هل تمهد بكين أمام طالبان طريق الحرير؟

هل تمهد بكين أمام طالبان طريق الحرير؟


27/09/2021

تترافق التطورات السياسية والميدانية الأخيرة، في أفغانستان مع تعقيدات جمّة في مسار العلاقة بين حركة طالبان والغرب، وكذا الولايات المتحدة؛ إذ تثير القرارات الأخيرة لحكام كابول الجدد مخاوف متفاوتة حيال نمط إدارتهم للحكم وممارساتهم المتشددة، والتي تبعث من جديد ذاكرة الحوادث المريرة التي قاموا بتنفيذها، تسعينيات القرن الماضي، بينما تتناقض والوعود التي تمّ إطلاقها للمجتمع الدولي، تحديداً ما يتّصل بالمرأة والأقليات واحترام الحريات وحقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: "طالبان" و"داعش".. تقاسم السّلطة وتقارب الأفكار

ومن بين القرارات الأخيرة التي أعلنت الحركة عنها، وتسبّبت في اندلاع مظاهرات أمام مبنى وزارة شؤون المرأة، التي تمّ إلغاؤها، منع النساء من الوصول إلى أعمالهنّ في كابول، بحسب رئيس بلدية العاصمة الأفغانية في الحكومة المؤقتة، وقد شدّد الأخير، الأسبوع الماضي، على عدم خروج موظفات الحكومة إلى أعمالهن، لكنّه استثنى، مؤقتاً، النساء اللاتي لا يمكن استبدالهن برجال.

كما قامت الحركة بإعلان آخر مباغت، مؤخراً، يحظر وصول الفتيات للمدراس مع بدء العام الدراسي الجديد، ومن ثم، الاقتصار على الذكور فقط؛ إذ قال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد: "ثمة خطط لفتح مدارس للبنات بسرعة".

اقرأ أيضاً: تحديات في مواجهة "طالبان"

ويضاف لذلك، القيود المفروضة على التعليم الجامعي للمرأة، التي تعيق متابعتها للدراسة، وتتمثل في الفصل بين الجنسين، والالتزام بالزيّ الإسلاميّ، وفق أدبياتهم السياسية والعقائدية.

الحركة تعود لسيرتها الأولى

كما رأت الحركة أنّ إلغاء وزارة شؤون المرأة، واستبدالها بـ "وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" يعدّ بمثابة "مهمة"، و"الهدف الرئيسي منها هو خدمة الإسلام"؛ إذ سبق للوزارة التي جرى استعادتها على عجل أن تابعت مهامها التقليدية أثناء سيطرة الحركة على الحكم، قبل عقدين، المتمثلة في تعقّب الفتيات وضربهنّ إذا كانت "غير محتشمة"، أو في حال وجودهن بالشوارع "دون ولي أمر"، كما حظرت "الأنشطة الترفيهية، ومن بينها الموسيقى والرقص ولعب الشطرنج وتحليق الطائرات الورقية، فضلاً عن إجبار الرجال على إطلاق اللحى، وفرض الالتزام بالصلاة".

يرى مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة؛ أنّ إدماج أفغانستان في مبادرة الحزام والطريق الصينية، يعدّ من بين أبرز الأهداف التي تضعها الصين ضمن أولوياتها بخصوص علاقتها بطالبان

وفي حديثه لـ "حفريات"، يرى المحلل السياسي الأفغاني، خالد شاه، أنّ حركة طالبان التي تعاني من تهديدات أمنية تزلزل الأرض تحت أقدامها، لا سيما بعد تفجيري إسلام آباد وكابل، مطلع الأسبوع الماضي، تقع تحت وطأة تهديدات إقليمية عديدة، وصراع نفوذ بين القوى الخارجية، تحديداً التنافس المحموم والقوي بين بكين وواشنطن، من ناحية، ثم النفوذ الهندي بالمنطقة والأزمة مع باكستان، من ناحية أخرى؛ الأمر الذي يفاقم الأزمة الأفغانية سواء فيما يتعلق بتعقيدات الحصول على اعتراف دولي، أو تداعيات ذلك على الأوضاع الاقتصادية المأزومة، خاصّة أنّ الأزمة الأولى سوف تتسبب في استمرار تجميد المبالغ الاحتياطية للبنك المركزي في واشنطن.

وفي ظلّ تباعد الرؤى والمصالح بين الحركة والولايات المتحدة وكذا الغرب، فإنّ احتمالات التقارب مع الصين تبدو مرشحة ومرجحة، طوال الوقت، وفقاً للمحلل السياسي الأفغاني.

اقرأ أيضاً: طالبان تنفي وجود داعش والقاعدة في أفغانستان

 وبحسب الناطق الرسمي بلسان الحركة، ذبيح الله مجاهد، فإنّه في أعقاب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان سوف يكون الاعتماد على "الأموال القادمة من الصين"، بصورة أساسية"، وتابع: "الصين شريكنا الأكثر أهمية، وتمثل فرصة أساسية واستثنائية لنا، لأنّها على استعداد للاستثمار وإعادة بناء دولتنا".

الناطق الرسمي بلسان الحركة، ذبيح الله مجاهد: في أعقاب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان سوف يكون الاعتماد على الأموال القادمة من الصين بصورة أساسية

كما لفت الناطق الرسمي بلسان الحركة إلى أنّ طريق الحرير الجديد يعدّ مبادرة لبناء البنية التحتية التي تريد من خلالها الصين زيادة نفوذها العالمي، وذلك عبر فتح طرق تجارية، تحظى بتقدير بالغ من جانب حركة طالبان، ومؤكداً على أنّه "بمساعدة الصين ستكافح الحركة لعودة اقتصادية قوية للبلاد".

وأردف مجاهد: "بلادنا غنية بمناجم النحاس، التي بفضل الصينيين يمكن أن تعود للعمل والتحديث، إضافة إلى ذلك تعدّ الصين منفذنا للأسواق في جميع أنحاء العالم".

اقرأ أيضاً: طالبان تبعث رسالة إلى الأمم المتحدة... ماذا جاء فيها؟

وبدوره، قال السفير الصيني لدى كابول، وانج يو، إنّ بكين مستعدة لمواصلة المساعدات الإنسانية "غير المشروطة" لأفغانستان، وفق وكالة أنباء (خاما برس) الأفغانية، وذلك أثناء لقاء السفير الصيني لدى أفغانستان مع وزير شؤون اللاجئين والعائدين بالوكالة، خليل الرحمن حقان، الإثنين الماضي، وقد تعهّد الأول بوصول مساعدات الإغاثة الصينية بحلول فصل الشتاء هذا العام.

ووفق بيان الوزارة الأفغانية، ستمنح الصين للشعب الأفغاني 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية، إضافة إلى مليون جرعة من لقاح كورونا.

مبادرة الحزام والطريق

غير أنّ مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تلمح إلى أنّ بكين أمامها معضلات عديدة لوضع أفغانستان تحت هيمنتها، من بينها الاقتصاد الذي جرى تدميره على مدار أربعة عقود، وعدم وجود بنية تحتية تساعد في الاستقرار السياسي، وتضيف: "رغم أنّ الصين حققت نجاحاً في العديد من البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، إلا أنّ تفاعلها مع الأنظمة المركزية يكون أفضل، حيث يمكن تعزيز النمو الاقتصادي والحصول على الموارد بسهولة، وواقع الأمر أنّ أفغانستان عكس ذلك تماماً، حيث إنّ النظام السياسي هشّ يشرف عليه الآن ثيوقراطية شديدة المحافظة في نواح كثيرة تعارض العناصر الأساسية للتحديث".

المحلل السياسي الأفغاني، خالد شاه لـ"حفريات": حركة طالبان تقع تحت وطأة صراع نفوذ بين القوى الخارجية، تحديداً بين بكين وواشنطن، ثم النفوذ الهندي بالمنطقة والأزمة مع باكستان

ولذلك، يرى مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أنّ الصين عيّنت يويشياويونج، الدبلوماسي المخضرم ذا الخبرة بالسياسة الأمريكية والشرق أوسطية، مبعوثاً خاصاً جديداً لها في أفغانستان. ويشير تعيين مبعوث جديد لأفغانستان، بحسب المركز، إلى "رغبة بكين في الانخراط بشكل أكبر في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية. ويمكن القول؛ إنّ أفغانستان تمثل أهمية كبيرة للصين، ليس فقط من منظور أمني، باعتبارها الفناء الخلفي للصين، لكنّ كذلك لاعتبارات اقتصادية".

ومن بين الأهداف التي تجعل العلاقة بين الصين وحركة طالبان مرشحة بقوة "التخلص من التهديد الأمريكي، وقد شكّل الوجود العسكري الأمريكي في الفناء الخلفي للصين في أفغانستان تهديداً إستراتيجياً خطيراً"، وفق مركز المستقبل، ويردف: "وكانت بكين تأمل بالتأكيد أن تنسحب الولايات المتحدة من هناك، لكنّها كانت ترغب فقط في أن يتمّ الانسحاب بشكل منظم، وبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين طالبان والحكومة الأفغانية".

اقرأ أيضاً: هل هي "طالبان" واحدة؟

كما أنّ إدماج أفغانستان في مبادرة الحزام والطريق الصينية، يعدّ من بين أبرز الأهداف التي تضعها الصين ضمن أولوياتها بخصوص علاقتها بطالبان، بحسب مركز المستقبل، الذي يرى أنّ هناك خيارَين لربط أفغانستان بالمبادرة، تتمثّل "أحدهما عبر ربط أفغانستان بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني؛ إذ ترتبط أفغانستان بباكستان من خلال أربع نقاط للسكك الحديدية، في مقاطعات هلمند وقندهار وخوست وننكرهار، والتي يمكن ربطها بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني".

اقرأ أيضاً: ما موقف السفارات الأفغانية من طالبان؟

ويضيف: "ثمة خيار آخر لربط أفغانستان بمبادرة الحزام والطريق الصينية، وذلك من خلال آسيا الوسطى، وكان قد تم تحقيق بعض الإنجازات في هذا الإطار؛ ففي أيلول (سبتمبر) 2016، وصل أول قطار صيني، يحمل بضائع من الصين لأفغانستان، إلى المعبر البري والمدينة الحدودية حيراتان في مقاطعة بلخ الشمالية، غير أنّه تم تعليق الخدمة بسبب المخاوف الأمنية وتراجع البنية التحتية، ويربط ذلك الطريق أفغانستان بالصين عبر السكك الحديدية بآسيا الوسطى، حيث يمر أيضاً الحزام الاقتصادي لطريق الحرير التابع لمبادرة الحزام والطريق، ويتيح المزيد من الإمكانات لأفغانستان للاندماج فيه".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية