هكذا كشف فيلم "تقوى" الفساد المستشري في التنظيمات الإسلامية التركية

هكذا كشف فيلم "تقوى" الفساد المستشري في التنظيمات الإسلامية التركية


04/02/2020

يعيش المُشاهد لفيلم "تقوى: رجل يخشى الله" التركي رحلة استكشافية توضح تجربة صعود عضو تقي وزاهد في تنظيم إسلامي تركي إلى قمة هرم تلك الجماعة؛ حيث يجد نفسه بعد ارتقاء السلّم بسرعة في أرض خاوية تجول بها كائنات فاسدة ويباب مقفر وخالٍ من الرحمة والإنسانية وإلإيمان.

 

 

تدور القصة حول الشخصية الرئيسية في الفيلم، وهو الخادم البسيط والورع "محرم"، الذي يعمل في شركة من شركات التنظيم الإسلامي المتنفذ والثري في مدينة إسطنبول، ويقوم بأداء دور محرم الممثل التركي القدير "أركان جان".
نشأ محرم في أجواء منقطعة للعبادة، وعلّمه أبواه منذ نعومة أظفاره السمع والطاعة والتبجيل لكبار قادة التنظيم الإسلامي هذا، ولا يغيب محرم عن أيّة جلسة للذكر والتسبيح والصلاة، وهذا الولاء الشديد للطريقة الدينية، دفع زعيم التنظيم لاختياره في منصب محصل أموال الإيجار لعقارات التنظيم الكثيرة والمنتشرة في كافة أحياء إسطنبول. 

اقرأ أيضاً: فيلم "طفيلي": هل تهدّد الفوارق الاجتماعية مصير العالم؟  
وتصوّر أحداث الفيلم رحلة محرم، السابرة لأغوار هذا التنظيم الصوفي، والذي يخفي تنظيماً سياسياً ومالياً واجتماعياً تحت يافطة التقوى والإحسان، التي يراها البسطاء والمؤمنون من الشعب التركي.
ويذكّر فيلم "تقوى" بتستّر الإخوان المسلمين الأتراك، وغيرهم من تنظيمات الإسلام السياسي خلف عباءة الإسلام الصوفي التركي، بعد انهيار السلطنة العثمانية، وبُعيد صعود النظام العلماني، الذي عمل على تنوير الشعب ومنع أدبيات المتطرفين من الانتشار في المجتمع.
أردوغان حين أخفى انتماءه للإخوان
يُذكر أنّ الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان، أخفى انتماءه الحقيقي لتنظيم الإخوان المسلمين ليصعد لرئاسة بلدية إسطنبول، متستراً بصوفية مزيفة، وبأنّه من أتباع منظمة "الخدمة" الصوفية التي أسّسها عالم الدين التركي، فتح الله غولن، وهذا على ما يعتقد كثير من المحللين سبب النزاع والشقاق بين غولن وأردوغان، بعد أن انكشفت ألوان أردوغان الحقيقية، والتي تتناقض مع دعوة الصوفية للمحبة والسلام والأخوة بين البشر.

يمثّل فيلم "تقوى : رجل يخاف الله" تجربة فريدة لكشف أسرار التنظيمات الإسلامية التركية، وكيفية تعاطيها مع الأموال

في فيلم "تقوى"؛ يصر زعيم التنظيم الإسلامي على اختيار محرم لمنصب جابي الإيجارات، رغم معارضة رؤوف، مساعد شيخ الجماعة المقرَّب، واستغراب عدد من رؤوساء شركات التنظيم لهذا التعيين.
وفي اعتقاد بعض النقاد السينمائيين؛ فإنّ فيلم "تقوى" يقول لبسطاء وأتقياء المجتمع التركي: "هذا ما ستجدونه إذا سنحت لكم الفرصة لصعود سلم المناصب في أيّ تيار إسلامي له أذرع أخطبوطية في المجتمع والاقتصاد، ويمتلك العديد من الاستثمارات والعقارات، ويخطب ودّه أيّ سياسي يريد الترشح للانتخابات أو البقاء في المشهد السياسي".
وبين ليلة وضحاها، يصبح الخادم، محرم، شخصية مهمة وذات تأثير في المجتمع الإسطنبولي، بعد أن كان نكرة ولا يعرفه أحد، وتبدأ هنا معاناة محرم؛ حيث يكتشف قسوة وتوحش الإدارة المالية للتنظيمات الإسلامية. 
رحلة استكشافية توضح تجربة صعود عضو تقي وزاهد في تنظيم إسلامي تركي إلى قمة هرم تلك الجماعة

تحدٍّ معنوي وأخلاقي
ويجد نفسه، بعد خروجه للعالم الخارجي، في تحدٍّ معنوي وأخلاقي، عندما يتعرض للمرة الأولى لمغريات السلطة والمال والجنس. إلاغراءات الجنسية الجديدة التي تحيط به، تكون على شكل أشياء بسيطة؛ مثل الاضطرار إلى السير في صفّ طويل من العارضات الإناث اللائي يرتدين ملابس داخلية، في طريقه لجمع بعض الأموال المستأجرة، ولم يشاهد محرم مثل هذا العالم من قبل، وسرعان ما يواجه أحلاماً مزعجة وهزات ضمير عنيفة؛ عندما يطلب منه شيخ التنظيم أن يجبي أموال الإيجار من عائلات فقيرة جداً، ويعاني معيلوها من أمراض تعيقهم عن العمل وكسب الرزق، ولا يستمع الشيخ لكلّ مبررات محرم للتعاطف مع تلك الأسر المعسرة، لكنّ الشيخ يتذرع بأنّ تلك الأموال لله وتنفق فيما يرضي الله، وتصرف على مدارس الأيتام التي تديرها الجماعة ولدعم اللاجئين من حرب البوسنة الذين قدموا لتركيا.

نقاد: فيلم "تقوى" يقول لبسطاء وأتقياء المجتمع التركي: هذا ما ستجدونه إذا سنحت لكم الفرصة لصعود سلّم المناصب

وتتعاظم صدمة محرم، ويتزلزل إيمانه، وتتصدع تقواه، عندما يلحظ بنت الشيخ زعيم التنظيم، هاجر، وهي تسير في الأسواق، وتبتاع أغلى المجوهرات وأثمنها، ويراها تشتري أثمن الثياب والهدايا بأموال طائلة جمعتها يداه من أيدي الفقراء والمساكين الذين يسكنون في بيوت الجماعة القديمة المنتشرة على طول إسطنبول وعرضها.
ثم يجد محرم أنّ المال والسلطة والنفوذ هي ما يحكم الطبقة الحاكمة للتنظيمات الإسلامية، وأنّ عبارات الإيمان والتقوى التي يتشدقون بها ما هي إلا للاستهلاك في قواعد التنظيم، وبين بسطائه ومساكينه، وهنا تبدأ حصانته الإيمانية بالتآكل ويصبح مخزونه من اليقين موضع شكّ وريبة ومثار تساؤلات لا تنتهي.
المؤمن التقي البسيط
وفي مشهد مؤثر؛ يتغير ذلك المؤمن التقي البسيط الذي كان في قاع التنظيم الإسلامي، ويتحول إلى سياسي وإداري فاسد؛ حيث يجد أنّ باستطاعته التلاعب بفواتير صفقة مكانس كبيرة يطلبها أحد التجار من أحد مصانع التنظيم؛ حيث يكسب محرم مبلغاً كبيراً من هذه الصفقة، ويُتبعها بتلاعب آخر بصفقة أخرى، يجني لنفسه منها مالاً كثيراً.

اقرأ أيضاً: 20 فيلماً ينبغي أن تكون على قائمة مشاهداتكم عام 2020
وتتغير شخصية محرم بعد أن جعل منه زعيم التنظيم مسؤولاً مالياً، فيظهر في مشاهد عدة وهو يقسو على لاجئ بوسني يعمل في مصانع التنظيم الإسلامي، ويسمعه أقذع العبارات، بل ويصفعه، ثم يتحول لواعظ لذلك الشاب عندما يرى اهتزازاً بعقيدة ذاك البوسني، الذي قتلت عائلته ولم تنفع تضرعات رجال الدين ودعواتهم في صدّ عدوان الصرب على مدنهم وعائلاتهم.
ويلاحظ المشاهد أنّ محرم أصبح هنا لا يجد لذة إيمانية في صلاته وتضرعاته لله، بل تصبح حركات روتينية لا معنى ولا قيمة، ويحاول الوصول لشيخه ليطهّر روحه، بعد أن علق بها الكثير من الدرن والذنوب، لكنّ ذلك الشيخ يلوذ بخلوة ينعزل بها عن الناس، مما يزيد عذاب محرم النفسي ويفضي لقلق كبير يسيطر على مشاعره وتصرفاته.

 

 

الزواج من ابنة الشيخ
وتزداد عذابات محرم عندما تُعرض عليه بنت شيخه للزواج، لكنّه يرفض لأنّه رأى سلوكها ولم يعجبه، ولأنّه يتصورها في تخيلات ويشاهدها في منامه، لكنّه يتبعها في شوارع إسطنبول ويلحظها تدخل في مكان تدور حوله شبهات، فيلومها ويوبّخها، فتذكّره هنا بأنّها ابنة شيخه، ولا يجوز له أن يتصرف معها بمثل هذه الفظاظة والغلظة.
وينتهي الفيلم بمشهد إطفاء ابنة الشيخ، التي تكفلت برعاية محرم، لشموع حول سريره، ونرى أنّ محرم في حالة غياب عن واقعه، بعد أن أصيب بصدمة كبيرة أقعدته الفراش، وبعد تجربة الصعود إلى قمة الهرم المالي والسياسي لتنظيم إسلامي كبير في المجتمع التركي.

اقرأ أيضاً: بروس لي يتسبب بوقف فيلم في الصين.. ما السبب؟
يمثّل فيلم "تقوى" تجربة فريدة لكشف أسرار التنظيمات الإسلامية التركية، وكيفية تعاطيها مع أموال الزكاة والصدقات وأموال الأوقاف التي يتبرع بها مسلمون موسرون لهذه التنظيمات، ظنّاً منهم أنّها ستستخدم فيما يعود عليهم بالأجر والثواب، لكنّ التنظيمات الإسلامية هذه تستخدم العقارات والعطايا في تعظيم أرباح زعمائها ولتكديس الأموال الطائلة لعائلاتهم وإتاحة الرفاهية لأبنائهم، كما تستخدم هذه العقارات والأموال في زيادة نفوذ قادة هذه التنظيمات، وتعطيهم قدرة كبيرة على تغيير سياسات وتعديل خطط وفرض مشروعات على الدول التي ينشطون بها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية