيز علاقتها مع كينيا

وحول أزمة سدّ النهضة، الحاضرة دوماً في السياسة الخارجية المصرية، أكّد السيسي خلال الاتصال على موقف مصر الثابت بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل حول ملء وتشغيل السدّ، وتمّ التوافق بشأن أهمية تسوية هذه القضية الحيوية لتفادي تأثيرها السلبي على أمن واستقرار المنطقة بالكامل.

وكانت جيبوتي والصومال قد امتنعتا عن تأييد قرار مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، الذي دعت إليه مصر، بشأن أزمة سدّ النهضة، في حزيران (يونيو) العام الماضي، بعد أن تحفظتا على البند الخامس من القرار رقم 8542، الذي يدعو إثيوبيا إلى عدم اتخاذ خطوات أحادية، وعدم الملء دون التوصل لاتفاق مع دولتي المصب، مصر والسودان.

اقرأ أيضاً: مصر توقع اتفاق تعاون عسكري مع هذه الدولة... ما علاقة سد النهضة؟

ويرى الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية والدولية، أبو بكر عبد الرحمن، أنّ اتصال جيله بالسيسي يُقرأ في سياقات متعددة، وأهمها من منظور توقيت تفكيك معسكرات المصالح، بعد تحوّلات العامين الماضيين في القرن الأفريقي الملتهب، حيث تبحث جيبوتي عن حليف في الجوار الإقليمي لمجابهة التحديات التي خلقها معسكر الديكتاتوريات الثلاث؛ أسياس أفورقي، آبي أحمد، فرماجو.

إثيوبيا وجيبوتي

وتتمتع إثيوبيا وجيبوتي بعلاقات اقتصادية قوية، وتعدّ جيبوتي المنفذ البحري الرئيسي لإثيوبيا الحبيسة، وتعتمد على موانئها بنسبة 95% في تلبية تجارتها البحرية، بما يمثّل 70% من النشاط الاقتصادي لميناء جيبوتي، ويربط البلدين خطّ سكة حديد، جرى افتتاحه عام 2017، بإنشاء وتمويل صيني، كجزء من إستراتيجية الطريق والحرير الصينية.

الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية والدولية، أبو بكر عبد الرحمن

لكن باتت هذه العلاقة القوية مهددة، مع تغير بنية السلطة في إثيوبيا، بتولي آبي أحمد رئاسة الوزراء، عام 2018، وتوقيعه اتفاق السلام عقب أشهر من توليه السلطة مع إريتريا، العدو اللدود لجيبوتي، بسبب الأزمة الحدودية حول تلة البرّ الرئيسي وجزيرة دوميرا، ذات المكانة الإستراتيجية في مدخل البحر الأحمر، والتي كانت سبباً في اشتباكات بين الطرفين عام 1999، ثم في عام 2008.

ودخلت قطر على خطّ الأزمة عام 2010، ثم انسحبت عام 2017 على خلفية موقف الدولتين غير الداعم لها في أزمتها مع الرباعي العربي، لتعود إريتريا لاحتلال تلة البرّ وجزيرة دوميرا، ووقعت اشتباكات سرعان ما توقفت بتدخل دولي وأفريقي.

اقرأ أيضاً: مصر ترفض مقترحاً إثيوبياً للملء الثاني لسد النهضة... ما هو؟

ومع آبي أحمد شعرت جيبوتي بالخطر من التقارب الإثيوبي الإريتري، الذي ضمّ الصومال التي تجمعها علاقة مضطربة مع جيبوتي، في تحالف ثلاثي، باتت تخشى جيبوتي من تأثيره عليها، خصوصاً في الداخل وعلى مكاسبها الاقتصادية الكبيرة من كونها المنفذ البحري الوحيد لإثيوبيا.

وساهم التدخل الخليجي في العلاقات بين دول القرن الأفريقي في تغير هذه العلاقات؛ فإلى جانب انسحاب قطر وما ترتّب عليه، تسبب الخلاف بين هيئة موانئ دبي وجيبوتي في اتجاه الأولى إلى الاستثمار في ميناء بربرة في أرض الصومال، المستقل من طرف واحد، بالتعاون مع إثيوبيا، لخلق منفذ بحري جديد للأخيرة، عبر إقامة طريق برّي يربط بين الميناء وإثيوبيا، وإنشاء مطار دولي على أرض الصومال، وهو ما يهدّد الاقتصاد الجيبوتي، ويدفع الرئيس جيله إلى البحث عن تنمية حقيقية لمواجهة الفقر الواسع في البلاد، والذي يهدّد نظامه السياسي، وكانت البلاد شهدت مظاهرات واسعة عام 2011، ثم عام 2019.

صراع المحاور الأفريقية

وفي 2018، عقب تسلّم آبي أحمد السلطة في إثيوبيا، نشرت وسائل إعلام مذكرة مسربة منسوبة لوزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، عبّر فيها عن قلق بلاده العميق تجاه التطور السريع للعلاقات الإثيوبية الإريترية الراهنة، ووصف فيها آبي أحمد بأنّه "شخص متهور"، وتعرض يوسف في مذكرته للدور الخليجي في منطقة القرن الأفريقي.

ترى جيبوتي في حلف آبي أحمد وأسياس أفورقي وفرماجو خطراً عليها

وقبل اتفاق السلام الإريتري الإثيوبي، كانت لمصر علاقات وطيدة بنظام أسياس أفورقي، وربما كان ذلك حائلاً أمام تعميق علاقاتها مع جيبوتي، وبعد الاتفاق شهد عام 2019 قمة ثلاثية جمعت الرئيس المصري، السيسي، ونظيره الجيبوتي، إسماعيل جيله، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك تلبيةً لطلب جيبوتي وكينيا، وهو اجتماع له دلالة كبيرة، لتشارك الدول الثلاث في خلافات كبيرة مع إثيوبيا.

ومن المرجح أن تلعب كينيا دوراً كبيراً في القرن الأفريقي، مع وجود بوادر لتحوّل واشنطن وبروكسل عن أديس أبابا، كباب لإدارة علاقاتهما بالمنطقة إلى نيروبي، بعد إخفاق الرهان على آبي أحمد، بعد أزمة تيجراي وقمع معارضيه في الداخل، ودفعه بالبلاد والمنطقة إلى اضطرابات كبرى.

اقرأ أيضاً: مصر توقع اتفاقية أمنية مع أوغندا... ما علاقة سد النهضة؟

وشهد العام نفسه زيارة وزير الخارجية الجيبوتي إلى القاهرة، واتصال هاتفي من السيسي بالرئيس جيله أثناء أزمة الفيضانات، وسلسلة واسعة من اللقاءات بين وزراء البلدين، توسعت خلال الفترة اللاحقة، وإلى جانب ذلك تجمع البلدين علاقات متميزة، ولديهما نوايا كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والفني والبحري، وتؤخذ في الاعتبار إشارة موقع الهيئة العامة للاستعلامات، وهي بوابة رسمية مصرية إلى ضرورة إقامة قاعدة عسكرية مصرية في جيبوتي.

وتحتل جيبوتي مكانة مهمّة لمصر في إطار سياستها الخارجية لتأمين مجالها الحيوي في أفريقيا، لموقعها كبوابة لباب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، المرتبط بقناة السويس، خصوصاً مع تنامي التدخلات الدولية من روسيا والصين والولايات المتحدة في البحر الأحمر، وهو ما دفع القاهرة لإنشاء قاعدة برنيس العسكرية، في أقصى جنوب البلاد على البحر الأحمر، لتأمين مصالحها.

اقرأ أيضاً: بعد فشل مفاوضات "الفرصة الأخيرة" لسد النهضة.. ما الخيارات المتاحة

وفي حديثه لـ "حفريات"، ذكر أبو بكر عبد الرحمن، أنّه من المحتمل أن تنضمّ جيبوتي للتحالف المصري السوداني، إلى جانب تعزيز علاقتها مع كينيا، لموازنة حلف أديس أبابا أسمرا مقديشو.

وأضاف عبد الرحمن: بما أنّ القرن الأفريقي على أتون معركة كبرى جديدة "سيكون التنافس الإقليمي حول جنوب السودان ودول البحيرات، بعد أن حيَّدت القاهرة أوغندا باتفاق أمني، كما أنّ اتصال جيبوتي للقاهرة سيكون بمثابة اختبار واضح لما يمكن أن تقدمه القاهرة لجيبوتي، وعلاقات الأخيرة مع إثيوبيا".

أزمة الصوماليين والعفر

وشهد مطلع الشهر الجاري اشتباكات عنيفة بين إقليمي الصومال والعفر التابعَين لإثيوبيا، خلّف عشرات القتلى والجرحى، ولم يكن الصدام الأول من نوعه، فعلى مدار سنوات اشتبك الطرفان بسبب الصراع على المراعي والأراضي، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المسؤولية عن اندلاع العنف.

فاز الرئيس إسماعيل جيله بفترة رئاسية خامسة في جيبوتي

ولم تكن جيبوتي غائبة عن هذا الصراع، بسبب التداخل العرقي مع الإقليمين، واتّهمتها أطراف عفرية بدعم الإقليم الصومالي، من أجل زعزعة الاستقرار في المنطقة التي يمرّ بها الطريق الرابط بين ميناء عصب الإريتري وأديس أبابا، لقطع الطريق على تحوّل إثيوبيا نحو استخدام إريتريا كمنفذ بحري بديل، ومن جهة أخرى يلوم متابعون أديس أبابا على العنف، ويرون أنّها تستفيد منه في إطار خطة آبي أحمد لفرض حكم مركزي، بدلاً من الحكم الفيدرالي الإثني، الذي تسبّب في مشكلة الأراضي بين الصوماليين والعفر.

اقرأ أيضاً: فشل مفاوضات سد النهضة... ومصر ترد على إثيوبيا

ومن جانب آخر، وفي إطار التصعيد الجيبوتي ضدّ إثيوبيا، غرّد الرئيس، عمر جيله عبر تويتر حول نهر هواش، الذي ينبع من إثيوبيا ويصبّ في وادي هواش المشترك مع جيبوتي، وأثار حديث جيله سوء فهم لدى المتابعين في المنطقة، وربطه بعضهم بالتدخل الجيبوتي في الأزمة بين العفر والصوماليين.

وتقع جيبوتي على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، وتحدّها إريتريا من الشمال، وإثيوبيا من الغرب والجنوب، والصومال من الجنوب الشرقي، فيما تطل شرقاً على البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى الجانب المقابل عبر البحر، تبعد اليمن 20 كم.

ويقدّر عدد سكانها بنحو مليون نسمة، يعيش ثلثيهم في العاصمة جيبوتي، ويعاني خمس السكان من الفقر المدقع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية