مواجهة مكشوفة بين أوروبا والإخوان.. ما علاقة تركيا؟

مواجهة مكشوفة بين أوروبا والإخوان.. ما علاقة تركيا؟


14/07/2021

عززت أوروبا إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف خلال الأشهر الماضية في إطار الاستراتيجة الشاملة التي أقرها الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي، والتي سمحت بتوسيع آليات مكافحة التطرف لتشمل تنظيم الإخوان الذي طالما اتخذ من الدول الأوروبية ملاذاً آمناً لنشاطه التنظيمي والاقتصادي.

وبشكل متسارع أصدرت عدة دول قوانين وإجراءات على مدار العام الماضي وتحديداً بعد هجوم فيينا الإرهابي الذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وما سبقه من هجمات استهدفت مدناً أوروبية أخرى كان أبرزها حادث نيس بفرنسا، وواقعة ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي، وكلها جرائم ثبت تورط تيارات الإسلام السياسي فيها بشكل مباشر من خلال التحقيقات.

لا تنفصل الحرب الأوروبية على تنظيم الإخوان، عن الغضب تجاه تركيا التي باتت تُمثل استفزازاً مستمراً لدول الاتحاد الأوروبي

تزايد وتيرة الإرهاب داخل أوروبا، بالتزامن مع التحذيرات التي أصدرتها أجهزة استخباراتية بمدى الخطورة التي تمثلها جماعة الإخوان على المجتمع الأوروبي، فضلاً عن ثبوت تورط عناصر التنظيم في تجنيد مقاتلين أوروبيين لتنظيمات إرهابية مثل؛ داعش والقاعدة، فضلاً عن توفير تمويلات ضخمة لتلك التنظيمات، كل ذلك دفع أوروبا إلى اتخاذ إجراءات أكثر حسماً فيما يتعلق بالتواجد الإخواني المتنامي على أراضيها.

ما علاقة تركيا؟

ولا تنفصل الحرب الأوروبية على تنظيم الإخوان، عن الغضب تجاه تركيا التي باتت تُمثل استفزازاً مستمراً لدول الاتحاد الأوروبي، ووفق مراقبين، فإنّ القوانين الأوروبية تستهدف بشكل أساسي ردع النفوذ التركي، المتمثل في استخدام تلك التنظيمات للضغط على الأنظمة من أجل تمرير رغبة أنقرة في ملفات عديدة، ويشير المراقبون إلى التقارير التي ربطت بين الهجمات الأخيرة في فرنسا وحالة الصراع المحتدم بين الرئيسين التركي والفرنسي في هذا التوقيت.

ويقول الباحث المصري المختص في الشؤون الدولية محمد فوزي إنّ قرارات وإجراءات دول أوروبية مثل: النمسا وألمانيا وفرنسا، بحظر أنشطة وشعارات عدد من المنظمات المتطرفة والإرهابية، خصوصاً: الإخوان المسلمين والذئاب الرمادية التركية وجماعة أنصار الدودية، تعكس القناعة التي وصلت إليها هذه الدول عن حجم الخطر الذي تمثله جماعة الإخوان وغيرها من الفاعلين الدينيين والمسلحيين من غير الدول، والمتواجدين في أوروبا.

اقرأ أيضاً: النمسا تحظر الإخوان... هل تغير دول أوروبا موقفها من الجماعة؟

ويرى فوزي، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الإخوان استفادوا من مناخ الحريات في أوروبا، الذي يضمنه السياق السياسي والبنية القانونية الأوروبية، فضلاً عن توظيفهم لتعاطف بعض الدوائر الأوروبية مع التنظيم وعلاقتهم بها، وذلك في ظل رفع الإخوان للشعارات الجهوية المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فتمددوا وانتشروا في أوروبا وسيطروا على الفضاء الديني الإسلامي هناك، وقد تعاظم هذا الحضور مع التوظيف الذي قامت به بعض دوائر صنع القرار الأوروبية للإخوان، حيث اعتبروها أداة من أدوات الضغط على حكومات العالم العربي.

اقرأ أيضاً: البرلمان المصري يقر قانون "فصل الإخوان" من وظائف الدولة... ما هي تبعاته؟

ووفق الباحث المصري، فقد أدركت الدول الأوروبية الخطأ الذي ارتكبته حينما احتضنت هؤلاء، ووفرت لهم الدعم، وسمحت لهم بممارسة أنشطتهم طيلة سنوات، وقد حدث هذا التحول في القناعات الأوروبية بعد تعرض أوروبا لنتائج هذا الاحتضان الكارثية، خصوصاً بعد تبني كثيرين ممن ينتمون للإسلام السياسي في أوروبا لأفكار متطرفة تحولت إلى سلوك إرهابي، فضلاً عن تنامي مظاهر ما يُعرف بـ "الانعزالية الإسلامية" عن المجتمعات الأوروبية، وهي الفكرة التي تضرب المبادئ الراسخة التي تقوم عليها الدول الأوروبية في مقتل، وأعتقد كذلك أنّ هذا التحول يرتبط بالإدراك الأوروبي لحجم التوظيف الذي يقوم به النظام التركي بقيادة الرئيس التركي لهذه الجماعات، حيث يوظف أردوغان هذه الجماعات من أجل تنفيذ أجندته في أوروبا، والتغلغل الناعم فيها، والضغط على الدول الأوروبية من خلالها.

تمهيد لمسارات جديدة في التعامل مع الإسلام السياسي

وقال فوزي إنّ القرارات الأوروبية الأخيرة، تمهيد لتبني الدول الأوروبية لمسارات تشريعية جديدة تراعي خطورة تيارات الإسلام السياسي، وتستهدف محاصرة نشاطها، وفرض رقابة صارمة على تحركات أعضائها ومصادر تمويلها، وهو المسار الذي بدأت مؤشراته في الظهور حيث تم إقرار "اتفاق المبادئ" في فرنسا ووافق عليه "المجلس الأعلى للديانة الإسلامية"، ودعا برلمانيون فرنسيون إلى إقرار تشريع يحظر الإخوان خصوصاً مع وجود تحذيرات استخباراتية من تنامي أنشطة الإخوان ومن (50) ألف عضو تابع لتنظيم الإخوان المسلمين في فرنسا، وفي نفس السياق تُمهد التشريعات الجديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف في النمسا المضي قدماً لحظر تنظيم الإخوان، وذلك بعدما أضيف شعار التنظيم في عام 2019 إلى شعارات المنظمات المحظورة في النمسا، بالإضافة إلى أنه في عام 2020 اقترح برلمانيون وقف التعاون مع التنظيمات التابعة للإخوان في النمسا.

وأشار إلى أنّ أخطر ما في هذا التحول والحراك الأوروبي لمحاصرة الإخوان، يتمثل في تضييق الخناق عليهم، وعلى مساحات تحركهم خصوصاً في ظل البحث عن مسارات بديلة بعد تركيا، وهو ما يعزز من تفكير الجماعة في دول شرق أوروبا، وبعض الدول الآسيوية، أو حتى إيران من أجل توفير ملاذات آمنة لقيادات الإخوان في مرحلة ما بعد تركيا.

يذكر أنه في أعقاب الهجمات التي وقعت في باريس ودرسدن وكونفلانس سانت أونوريين ونيس وفيينا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، اتفق وزراء داخلية الاتحاد على مواصلة تعزيز جهودهم المشتركة لمكافحة الإرهاب.

محمد فوزي: أدركت الدول الأوروبية الخطأ الذي ارتكبته حينما احتضنت الإخوان، ووفرت لهم الدعم، وسمحت لهم بممارسة أنشطتهم طيلة سنوات

ووفقاً لدراسة أعدها مركز سما للدراسات، أسفرت الإرادة السياسية المشتركة عن توصل المجلس الأوروبي إلى لائحةٍ جديدة بعد شهرٍ واحد.

وأوضحت الدراسة أنه في السنواتِ الأخيرة، ركَّزت استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، تعزيز تبادل المعلومات، تعزيز عمليات التفتيش على الحدود الخارجية، منع التطرف عبر الإنترنت، تجريم تمويل الإرهاب، وتعزيز التعاون مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وفقاً لتقرير الاتحاد الأوروبي بشأن حالة واتجاهات الإرهاب لعام 2020، لعبت شبكات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، دوراً محورياً في التخطيط والتنفيذ للهجمات الإرهابية التي وقعت في السنوات القليلة الماضية.

تعزيز محاربة التطرف والإرهاب

وتقول دراسة للمركز الأوروبي للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، إنّ "الأجهزة الأمنية الألمانية عملت على  تكثيف عملياتها خلال الفترة الماضية لتتبع عناصر تنظيم الإخوان ومراقبة نشاطهم ومداهمتهم في أماكن تجمعهم، وكذلك حظر أي نشاط لهم"، لافتة إلى أنّ التعديلات التي جرت على قانون الشرطة الألمانية مؤخراً سمحت للأجهزة الأمنية بمساحة أكبر للتحرك وملاحقة هذه العناصر، كما وضعت جميع المشتبه بهم تحت رقابة مشددة لتتبع مصادر تمويلهم ومنع وصولها للبلاد.

وتردف الدراسة المنشورة تحت عنوان: "الاستخبارات الألمانية.. تعزيز القدرات لمكافحة الإرهاب والتطرف"، أنّ ذلك يتزامن ذلك مع حملات سياسية وقانونية لوضع الإخوان في قائمة التنظيمات المتطرفة، حيث تدرس عدة أحزاب سياسية آليات المساءلة القانونية لإيقاف التمويلات الواردة للجمعيات والمؤسسات التي تعمل الجماعة من خلالها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية