هل تستخدم تركيا "التكتيك الإثيوبي" في مسألة السدود مع العراق؟

هل تستخدم تركيا "التكتيك الإثيوبي" في مسألة السدود مع العراق؟


26/01/2021

قبل نحو أسبوعين، أعلن العراق عن تأسيس مركز بحثي للمياه في بغداد بالتعاون مع تركيا، تناط به أبحاث المياه والسدود، كخطوة لتعاون مستقبلي، دون المساس بحصة العراق من المياه.

وحتى الآن، لم ترسل تركيا الوفد الذي كان يفترض أن يباشر العمل مع العراق في ذلك المركز، فضلاً عن تشكيك مراقبين في جدوى الخطوة، التي تُدخل الأزمة العراقية في المربع ذاته الذي تعاني منه مصر والسودان منذ أكثر من 10 أعوام، حيث أبحاث ووفود في ذهاب وإياب دائمين، دون أن تشهد أزمة سدّ النهضة أيّ اختراق.

ويبدو أنّ تركيا تمارس حالياً التكتيك ذاته الذي استخدمته إثيوبيا من قبل، من حيث فرض سياسة الأمر الواقع، فتستمرّ في تشييد السد، وفي الوقت نفسه ترسل مسؤوليها إلى المفاوضات لكسب الوقت.

وبالفعل، بدأت تركيا في توليد الكهرباء من سدّ إليسو المقام على نهر دجلة في 24 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أي بعد نحو أسبوع من زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تركيا، في 17 من الشهر نفسه.

وتطرّق الكاظمي، الذي كان يصطحب معه وزير الري في الزيارة، إلى مسألة المياه، مشدّداً على أهميتها، وسط مخاطر تعرّض مناطق في العراق للجفاف والشحّ المائي بسبب تأثيرات السد، فما كان من الجانب التركي إلا التأكيد على عدم المسّ بحصص العراق التاريخية من المياه.

بدأت تركيا في توليد الكهرباء من سد إليسو المقام على نهر دجلة في 24 كانون الأول  الماضي

وواقعياً، فإنّ العراق يواجه مخاطر الشحّ المائي إذا لم يتوصل إلى اتفاق مع تركيا، بحسب ما صرّح به وزير المياه العراقي مهدي رشيد الحمداني، فقد قال في 10 كانون الأول (يناير) الجاري، أي بعد أسبوعين من بدء تشغيل سد إليسو: إنّ بلاده ستواجه شحّاً في المياه، إذا لم يتمّ التوصل إلى اتفاق مع تركيا، مشدداً على أنّ لديهم الرغبة لحسم ملف المياه مع تركيا، لكنّ الأخيرة تريد شهرين للدراسة.

وتعطي تصريحات الحمداني مؤشراً آخر على تكرار تكتيك إهدار الوقت، وتكرار سيناريو "سد النهضة" الإثيوبي، ويبدو أنّ طموح تركيا أكبر من طموح إثيوبيا، فهي لا تكتفي بسدّ إليسو، بل تسعى لإقامة سدود آخرى.

اقرأ أيضاً: هل بدأ أردوغان حملة عسكرية جديدة في سوريا والعراق؟

وفي غضون ذلك، كشف متحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية عن سعي تركيا لإنشاء سدّين جديدين سيؤثران بشكل كبير على المياه العراقية، وخاصة نهر دجلة، كما جاء في بيان المتحدث الرسمي، بحسب ما أورده موقع "أحوال تركية".

وقال المتحدث: إنّ "سد إليسو التركي يؤثر بالمدى المنظور على الموارد المائية في العراق، مع أنه سيعمل على تأمين الطاقة الكهربائية، وبالتالي سيتمّ دفع كميات من المياه إليه وسيدفعها بدوره إلى سدّ الموصل".

 العراق يواجه مخاطر الشحّ المائي إذا لم يتوصل إلى اتفاق مع تركيا

وأضاف: إنّ "هنالك سدّين آخرين؛ أحدهما يقع في منطقة شمال ديار بكر، اسمه سد "سيلبان"، وهذا السدّ سيكون مؤثراً على المياه العراقية، لأنه سيُستخدم لإنشاء مشاريع إروائية في منطقة ديار بكر، والآخر هو سدّ الجزرة، الذي سيُستغلّ لتنفيذ مشاريع في منطقة ماردين الواقعة على الحدود السورية العراقية التركية".

اقرأ أيضاً: ردوغان يهدد بشن عملية عسكرية في العراق... هل حسمت تركيا ملف سنجار؟

وبيّن المتحدث أنّ "هذين السدّين يمثلان موضوعاً مقلقاً بالنسبة إلى العراق، ولهذا السبب تسعى الحكومة العراقية للتوصل إلى اتفاق صريح وواضح مع الحكومة التركية بشأن كمية المياه بشكل عادل ومعقول ومنصف".

بداية الأزمة

وتعود الأزمة التركية ـ العراقية في المياه إلى كانون الثاني (يناير) 2018، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم"، عند افتتاح تركيا سد إليسو، وبدء ملء خزانه المائي في 1 حزيران  (يونيو) من العام نفسه، وقد أقيم السد على نهر دجلة بالقرب من قرية "إليسو"، وعلى طول الحدود من محافظة ماردين وشرناق في تركيا.

هذان السدان يمثلان موضوعاً مقلقاً بالنسبة إلى العراق، ولهذا السبب تسعى الحكومة العراقية للتوصل إلى اتفاق صريح وواضح مع الحكومة التركية بشأن كمية المياه بشكل عادل

وفي تموز (يوليو) من العام الماضي حذّرت وزارة الزراعة العراقية من تأثر قطاع الزراعة في البلاد بسبب عدم التوصل إلى حل لأزمة المياه مع الجانب التركي.

وصرّح المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة وقتها، حميد النايف، في حديث لـ"بغداد اليوم"، بأنّ "مشكلة المياه مع الجانب التركي ليست وليدة اليوم، بل هي منذ أعوام عدة"، مبيناً أنّ "المفاوض العراقي لم يكن موفقاً في إبرام الاتفاقيات مع الجانب التركي من أجل تقاسم المياه".

وكان الوزير العراقي قد صرّح سابقاً بأنّ سد إليسو التركي سيكون له تأثير سلبي كبير على نهر دجلة، بعد اكتمال عملية الملء خلال المواسم المقبلة، مؤكداً أنّ وزارته "طلبت من الجانب التركي إجراء محادثات بشأن سد إليسو للاتفاق على خطة تشغيل السد، دون الإضرار بحصة العراق المائية".

تعود الأزمة التركية ـ العراقية في المياه إلى كانون الثاني (يناير) 2018

وأكد الحمداني في آب (أغسطس) الماضي أنّ كميات المياه الواردة من تركيا وإيران انخفضت بنسبة 50% نتيجة بناء عدد من السدود والمشاريع على منابع نهري دجلة والفرات. وأوضح في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" أنّ الوزارة عملت "على وضع استراتيجية لتقييم وضع العراق في ملف المياه لغاية العام 2035، تتضمّن سيناريوهات عدة لأسوأ الاحتمالات.

وفي أيلول (سبتمبر) الماضي شكّلت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي وفداً تفاوضياً برئاسة وزير الموارد المائية لحسم ملف المياه مع إيران وتركيا.

وصرّحت مقرّرة اللجنة وقتها إقبال عبد المحسن بأنّ الوفد يسعى إلى وضع حلول جادّة في إطلاق المياه المشتركة وعدم إقامة المزيد من السدود التي حوّلت عدداً من مناطق العراق إلى صحارى، فضلاً عن قطع الكثير من المياه عن المناطق الزراعية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية