هكذا تُعسكِر إيران التشيع في العراق

هكذا تُعسكِر إيران التشيع في العراق

هكذا تُعسكِر إيران التشيع في العراق


01/11/2021

سعى صنّاع القرار الإيراني إلى تنفيذ أيديولوجيا ولاية الفقيه باستحداث أذرع عسكرية مؤدلجة يكون لها اليد الطولى على المؤسسات العسكرية الأخرى في إيران، وصبغها بأسماء ذات دلالات مذهبية تجعل مقاتليها يدافعون عنها عقدياً، وتجييش وعسكرة المجموعات السكانية في الخارج وفق ذات الاستراتيجية بعد تسييسها، إما ضد الأنظمة السنية الحاكمة، وإما دعماً للأنظمة الشيعية، دون أدنى اعتبار لما ستؤول إليه أوضاع الدول المستهدفة جراء الاقتتال الطائفي وتفشي الإرهاب، وتفاقم النزعات الانفصالية، والنزوح الجماعي غير المنظم، وهو ما ظهر جلياً في العراق.

العسكرة والمذهب وراء السياسة

ينتمي مفهوم "العسكرة" إلى بيئة مفاهيم العلوم العسكرية والصلح الحربي، وهو اسم مشتق من الفعل "عسكر"، وتعني عسكرة كتلةٍ ما إضفاء الصبغة العسكرية من تدريب وتجنيد وتسليح وتعليم أفرادها فنون القتال والحروب اللا متماثلة بشكل يجعلها قوة ورقما بحمل السلاح واستخدامه والدخول في أتون صراعات ومعارك سواء ضد الأنظمة الحاكمة بوحدة دولية ما أو ضد طائفة دينية أو أقلية أخرى ذات منظومة فكرية مغايرة على نحو يضمن لها قوتها ونفوذها، وهذا ما تشهده دول العالم الثالث؛ إذ لجأت إيران إلى عسكرة بعض المجموعات السكانية خارج حدودها لتنفيذ استراتيجياتها ومخططاتها.

تتركز معظم التجمعات الشيعية (ما بین 70 و 80٪) في أربع دول على رأسها إيران التي بلغ عدد سكانها وفقاً لتقديرات موقع وكالة الاستخبارات الأمريكية "فاكت بوك" في تموز (یولیو) ۲۰۲۱ نحو 85.8 مليون نسمة.

حوالي 100 ألف مقاتل شيعي جلبتهم طهران من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان ودربتهم بالعراق

ويسير المذهب وراء سياسة مَن يحكمون إيران، يقول محمد السلمي، في مجلة كلية السياسة والاقتصاد العدد الحادي عشر، بدراسة نشرتها جامعة أم القرى العام 2021: إنّ طهران قامت بصناعة عدة تشكيلات مسلحة تابعة للحرس الثوري، مستغلة المذهب، منها على سبيل المثال في العراق (حمزة سيد الشهداء شمالي غرب كربلاء)، (كتائب الأئمة بالنجف)، (كتيبة الغدير بكربلاء)، (لواء بني هاشم)، (لواء صاحب الزمان)، (كتيبة  ولي العصر)، و(فيلق علي بن أبي طالب).

اقرأ أيضاً: العراق: ميليشيات إيران الخاسرة تهدد بـ"ما لا تحمد عقباه"

وقد انصهرت الميليشيات جميعها لتشكل "الحشد الشعبي الشيعي" في نهاية 2016 تنفيذا لأوامر الولي الفقيه لتكرار تجربة حزب الله في لبنان لإكمال حلقات القوة الصلبة التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وعقب الانسحاب الأمريكي من العراق 2011، ظهرت عناوين ما يسمى بـ"فصائل المقاومة" وهي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران إلى العلن، مع محاولات إعلامية للترويج أنها أجبرت قوات الاحتلال الأميركي على الانسحاب، لتثبيت وجودها العسكري والسياسي.

بعد سقوط نظام صدّام واغتيال مؤسس فيلق بدر زاد التصاقه بالأجندة الإيرانية وتغير اسمه إلى "منظمة بدر"

من هذه الميليشيات والفيالق ما ظهر قبل الغزو الأمريكي للعراق مثل المنظمة التي كان يقودها هادي العامري، وجزء آخر ظهر بعد سقوط العراق 2003، في حين الجزء الأكبر ظهر بعد ظهور داعش 2014، مثل عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، وحركة النجباء بقيادة أكرم الكعبي، وكتائب حزب الله العراقي، وجيش المختار بقيادة واثق البطاط، ولواء أبو الفضل العباس بقيادة أوس الخفاجي، وكتائب الإمام علي بقيادة شبل الزيدي، وسرايا الخراساني، وفرقة العباس بقيادة هيثم الزيدي.

يضاف ما سبق إلى حوالي 100 ألف مقاتل شيعي جلبتهم طهران من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان، بينما قدّرت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عددهم بنحو 70 ألف مقاتل، بينهم ٢٠ ألفاً من الميليشيات العراقية ومثلهم من الأفغان، إلى جانب 7 آلاف من باكستان، ونحو 10 آلاف مسلح من ميليشيات حزب الله، تم تدريبهم في العراق ومعسكر بازوكا في إيران، وبعضهم تم إرساله لسوريا واليمن، كجزء من (قوات شيعية عابرة للحدود) تحت اسم (الجيش الشيعي الحر) الذي يتكون من: لواء حيدريون، ويتشكل من شيعة العراق ولواء حزب الله، ولواء فاطميون، الذي يتشكل من الشيعة الأفغان، ولواء زينبيون، الذي يتكون من شيعة باكستان.

الحشد والجيش الإيراني الحر

في نفس الاتجاه كانت هناك فيالق عراقية تتلقى دعماً غير محدود من إيران، منها: فيلق بدر العراقي، الذي بدأ العمل العام 1982 كذراع عسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي أسسه السيد محمد باقر الحكيم بمعاونة مخابراتية إيرانية قضت بتجنيد العراقيين المنفيين في إيران وأسرى الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية لمصلحته.

اقرأ أيضاً: العراق: بعد تحديد شروطه .. ما الذي ينتظره العالم من التيار الصدري؟

شارك فيلق بدر في عدة معارك ضد الجيش العراقي، وفي عمليات الانتفاضة الشعبانية الشيعية في العراق العام 1991. وبعد سقوط نظام صدّام حسين العام 2003، واغتيال المؤسس، بدا التصاق الفيلق بالأجندة الإيرانية في العراق جلياً جداً، وتغير اسمه إلى "منظمة بدر" بعد إصدار قانون حلّ الميليشيات، ويترأسه هادي العامري.

وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين وتصاعد النفوذ الشيعي، تشكّلت عدة فصائل شيعية مسلحة، توحدت تلك 2006 لتشكل حزب الله – العراق، الذي صنّفته أمريكا عام 2009 منظمة إرهابية.

وظهرت حركة عصائب أهل الحق العراقية، ويترأسها قيس الخزعلي وكانت تعمل كإحدى سرايا جيش المهدي بقيادة السيد مقتدى الصدر، لكنها استقلت عنه تماماً بعد الإعلان عن حل جيش المهدي العام 2008.

كما تدعم إيران (حركة النجباء العراقية)، التي أسسها أكرم الكعبي، عقب انشقاقه عن عصائب أهل الحق، العام 2013.

تتعدد ولاءات تلك الفصائل فمنها من يتبع المرشد الإيراني وأخرى مرجعية النجف عدا مراجع شيعية أخرى

ووفق دراسة لمركز الحوار السوري، تحت عنوان: استثمار إيران في جماعات الغلو والتطرف، نشرها موقع (على بصيرة) إنه بعد أربعة أيام من الاستيلاء على الموصل العراقية، أصدر آية الله العظمى علي السيستاني، أكبر مرجعية دينية شيعية في العراق، فتوى الجهاد الكفائي، التي تحض العراقيين على التطوع للقتال ضد مسلحي التنظيم، وبعدها توافد عشرات الآلاف من الشباب، ومعظمهم من شباب الجنوب الشيعي الفقير وضواحي بغداد، على مراكز التجنيد ومعسكرات الجيش ومقار الميليشيات، وكان بعضهم يرتدي عصابات خضراء تحمل شعار "كتائب حزب الله"، التي شكلها القائد العسكري أبومهدي المهندس العام 2006، وهو الذي أصبح القائد الرئيسي للمظلة الجامعة للميليشيات الشيعية، المعروفة باسم قوات "الحشد الشعبي".

اقرأ أيضاً: العراق يتأهب: هل يتغلب السلاح على السياسة؟

ويتكون الحشد الشعبي من نحو 67 فصيلًا، وفي العام 2019  تم تنظيم فصائل الحشد في شكل ألوية، وعددها 64 لواء موزعة على 8 محاور.

وتتعدد ولاءات تلك الفصائل، فمنها من يتبع المرشد الإيراني، ومنها من يتبع مرجعية النجف، بينما يتبع البعض مراجع شيعية أخرى.

وتواصل ميليشيات الحشد الشعبي العراقية تحركاتها الهادفة إلى بناء اقتصاد موازٍ لها داخل المؤسسات الحكومية وخارجها، وذلك في تكرار واضح لتجربة الحرس الثوري الإيراني، الذي تمكن بحسب التقديرات من السيطرة على ثلث الاقتصاد الإيراني.

وعلى الرغم من سعي جميع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ظهور ميليشيات الحشد الشعبي كفاعل رسمي لهيكلة تلك الميليشيات إلى فرض سيادة وهيبة الدولة، فإنّ جميع المحاولات فشلت في هذا الصدد لاصطدامها بعقبة كبرى، وهي هيمنة القوى الشيعية ذات الصلة الوثيقة بإيران.

إنّ ما جرى في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وغيرها من الدول الأخرى خير دليل على السياسة الإيرانية لعسكرة التشيع، حين اتجهت طهران نحو تجييش وعسكرة الجيوب الشيعية في كثير من الدول، وتسليحهم لكي يصبحوا أرقاماً لا يمكن تجاوزها في دولهم، ويكونوا رديفاً تستطيع إيران من خلالهم تمرير مخططاتها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية