هكذا سيطر إخوان مصر على التنظيم العالمي للجماعة (1-4)

هكذا سيطر إخوان مصر على التنظيم العالمي للجماعة (1-4)


29/09/2021

بعد أن أطلق محمود عبد اللطيف، أحد عناصر التنظيم السرّي لجماعة الإخوان، دفعة من الرصاص باتجاه جمال عبد الناصر، رئيس وزراء مصر آنذاك، عام 1954؛ في محاولة فاشلة لاغتياله، وقع قادة الجماعة وعناصرها، في قبضة النظام الثوري الجديد، لتعلو الجماعة موجات شديدة من النكبات.

لم يتوقف الصراع بين إخوان الداخل المصري والتنظيم الدولي فكلّما رحل مرشد وجاء وقت اختيار مرشد جديد، تفجرت الخلافات

إلا أنّ عنصراً شاباً من عناصر الجماعة، كان يتمتع بالثقة لدى مؤسسها حسن البنا، استطاع أن يفلت من قبضة الأجهزة الأمنية، ويعبر الصحراء الكبرى، ويلوذ بنظام الملك السنوسي في ليبيا، ويحتل مركزاً مرموقاً في دولاب العمل هناك؛ إذ بات مستشاراً مركزياً للمصرف المركزي الليبي، ولوزارة الاقتصاد، يدعى هذا الشاب محمود أبو السعود.
لم يكن "أبو السعود"؛ الذي انضم لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ابن الــ 16 عاماً، عنصراً عادياً؛ إذ كان حسن البنا يرى فيه كفؤاً لأن يكون أحد بناة جناح أطلق عليه "قسم الاتصال بالعالم الإسلامي" وهو النواة الأولى لما أطلق عليه فيما بعد "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين".
الصقر الأب
جاء ذكر "أبو السعود" في كتاب "تاريخ اليمن"، لعبد الوهاب العقاب؛ إذ اختاره الأمير سيف الإسلام الحسن، نجل الإمام يحيى، حاكم اليمن، لأن يكون سكرتيراً خاصاً به، عام 1938، بيد أنّ ذلك كان بتوصية من حسن البنا نفسه، الذي أراد أن يزرع أحد أتباعه في قلب النظام اليمني آنذاك.

 كتاب "تاريخ اليمن"، لعبد الوهاب العقاب
كان أبو السعود ممثلاً للبنا في فعاليات ومؤتمرات دولية مهمة، منها مؤتمر "المائدة المستديرة" الذي دعت له بريطانيا من أجل مناقشة القضية الفلسطينية، وفق ما جاء في كتاب "الإخوان المسلمون ..أحداث صنعت التاريخ" للقيادي والمؤرخ الإخواني محمود عبدالحليم.
جاء العام 1965م ليقع الصدام الثاني بين جمال عبدالناصر، والإخوان المسلمين، ليسارع بالفرار شاب آخر، استطاع أن يلوذ بأستاذه "أبو السعود" وينجح في أن يضع له مكاناً مرموقاً بجواره .. كان هذا الشاب يوسف ندا.

اقرأ أيضاً: هل تعود جماعة الإخوان من جديد للمشهد العام؟
ومع أنّ نواة "قسم الاتصال بالعالم الإسلامي" كانت قد نمت وترعرعت في بعض البلدان الإسلامية، بفضل تجنيد الجماعة للمبعوثين من طلبة العالم الإسلامي التي أتت للدراسة في الأزهر الشريف وفي الجامعات المصرية، وبفضل أعداد أخرى من المهاجرين الإخوان لدول الخليج وبعض الدول الأوروبية والأمريكية، إلا أن الثنائي "أبو السعود" و"ندا" سيكون لهما الدور الأهم في تشكل التنظيم الدولي ذي الصبغة التنظيمية السرية والمعتمدة على تأسيس مراكز قوى مالية، كان لها الدور الأكبر في استفحال التنظيم في العقود التالية.
في أحضان السنوسي
جاء في كتاب "من داخل الإخوان المسلمين"، لدوجلاس تومسون ويوسف ندا: "عام 1962؛ قابل يوسف "ندا" الملك إدريس، ونشأت بينهما علاقة ودّ، وتوسط لهذا اللقاء فتحي الخوجة، رئيس المراسم، الذي أدرك الشاب أنه مسلم ملتزم نزيه، لقد أخبره الشاب يوسف عن اعتقاله والمعاملة التي تلقاها في مصر، كانت له أيضاً علاقات مع مسؤولين آخرين، مثل؛ الدكتور محمود أبو السعود، الاقتصادي العالمي وعضو جماعة الإخوان المسلمين، والذين كان معه في معتقل عبد الناصر الحربي، عام 1954، كان الملك إدريس قد عيّن "أبو السعود" مستشاراً مركزياً للمصرف المركزي الليبي ولوزارة الاقتصاد كذلك".

 كتاب "من داخل الإخوان المسلمين"، لدوجلاس تومسون ويوسف ندا
لم يكن "ندا" قد تعرض للاعتقال في مصر، لكنّه ذكر ذلك أمام الملك السنوسي، ليستجلب تعاطفه فيما يبدو، إلا أنه كان تحت رقابة نظام عبد الناصر، الذي كان يدرك خطورته، هو و"أبو السعود".

اقرأ أيضاً: بشهادة "القاعدة".. العنف خرج من رحم "الإخوان"
وعندما جاء عام 1969؛ كان نظام السنوسي يتعرض للإطاحة على يد العقيد معمر القذافي، فكان البحث عن الصيد الثمين، لتسليمه هدية إلى مصر، إلا أنّ الأقدار كتبت لهما النجاة؛ فــ "ندا" كان قد هرب على متن سفينة بضائع، مختفياً خلف ثلاجة قبطان السفينة، و"أبو السعود" كان خارج البلاد، مصادفة، أو شعوراً مسبقاً منه بقرب نهاية نظام "السنوسي".
يقول كتاب "من داخل الإخوان المسلمين": "غادر يوسف طرابلس في التاسع من سبتمبر 1969، مختبئاً خلف ثلاجة قبطان السفينة، في اليوم التالي وصلت قائمة أخطر المطلوبين من القاهرة، وعلى رأس قائمة المطلوب ترحيلهم الدكتور محمود أبو السعود، ثم يليه الاسم الثاني في القائمة: يوسف ندا".
الهروب الثاني
أما عن مصير "أبو السعود"، فقد كان "يقضي إجازة عندما حدث الانقلاب؛ إذ ذهب إلى أمريكا، حيث ساعد في تنظيم جماعة الإخوان وساهم في نشاط جمعية الطلاب المسلمين في أمريكا".

 

كان هذا الخروج البداية الفعلية لتأسيس ما يمكن أن يطلق عليه "عصر المنظمات الإخوانية في أوروبا وأمريكا"، لقد أسس أبو السعود في واحدة من أكبر المنظمات، التي لعبت دوراً كبيراً وخطيراً لصالح الجماعة.
اجتمع أبو السعود وسعيد رمضان، وشرعا في تجميع أعضاء التنظيم الدولي للإخوان في أمريكا، واستقطبا المهاجرين من الدول العربية، ودمجاهم في جمعية الطلاب المسلمين، ثم كان لـ "أبو السعود" دور كبير في تأسيس مؤسسات اقتصادية، شرع قادة في الجماعة في استكمالها فيما بعد.

 

اقرأ أيضاً: "الإخوان" والتقية السياسية

بعد وفاة جمال عبد الناصر، شرعت الجماعة في إعادة بناء هياكل الجماعة في عصر مرشدها الثاني، حسن الهضيبي، الذي حالت المنية دون أن يشهد تكملة عصر التأسيس الثاني، ولتدخل الجماعة تحت سيطرة رجالات النظام الخاص القديم.
من يحسم الصراع؟
مع بداية اختيار مرشد جديد للجماعة خلفاً لــ "الهضيبي"، طفت الصراعات الكامنة بين جبهتين؛ الأولى هم إخوان الخارج "عماد التنظيم الدولي والداعمون بالمال والجهد السياسي لخدمة الجماعة"، وبين إخوان الداخل (الذين ظلوا ينظرون لأنفسهم بأنهم أولى بقيادة زمام التنظيم)، لاعتبارات عدة، منها: أنهم يمارسون عملية البناء على الأرض، و"أهل مكة أدرى بشعابها"، وأنهم من ثبتوا في مواجهة المحن داخل السجون، بينما كان مؤسسو الخارج ينعمون برغد العيش، ويتعرضون لثقافات الغرب.

اقرأ أيضاً: لماذا يدعم الإخوان يوسف الشاهد في تونس؟
ومع ذلك، فقد خاض معسكر النظام الخاص، وعلى رأسهم: مصطفى مشهور، وأحمد حسنين، تلك المعركة بدهاء؛ إذ وصل الأمر إلى تمرير مرشد سري وافقت عليه قيادات التنظيم الدولي، وهو المهندس حلمي عبد المجيد، يفترض أنه يدير التنظيم من خلال مجموعة من الوسطاء، كانوا هم أنفسهم، ثم ما لبث إخوان الداخل أن نصّبوا مرشداً علنياً، كان واجهة للعمل العلني العام؛ هو عمر التلمساني.

 

أزعج ذلك إخوان الخارج، الذين وقفوا مكتوفي الأيدي أمام تحركات تنظيم الداخل المصري، والذي كان قد استغل فترات البراح الأمني في عصر الرئيس الراحل، أنور السادات، وبدايات عصر الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، في السيطرة على ما قد بناه قادة إخوان الخارج في العقدين الماضيين، وبات التنظيم المصري متحكماً في أفرع الجماعة في أوروبا وأمريكا والخليج، وتحول قرار التنظيم الدولي إلى شأن إخواني مصري خالص.
الصقر العجوز
في حديث سابق معنا؛ يكشف محمد المأمون، وهو قيادي إخواني كان قد استطاع الفرار من مصر في منتصف الستينيات، متجهاً إلى دولة الكويت، كيف استطاع مصطفى مشهور أن ينتزع من بين يديه فرعاً كان قد أسسه للإخوان في الكويت، بعد أن عرضه "مشهور" للمحاكمة الإدارية داخل التنظيم.

 

بعد وفاة جمال عبد الناصر شرعت الجماعة في إعادة بناء هياكل الجماعة في عصر مرشدها الثاني حسن الهضيبي

وفي هذا السياق، سلّمنا "المأمون" وثيقة قال إنها بخطّ يد محمود أبو السعود، تكشف انتقاد الأخير اللاذع لأداء إخوان الداخل.
يؤكد كاتب الرسالة أنّ عناصر النظام الخاص القديم للجماعة، استطاعوا الانفراد بقيادتها، وإقصاء القادة الآخرين، ممن لم يتربوا على ثقافة وأدبيات النظام الخاص.
واتهمهم بأنهم يفتقدون الكفاية والأهلية لتولي زمام القيادة في هذه المرحلة، كونهم لم يمتلكوا خبرات في المجال العام، وإن اضطروا في مرحلة من المراحل محاولة مواكبة العصر الجديد، إلا أنّهم، رغم ذلك، لم يستطيعوا التخلي عن ثقافة النظام السري الخاص.
ويكشف اعتراضه على ازدواجية القيادة في الجماعة، ويطعن في شرعية القيادة السرية، شارحاً قصة "المرشد" الخفي بشكل مفصل.

اقرأ أيضاً: الإخوان "تنظيم إرهابي" .. هل تفعلها الولايات المتحدة حقاً؟
لم يتوقف الصراع بين إخوان الداخل المصري والتنظيم الدولي؛ فكلّما رحل مرشد، وجاء وقت اختيار مرشد جديد، تفجرت الخلافات، التي تثبت قوة التنظيم الداخلي في مواجهة التنظيم الدولي، كان أشهرها إعلامياً: ما عرف بــ "بيعة المقابر"، وهي التي تولّى فيها مصطفى مشهور مقعد الإرشادية، وهو ما يزال واقفاً لتوه، يشيع جثمان مرشده الراحل، محمد حامد أبو النصر.(يتبع غداً حلقة ثانية).


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية