مصر: لماذا شكّك العلماء في الكشف الأثري لزاهي حواس؟

مصر: لماذا شكّك العلماء في الكشف الأثري لزاهي حواس؟


14/04/2021

وصفه بأنّه "ثاني أهم كشف أثري مصري قديم، بعد مقبرة توت عنخ آمون"، ما جعل أنظار العالم تلفت إليه، للتعرّف إلى الكشف الذي فاق كلّ ما اكتشفته آلاف البعثات الأثرية من مختلف دول العالم.

عثرت البعثة على دفينتين غير مألوفتين، لبقرة أو ثور، داخل إحدى الغرف، ودفينة لشخص ما ذراعاه ممدودتان إلى جانبه، وبقايا حبل ملفوف حول ركبتيه.

لكن ما وصفه وزير الآثار السابق، زاهي حواس، بهذه الصفات، وأطلق عليه اسم المدينة المفقودة، أو المدينة الذهبية المفقودة، لم يكن محلّ رضا من علماء المصريات من مصر ودول أجنبية، واتّهموا حواس بتزييف الحقائق، وإنكار أنّ بعثة فرنسية اكتشفت المكان من قبله، قبل عام 1930، ونشرت أبحاثاً حولها، ليرد حواس عليهم، دون أن يحسم الجدل.

المدينة الذهبية المفقودة

في الخامس من نيسان (أبريل) الجاري، أعلن مدير مكتبة الإسكندرية، مصطفى الفقي، أنّ مركز الدكتور زاهي حواس للمصريات بالمكتبة سيعلن عن كشف أثري جديد، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، بمنطقة هابو بمدينة الأقصر.

الكشف الأثري الذي أعلن عنه زاهي حواس

ومذ ذلك ترقب العالم هذا الكشف، الذي أُعلن عنه عقب يومين من حفل موكب المومياوات الملكية المصرية، في الثالث من الشهر الجاري، وفي اليوم الثامن نشرت وسائل الإعلام خبر الكشف عن المدينة المفقودة تحت الرمال، والتي كانت تسمى "صعود آتون"، ويعود تاريخها إلى عهد الملك أمنحتب الثالث، واستمر استخدام المدينة من قبل الملك توت عنخ آمون، أي منذ 3000 عام.

عالم المصريات أحمد صالح لـ "حفريات": الكشف الأثري الذي أعلنه حواس ليس جديداً، فالمنطقة جرى اكتشافها قبل عام 1930، على يد بعثة فرنسية

وذكر زاهي حواس أنّ العمل بدأ في هذه المنطقة للبحث عن المعبد الجنائزي الخاص بالملك توت عنخ آمون، لأنّه تم العثور على معبدي كلّ من "حورمحب" و"آي" من قبل، وأكّد أنّ البعثة عثرت على أكبر مدينة على الإطلاق في مصر، والتي أسسها الملك التاسع من الأسرة الثامنة عشر، أمنحتب الثالث، الذي حكم مصر من عام 1391 حتى 1353 ق.م، وقد شاركه ابنه ووريث العرش المستقبلي، أمنحتب الرابع "أخناتون"، آخر ثماني سنوات من عهده.

وأضاف حواس؛ أنّ هذه المدينة هي أكبر مستوطنة إدارية وصناعية في عصر الإمبراطورية المصرية على الضفة الغربية للأقصر، حيث عُثر بالمدينة على منازل يصل ارتفاع بعض جدرانها إلى نحو ٣ أمتار، ومقسمة إلى شوارع.

اقرأ أيضاً: كنوز سوريا في مهب الريح.. آثار فريدة تبخرت

وعثرت البعثة المشتركة بين مركز زاهي حواس للمصريات، والمجلس الأعلى للآثار، التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية على المخبز ومنطقة الطهي وأماكن إعداد الطعام كاملة مع الأفران وأواني التخزين الفخارية، والذي كان يخدم عدداً كبيراً من العمال والموظفين، وكذلك على عدد كبير من قوالب الصبّ الخاصة بإنتاج التمائم والعناصر الزخرفية الدقيقة، والعديد من الأدوات المستخدمة في النشاط الصناعي، مثل أعمال الغزل والنسيج، كما تمّ اكتشاف ركام المعادن والزجاج، لكن المنطقة الرئيسة لمثل هذا النشاط لم يتم اكتشافها بعد.

جزء من الكشف الأثري لحواس

إضافة إلى ذلك؛ عثرت البعثة على دفينتين غير مألوفتين، لبقرة أو ثور، داخل إحدى الغرف، ودفينة لشخص ما ذراعاه ممدودتان إلى جانبه، وبقايا حبل ملفوف حول ركبتيه، وكذلك إناء يضمّ جالونين من اللحم المجفف أو المسلوق (حوالي 10 كجم)، وغير ذلك من مشغولات الأحجار الكريمة، وتماثيل الآلهة، وغيرها.

وبدأت أعمال التنقيب في أيلول (سبتمبر) 2020، وفي غضون أسابيع، بدأت تشكيلات من الطوب اللبن بالظهور في جميع الاتجاهات، ومن المتوقع الإعلان عن كشوفات جديدة في الموقع.

رواية أخرى

وقبيل إعلان زاهي حواس عن تفاصيل كشفه الأثري، نشر عالم المصريات، أحمد صالح، عبر صفحته على فيسبوك معلومات تفصيلية حول منطقة "الملقطة"، التي تقع غرب الأقصر، والتي ضمّت أكبر مجمع بنائي ملكي في مصر القديمة، ويقع على بعد 4 كم جنوب مدينة "هابو" الآثرية، التي تضمّ معبد "رمسيس الثالث"، وهي المكان ذاته الذي أعلن حواس اكتشافه، دون ذكر اسمه المعروف "الملقطة".

اقرأ أيضاً: آثار نادرة في المعهد البابوي بالقدس لم تسلم من اعتداءات المستوطنين

وبحسب صالح؛ ضمّ المجمع قصر أمنحتب الثالث، وقاعة الاحتفالات، ومعبداً لآمون، ومعبداً لسوبك من أجل الملكة تي، زوجة أمنحتب الثالث، ووالدة الملك أخناتون، وورشات صناعية، ومبانٍ للخدم والكهنة، وفيلات للنبلاء القريبين من الملك، الذي بنى المجمع ليكون مقراً له، وعاش فيه لمدة عشرة أعوام.

وذكر صالح لـ "حفريات"؛ أنّ الكشف الأثري الذي أعلن حواس اكتشافه ليس جديداً، فالمنطقة جرى اكتشافها قبل عام 1930، على يد بعثة فرنسية، ونُشرت عنها دراسات عام 1936، وهي متاحة للجميع.

الكشف الأثري الفرنسي منشور عام 1936، يتطابق مع كشف حواس

وأضاف صالح؛ أنّ حديث حواس عن مدينة قديمة مفقودة، ووصفها بثاني أعظم كشف أثري بعد مقبرة توت عنخ آمون، هو كلام عار عن الصحة، فالمنطقة معروفة للأثريين، وتاريخها معروف، وما فعله حواس لم يتعدَّ إعادة الحفر والتنقيب، بعد أن ردمت الأتربة اكتشاف البعثة الأثرية الفرنسية.

اقرأ أيضاً: تونس وليبيا: آثار ومخطوطات للبيع.. ما القصة؟

ومن جانبه، ردّ حواس على الاتّهامات، بقوله: "إذا كشفت المدينة سابقاً، فلماذا يترك المكتشف كلّ هذه الكنوز؟"، وأشار إلى أنّ "هذه المدينة، المفقودة تحت الرمال في الأقصر، والتي كانت تسمى صعود آتون، تضمّ مخزناً كاملاً مليئاً بالفخار وقطعاً أثرية تعرض في أهمّ المتاحف"، وغيرها من القطع الأثرية التي لن يتركها مكتشف.

لكنّ حجة حواس مردودة عليها، ويقول أحمد صالح لـ "حفريات": "في علم الحفائر، وقبل بدأ الحفر في مكان وبعد عملية المسح، نبدأ بذكر تاريخ المكان، ومن عمل من الباحثين فيه من قبل أو بقربه، ونذكر المراجع الكلاسيكية والحديثة التي تكلمت عنه، لأنّنا لا نبدأ من الصفر".

حواس يرد على منتقديه: هذه المدينة المفقودة تحت الرمال والتي كانت تسمى صعود آتون، تضمّ مخزناً كاملاً مليئاً بالفخار وقطعاً أثرية تعرض في أهمّ المتاحف

ويردف عالم المصريات؛  تعدّ المومياوات من أعظم الاكتشافات الأثرية اليوم، ورغم ذلك حين وجدها المستكشف الإيطالي، جوفاني بلزوني، لم يهتم بها، وأعاد دفنها، وكانت البعثات في أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20، تنتقي أفضل القطع الأثرية وتترك البقية، وهذا ردّ على حجة حواس".

ويدعم ما سبق؛ أنّ وزير السياحة والآثار المصري، خالد العناني، لم يشارك في حفل الإعلان عن ثاني أعظم كشف أثري في تاريخ المصريات، ولم تنشر الوزارة بيانات باسمها حول الكشف، بل اكتفت بالنقل على لسان زاهي حواس، ما يعني إخلاء مسؤوليتها بشكل غير مباشر، كما لم يلق الكشف الاهتمام المتوقع من أجهزة الدولة.

انتقادات دولية

ولم تقف الانتقادات عند الباحثين في المصريات من مصر، وشارك العديد من علماء المصريات في الغرب في تفنيد إعلان زاهي حواس، ومن جانب آخر، اشتبكت مساعدة حواس في الكشف، الباحثة الأمريكية، فيكي جنسن، في النقاش.

عالم المصريات، د. أحمد صالح

وذكرت جنسن؛ أنّ التشابه بين الصور التي تعود للبعثة الأثرية الفرنسية، لعام 1934 - 1935، لا يعني أنّهما واحد، بل مكان مختلف، يبعد عنها 100م، وردّ أحمد صالح عليها، عبر صفحته على "فيسبوك"، وسألها عن مكان الاكتشافات الفرنسية اليوم، وهل انمحت من الوجود؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، حذّر صالح من التأثير السلبي لما فعله حواس، وهو أمر شائع التكرار على يد باحثين مصريين، على سمعة ومصداقية الكشوفات الأثرية في مصر، وطالب وزارة السياحة والآثار بتدارك الموقف.

وفي السياق ذاته؛ كتب عالم المصريات  الأمريكي، ستيفن هارفي، عبر صفحته على "فيسبوك"، ساخراً من وصف زاهي حواس لكشفه بأنّه "ثاني أعظم كشف أثري"، و"المدينة الذهبية المفقودة".

عالمة المصريات الأمريكية، المشاركة في كشف حواس، د. فيكي جنسن

وقال هارفي، مفتاح النجاح الأثري في مصر؛ "أعلن عن أيّ كشف أثري، وأطلق عليه أسماء مثل؛ الذهبية، المفقودة، وصفات مثل؛ أكبر، أقدم، الأهم، ثم تجاهل الآراء المخالفة، وكرّر ما تقوله، وأعلن عن شعورك بالغثيان من المخالفين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية