رغم الانتكاسات المتتالية، والإخفاقات التي منيت بها جماعة الإخوان المسلمين، عبر تاريخها، في كثير من الدول التي ترعرعت فيها، لكن يبدو أنّها لا تتعلم من تجاربها؛ ووفق هذا النهج يحذو فرع التنظيم في موريتانيا "شمال غرب إفريقيا" السياق التاريخي الذي مضى فيه التنظيم "الأم" في مصر حتى نهايته "شبراً بشبر وذراعاً بذراع".
ومؤخراً لوّح الرئيس الموريتاني باستخدام خيار حلّ حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" وهو ما يعرف اختصاراً بــ"تواصل"، وأنّ السلطات تمتلك ملفات كثيرة يمكن أن تدين بها الحزب الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بوضع الجماعة خطة لــ"التمكين" عبر التغلغل والسيطرة على مفاصل الدولة الموريتانية.
خطة "تمكين" مكشوفة
خطة "التمكين" التي تتحدث عنها الحكومة الموريتانية ليست بدعة لفرع الجماعة هناك، بل دشّنتها الجماعة "الأم" في مصر، واكتشف أمرها في مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما داهمت السلطات منزل وشركات، خيرت الشاطر، أحد أبرز قادة الجماعة.
اقرأ أيضاً: هل تحظر موريتانيا تنظيم الإخوان المسلمين؟
تحتوي هذه الخطة على رسم "تخطيطي" يشرح كيفية التغلغل في مؤسسات الدولة كافة بما فيها الجيش والشرطة والقضاء، بأطر زمنية محددة، تنتهي بالسيطرة على الحكم، بيد أن هذه الخطة تسبقها خطة أولية تطلق عليها الجماعة "التكوين".
ربما لم تكن مصادفة أن يطلق الشيخ محمد الحسن ولد الددو مسمى "تكوين" على المركز الذي يرأسه، وأصدر الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبدالعزيز، قراراً بإغلاقه أواخر الشهر الماضي.
يحذو فرع تنظيم الإخوان في موريتانيا السياق التاريخي الذي مضى فيه التنظيم "الأم" في مصر
تشبه ممارسات فرع الجماعة في موريتانيا ما قامت به نظيرتها في مصر قبل الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011، ليس فقط في خططها التي منيت عملياً بالفشل، بل في الممارسة والسلوك السياسي والديني.
ففي الانتخابات الأخيرة (التشريعية والجهوية والبلدية) التي شهدتها موريتانيا بداية شهر أيلول (سبتمبر)، بالغت الجماعة في استعراض قوتها، عبر سلاسل بشرية حاشدة، لم تظهر قوة الجماعة بقدر ما كشفت القدرة المالية التي تتمتع بها في ظل بلد ذي إمكانية وموارد محدودة، ما دفع للتساؤل: من أين يتحصل هؤلاء على كل هذه الأموال؟ وهل يرجع ذلك لارتباط الزعيم الروحي للجماعة، محمد الحسن ولد الددو، ذات العلاقات الوطيدة بقطر، والقيادي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه يوسف القرضاوي؟
وبالرغم من ضخ أموال طائلة كي يجتاح "تواصل" الانتخابات الموريتانية إلا أنه لم يفز بها، وحصد حزب الرئيس الموريتاني الأغلبية، وخرجت الدولة ساخطة من تلك الانتخابات على الأداء السياسي لجماعة الإخوان التي لا تستجب لمطالبات فصل ما هو دعوي وديني عمّا هو سياسي.
اقرأ أيضاً: مفتي موريتانيا يتحدث عن "خطر وحظر الإخوان"
وقال ولد عبدالعزيز في حديث صحفي نشرته وسائل إعلام: "ليس من الطبيعي أن يستخدم حزب واحد الإسلام ويحتكره، هذا غير مقبول، ولن يكون مقبولاً في المستقبل"، ثم ألمح الرئيس إلى "إجراءات ستتخذ في الوقت المناسب".
وأضاف قائلاً: "المآسي التي تسببت فيها الحركات الإسلامية المتطرفة للعرب والمسلمين أكثر من القتل والمآسي التي تسببت فيها إسرائيل للفلسطينيين وللعرب في ثلاث حروب خاضتها معهم".
توغل مريب
بعدها سحبت السلطات، أواخر الشهر الماضي، ترخيصاً كانت قد منحته لجامعة "عبدالله ياسين" التي يهيمن عليها تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا، ما فسّره البعض بأنه يأتي ضمن حزمة من الإجراءات التي وضعها ولد عبدالعزيز لقصقصة أجنحة الجماعة العلمية والمالية، تمهيداً لحل واجهة الإخوان السياسية "تواصل"، وربما حظر نشاط الجماعة نفسها فيما بعد.
رغم ضخ أموال طائلة كي يجتاح "تواصل" الانتخابات الموريتانية إلا أن حزب الرئيس حصد الأغلبية
يدرك ولد عبدالعزيز خطورة دخول الإسلاميين لمعترك الحياة السياسية، من خلال حزب معترف به قانوناً، إلا أنه مجرد واجهة لجماعة دينية ترفع شعارات إسلامية تحترك من خلالها الدين وتصادره على غيرها من الأحزاب المدنية من غير ذوي الخلفيات الدينية.
ولذا فقد ذهبت السلطات الموريتانية في العام 2014 إلى حل الذراع الدعوية لحزب "تواصل" وهي جمعية المستقبل للدعوة والتربية والثقافة التي يرأسها محمد الحسن ولد الددو أيضاً.
أشار الرئيس الموريتاني إلى التوغل المريب للمؤسسات الاقتصادية والثقافية والجمعيات الخيرية، الممولة من قطر، إلا أنّ الجماعة طالما استعملت ردوداً قديمة كانت تتلاعب بها الجماعة الأم في مصر ، وهي في مواجهة تلك الاتهامات، فتدعي أنّ تلك النشاطات تدخل في صلب اهتمامها الخيري والدعوي وليس مجرد تكتيك تستخدمه للسيطرة والوصول إلى السلطة خارج إطار الدستور.
يسيطر التنظيم على مؤسسات مالية كبرى، ويدير محال تجارية وصيدليات، ومحطات بنزين، ووكالات لتأجير السيارات، فضلاً عن المحلات التجارية المتنوعة والمنتشرة في أرجاء البلاد، وفق جريدة العرب اللندنية.
اقرأ أيضاً: موريتانيا تتجه لحل الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين
مما دفع المستشار السابق في الرئاسة الموريتانية محمد إسحق الكتني، في مقال له حمل عنوان "الحلّ في الحل" أن يدعو إلى حلّ حزب الجماعة قائلاً: الذين يعارضون حل التنظيم الإخواني باسم الديمقراطية، يتناسون أنه لم يتردد لحظة في التنكر للديمقراطية، حين اعتقد أن مصلحته تقتضي ذلك، كما يفعل الإخوان عموماً".
وأشار المحلل السياسي، في مقاله الذي نشرته صحيفة "الوطن" الموريتانية، إلى موقف الإخوان التاريخي من قضايا الحريات والديمقراطية بقوله: "ينسى المدافعون عن الإخوان باسم الديمقراطية أن الإخوان كانوا إلى عهد قريب من ألد أعداء الديمقراطية، ولا يتبنونها إلا إذا كانت كفيلة بإيصالهم إلى السلطة".
توجه عام مناهض لجماعة
يتشكل وعي سياسي يتجه نحو رفض وجود الجماعة في الحياة السياسية الموريتانية برمّتها؛ إذ بدا تأثير ذلك جلياً في الانتخابات الأخيرة، التي انحاز غالبية الناخبين فيها للاصطفاف حول الحزب الحاكم باعتباره ضمانة لاستقرار موريتانيا، ولم تنفع الإخوان قوتهم الاقتصادية والدعم الممنوح لهم خارجياً.
ولد عبدالعزيز: ليس من الطبيعي أن يحتكر حزب واحد الإسلام ولن يكون مقبولاً في المستقبل
وهو الاتهام الذي أفصح عنه رئيس حزب الوئام الموريتاني، بيجل ولد هميد، الذي أشار بأصابع اتهامه إلى حزب "تواصل" بتلقي تمويلات من الخارج والعمل على الخروج عن التقاليد المحلية المتمثلة في المذهب المالكي.
ولم تُجدِ مزاعم قيادة حزب تواصل، كونه حزباً إسلامياً محلياً بطبعة خاصة؛ أي صدى لها في الواقع في ضوء شبكة علاقات زعيمه محمد جميل ولد منصور، وهي الشبكة التي كشفتها قائمة الحاضرين لمؤتمره الأخير، التي ضمّت قيادات من أحزاب إخوانية من المغرب وليبيا وتونس والسودان، إضافة إلى وفد من حركة حماس بقيادة خالد مشعل، وفق صحيفة العرب اللندنية.
بدا أنّ التوجه العام المناهض لجماعة الإخوان في موريتانيا يأتي اعتباراً من سياسات ومنهج جماعة الإخوان، التي أدت إلى انزلاق العديد من الدول في تطاحنات داخلية، لم ينتج عنها سوى الوبال والدماء وهو ما عبر عنه الرئيس الموريتاني في أحد تصريحاته الإعلامية حين قال : "الإخوان دمروا دولاً عربية ويجب منعهم من تدمير موريتانيا".