مصطلح الجاهلية المعاصرة في الخطاب الأصولي

مصطلح الجاهلية المعاصرة في الخطاب الأصولي


16/09/2021

تبنّت الحركات السلفية الجهادية خطاباً، في مفرداته، يدعو للجهاد من أجل السلام، لكنّ هذا السلام الواهي لا يعتمد على التناغم بين أفراد المجتمع ومذاهبه وعقائدة، وإنما تستند حقبة السلام، بحسب خطاب السلفية الجهادية إلى انصياع الجماهير لأمير الجماعة، ولما يقرّه إسلاماً صحيحاً، يحكم به العوام من الناس، سواء كان في ذلك رضاؤهم أم لا، فالعقيدة الجهادية والرباط حتى يوم الدين هو الهدف الأسمى من منظور الحركة الجهادية.

اقرأ أيضاً: الجاهلية مفهوم إخواني يكرّس الكراهية والانفصال عن الأمة
لهذا استحدثت الحركات السلفية الجهادية عبارات على شاكلة؛ الجهاد ضدّ الجاهلية المعاصرة، على اعتبار أنّ المجتمعات التي تجاهد ضدها تعيش في جاهلية من البدع، تستوجب الجهاد المسلح.  
الجهاد ضدّ الجاهلية
استوحت السلفية الجهادية عبارة الجهاد ضد الجاهلية المعاصرة، بحسب تأويلاتهم، من لفظ الجاهلية الوارد في القرآن الكريم؛ حيث ورد لفظ الجاهلية 4 مرات على النحو الآتي:

العقيدة الجهادية والرباط حتى يوم الدين الهدف الأسمى من منظور الحركة الجهادية

{أيظنون بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} (آل عمران: 154)، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة: 50)، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (الأحزاب: 33)، {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} (الفتح: 26).
والمقصود بالجاهلية، بحسب النص القرآني؛ حياة الأمم قبل الإسلام، أما الدعاة والمحركون للعمليات الجهادية يحاولون دوماً استرجاع الماضي، وإقحامه في الحاضر، فهناك جاهلية ما قبل الإسلام، وهناك جاهلية هذا الزمان (الجاهلية المعاصرة).
لم يكن استرجاع تلك المفردات القرآنية من زمانها وإسقاطها على الحاضر؛ هو شغل السلفية الجهادية وحدها؛ فالحركات السلفية الدعوية أو جماعة الإخوان، أو بعض الأنظمة العربية، لجؤوا إلى تلك المصطلحات كلما استطاعوا سبيلاً، أو كلما أرادوا إضفاء شرعية ما على أنظمتهم، لكن يظل الجهاد ضدّ الجاهلية من المفردات الراسخة والمتواجدة بقوة في الخطاب السلفي الجهادي تحديداً.
الجاهلية بحسب المعاجم العربية
يشير د.أحمد الصاوي، مدرس العقيدة بجامعة الأزهر، في مقاله "بين الجاهلية والإسلام والعصر الحاضر" المنشور على بوابة الأزهر بتاريخ 24 تموز (يوليو) 2018، إلى أنّ أمة العرب عاشت، قبل أن يأتيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ظلام الجاهلية، الذي طال مناحي الحياة جميعاً، بدءاً من جاهلية التصور للحياة الآخرة، ومروراً بجاهلية التصور للحياة الدنيا، وانتهاء بجاهلية التصور للمعبود الذي ينبغي أن يُخْتصَّ وحده بالعبادة.

اقرأ أيضاً: الحركات السلفية في نيجيريا.. هل تختلف عن بوكو حرام؟
وبحسب معجم اللغة العربية المعاصرة، وفي معجم الفقهاء؛ فالجاهلية هي ما كان عليه العرب قبل الإسلام من الجهالة والضَّلالة وتحكيم العصبيّة والوثنيّة، أما المعجم الوسيط، فيقول في تعريفه للجاهلية إنّها "ما كان عليه العرب قبل الإسلام".
تاريخ العرب قبل الإسلام
وعلينا أن ننتبه إلى أنّ الجهل قد يكون المقصود به الجهل بالشيء، وليس بالضرورة الجهالة والتجهيل في حالة مطلقة، خاصة أنّ العرب قبل الإسلام لم يعيشوا في حالة جهل تام، بحسب التصورات الشائعة، ولعل هذا الأمر كان رهن كثير من الدراسات المتخصصة، فكل عصر فيه المزايا والعيوب، وحتى تلك المزايا والعيوب فهي نسبية بحسب الأيديولوجيات والعقائد المختلفة للبشر.

الجاهلية هي الـُحكم بما يخالف الكتاب والسنة بحسب ما تناولته أدبيات أهل السنة والجماعة

لكن، على سبيل السرد والتأريخ، فيمكن مثلاً أن نشير إلى بعض الأمثلة، ومنها؛ أنّ الكاشفاء بنت عمرو كانت تمارس الطب وفق ما يذكر أجواد الفاسي في كتابه "المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام: الأنباط".
كما عرف العرب قبل الإسلام علم الأنوار، ومواقع النجوم، واستدلوا بها للاهتداء إلى مسالكهم في البرّ والبحر (يُنظر مثلاً "صفحات من التراث العلمي العربي الإسلامي"، لـيحيي الشامي).
وعرف العرب في شبه الجزيرة العربية الطبّ قبل الإسلام، مثل الحارث بن كلدة، وهو من أهل الطائف، كما يذكر جمال الدين القفطي في "أخبار العلماء بأخيار الحكماء".
ومن أشهر الدراسات العربية في هذا المجال؛ موسوعة المفكر والمؤرخ العراقي، د.جواد علي (1907-1987)، وكان يرى أنّ المؤرخ مهمته إعادة تشكيل الحدث التاريخي؛ فكتب تاريخ العرب قبل الإسلام (1960) في ثمانية أجزاء، وكذلك المفصل في تاريخ العرب (1974) في عشرة أجزاء، وقف جواد علي عند مفاصل مهمة في رسم معالم الحياة الثقافية للعرب قبل الرسالة المحمدية، سواء في دراساته وتحليله الموثق لتاريخ الحكمة، والخطابة والنحو والفلسفة والنحت، وغيرها من أشكال الرصد المجتمعي والثقافي والسياسي.
إذًا الجاهلية، وإن كانت تعبيراً عن حياة العرب قبل الإسلام، ليست جهلاً، ولا جهالة، لكنها أصبحت مرادفاً للضلالة، والضلالة أمر شديد النسبية، ويخضع لنسق تاريخي وجغرافي.
الجاهلية في الخطاب الدعوي والجهادي
الجاهلية هي الـُحكم بما يخالف الكتاب والسنّة، بحسب ما تناولته أدبيات أهل السنة والجماعة، وتم استحضار لفظ الجاهلية، في معناه التاريخي الماضوي، وإسقاطه على التاريخ الحديث والمعاصر، لهذا فإنّ الجاهلية لم تعد مرتبطة لدى أهل السنة والجماعة بمكان وزمان، وهنا نسرد ما قاله عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي، في كتابه "الإمامة العظمى عند أهل السنّة والجماعة": 
"ليست الجاهلية فترة محددة من الزمان والمكان انتهت، إنما كل مجتمع يحكم بغير ما أنزل الله، فهو مجتمع جاهلي مهما أوتي من قوة مادية ومن كشوفات علمية خارقة، وبحسب هذا النص؛ تعد البلاد المتقدمة علمياً مجتمعات جاهلية"؛ وبحسب هذا النص، يتراءى لأصحاب الخطاب الأصولي أنّ قيمة المواطنة والمساواة والتعايش بين الأديان ما هي إلا شكل من أشكال الوثنية وتعدد الأصنام، أو الجاهلية الحديثة، (راجع كتاب "موقف أهل السنة والجماعة من العلمانية"، لمحمد عبد الهادي المصري).

اقرأ أيضاً: كيف خرجت السلفية من رحم الإصلاح الديني؟
إذاً، الموقف السلفي الدعوي والسلفي الجهادي تباعاً، ليس دخيلاً، وإنما مؤسس على كتب التراث، وهنا تم الاستناد في كثير من تلك الأدبيات السلفية إلى حديث: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة"، ومنهم: "مبتغ في الإسلام جاهلية" (ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 12/210).
وكذلك الاستناد إلى تفسيرات القرآن الكريم، ومنها: تفسير ابن كثير: "من حكم بغير ما أنزل الله فحكم الجاهلية" (ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/510).
حرب الجاهلية في الفكر الجهادي المعاصر
السلفية الجهادية المعاصرة ليست مصدر الدعوة الأصلي للحرب على ما يعرف بالجاهلية، وإنّما قامت بدورها بتطوير مفاهيم الجهاد ضدّ الجاهلية؛ وهي مفاهيم موروثية.
أضحت تلك التنظيمات "سلفية تكفيرية جهادية"؛ فهي تكفيرية في المقام الأول، وجهادية في المقام الثاني؛ أي إنّها لم تكتفِ بالقول والإفتاء بالكفر، وإنما انتقلت لمرحلة تنزيل العقاب الإلهي كما تراءى لها، وهي سلفية جهادية ذات مفهوم أكثر اتساعاً وشمولاً من مجرد بضعة تنظيمات مسلحة، فلقد وردت مفاهيم الجهادية في كتابات فتحي يكن (1933-2009)، وهو نائب سابق بالبرلمان اللبناني والأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان؛ حيث قال في كتابه "ماذا يعني انتمائي للإسلام": إنّ قبضة الحركة الإسلامية، ينبغي أن تكون موجهة دائماً، وباستمرار إلى قتال النظم الوضعية الحاكمة، مؤكداً أنّه "لا يكون التعايش مع الجاهلية "أمداً وقدراً"، إلا في حدود ما تحتاجه عملية الانقلاب عليها من قوى وإمكانات؛ لأنّ الغاية هي تحقيق هذه النقلة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية