ما سر إدراج أمريكا "ولاية سيناء" و"حسم" على قائمة الإرهاب.. ومن المستفيد؟

ما سر إدراج أمريكا "ولاية سيناء" و"حسم" على قائمة الإرهاب.. ومن المستفيد؟


20/01/2021

قبل عقدين قرر شاب مصري من بدو سيناء، بمعاونة مجموعة من رفاقة، تأسيس جماعة متطرفة، متأثراً بتحركات أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وأطلق عليها اسم جماعة التوحيد والجهاد. بعد عدة عمليات إرهابية هزت سيناء تفككت الجماعة أمام ضربات الأمن المصري، ثم عادت للوجود مرة أخرى عقب ما أطلق عليه أحداث "الربيع العربي"، كانون الثاني (يناير) 2011، تحت مسمى أنصار بيت المقدس، ثم بايع التنظيم داعش ليصبح ولاية سيناء، تنظيم داعش في مصر، وقبل أيام صنفت الإدارة الأمريكية ولاية سيناء تنظيماً إرهابياً، إلى جوار تنظيم آخر، منشق عن جماعة الإخوان، عرف باسم حركة سواعد مصر "حسم".

رغم علاقة هذه التيارات وقياداتها بجماعة الإخوان إلا أنّ القرار يأبى أن يقترب منها حتى الآن

الشاب السيناوي مؤسس "التوحيد والجهاد"، المعروف باسم خالد مساعد، تلقى دروساً دينية قبل سنوات من تأسيس جماعته على يد الداعية السيناوي أسعد البيك، مؤسس السلفية الجهادية في سيناء، البيك بدوره أقام أفكاره على ما تعلمه من مشايخه، عبدالمجيد الشاذلي، وأحمد عبدالمجيد عبد السميع، مؤسساً جماعة "دعوة أهل السنة والجماعة" المشهورة أمنياً باسم التيار القطبي، العام 1974، بعد خروجهما من السجن في قضية التنظيم القطبي، ومرافقة سيد قطب داخل جدران السجن، وتعلما على يديه!

قبل أيام صنفت الإدارة الأمريكية ولاية سيناء تنظيماً إرهابياً

اشتمل القرار الأمريكي على اسم آخر، يحيى السيد إبراهيم محمد موسى، العقل المدبر لحركة حسم، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان، والمتحدث الإعلامي لوزير الصحة المصري في حكومة الإخوان عامي 2012 – 2013، والمقيم حالياً في تركيا، القادم من محافظة الشرقية في شمال مصر، المحافظة التي خرجت منها بعض قيادات تنظيم "الجهاد"، الذي اغتال السادات عام 1981، مثل: أسامة قاسم، وأنور عكاشة، وعلي فراج. وخرج منها أيضاً أمير تنظيم القاعدة بأفغانستان، مصطفى أبو اليزيد، المكنَّى بالشيخ سعد. وأمير تنظيم القاعدة بالعراق، عبد المنعم البدوي، المكنَّى بأبي حمزة المهاجر، والرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الصديق المقرَّب لأمير القاعدة أيمن الظواهري، ثروت صلاح شحاته، المكنَّى بأبي السمح، الذي قبض عليه في الشرقية العام 2014.

جماعة الإخوان ممنوع الاقتراب

تاريخ طويل وموثق من الإرهاب، انتهى مؤخراً بتصنيف تلك التيارات ضمن قوائم الإرهاب، ورغم علاقة هذه التيارات وهؤلاء الأفراد الوطيدة بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن القرار يأبى أن يقترب منهم حتى الآن، المسألة التي تطرح العديد من الأسئلة، أهمها، هل القرار في مصلحة مصر بالفعل؟ مع الوضع في الاعتبار أن تلك التيارات لم يعد لها نفس التأثير السابق، بعد أن جفّف الأمن المصري منابعها، وأنّ جماعة الإخوان هي الأَولى بذلك التصنيف، وهل القرار في مصلحة الإخوان، بالوضع في الاعتبار أنّ حسم هي من حملت وزر التطرف والإرهاب بديلاً عن جماعة الإخوان!

 يحيى السيد إبراهيم محمد موسى

الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، محمود بسيوني، يرى أنّ القرار في مصلحة مصر: "قرّرت إدارة ترامب، في آخر أيامها، تنفيذ مجموعة قرارات، كانت تسعى لتفعيلها في الولاية الثانية لترامب، والتي اعتقدت إدارة ترامب أنها ولاية مقبلة بالفعل جهزت نفسها للوصول، إليها، وربما كانت أجندة إدارة ترامب في طريقها لتصنيف جماعة الإخوان نفسها جماعة إرهابية".

اقرأ أيضاً: تفاصيل تأسيس "حسم".. ولماذا لم تدرج واشنطن الإخوان جماعة إرهابية؟

وأوضح بسيوني في حديثه لـ"حفريات" أنّ رغبة إدارة ترامب في تصنيف الإخوان جماعة إرهابية كان توجهاً وجد لديها منذ البداية، "لكن بعض المؤسسات الأمريكية المرتبطة برأسمالية العولمة، والتي اعتبر الإخوان جزءاً منها، عطلت ذلك، بالتالي كان هناك رفض من تلك المؤسسات لاعتبار الإخوان جماعة إرهابية، لكن عندما يتم تصنيف حسم كتنظيم إرهابي فأنت هنا تقترب من جماعة كانت حسم جزءاً عسكرياً منها، وكان معلناً بالفعل، وقائدها يحيى موسى، بمسؤولياته السابقة في الإخوان، كان يسعى لتأسيس فرع شبيه بحماس في مصر، أطلقوا عليه فيما بعد اسم "حسم"".

اقرأ أيضاً: بعد إدراج "حسم" على قائمة الإرهاب... كيف ستتصرف تركيا؟

وأضاف بسيوني: "غالبية أعضاء تنظيم "حسم" تلقوا التدريبات في غزة، وكثير من العمليات المتورطة فيها كانت بنفس الأسلوب المتبع في غزة، سواء اصطياد عساكر إسرائيليين، أو عمليات نوعية معينة، كانت تنفذ بنفس المنهج في مصر".

قرار اللحظات الأخيرة

ويرى بسيوني أن تعزيز تصنيف "حسم" كتنظيم إرهابي بالقرار الصادر مؤخراً شبيهاً بقرار تصنيف الحوثيين كتنظيم إرهابي، وهو مطلب مهم لمصر ودول الخليج: "كأن ترامب يلملم أوراقه في كل الملفات العالقة قبل رحيله، وقد تأخر في تلك الخطوة سنتين عن البريطانيين الذين اعتبروا حسم جماعة إرهابية بالفعل في العام 2018".

وينوه بسيوني إلى أنّ القرار الأمريكي عزز تلك المسألة، ووضع جميع الأطراف التي كانت تفكر في استخدام السلاح على طريقة حسم أو ولاية سيناء أو داعش، أمام طريق مسدود: "تلك التنظيمات التي كانت تظهر دائماً مع وصول الديمقراطيين للحكم، مثل ظهور داعش مع ولاية أوباما، وكل الجماعات الحركية الإرهابية المتعلقة بالإخوان، والتيار الآخر في أمريكا يعلم أن ظهور الديمقراطيين مرة أخرى معناه عودة مثل تلك الجماعات، هنا يتم غلق الباب عليهم، ويكشف الفرق بين الجمهوريين والديمقراطيين في حكم أمريكا، فهما تياران، كل تيار فيهم يحاول أن يكشف الآخر؛ فالديمقراطيون يحاولون إظهار الجمهوريين بمظهر الغوغائيين، والجمهوريون في الفترة المقبلة سيعملون على ما يبرز في حكم الديمقراطيين، وهو الإرهاب، بالتالي في تقديري أن ما يحدث أيضاً جزء من اللعبة السياسية في أمريكا، وإن كان توجهاً لدى إدارة ترامب".

واستكمل بسيوني: "بمعنى أن المعسكرات الموجودة في أمريكا الآن يحدد كل طرف فيها توجهاته وأولوياته ومناطق تمركزه ونفوذه؛ الجمهوريون بدأوا معركة 2024 مبكراً، وعملوا على إيصال رسائل لكل الحكومات العربية الرافضة للإرهاب، بتصنيف تلك التنظيمات إرهابية، ليعلم حكام تلك الدول أنّ الجمهوريين يقفون مع حكوماتهم في نفس الصف".

اقرأ أيضاً: حركة "حسم" تدفع النمسا لمحاصرة إرهاب الإخوان

تأثير دول الخليج في المشهد المقبل لم يأتِ من فراغ حسب بسيوني: "بغض النظر عن أي شيء، الخليج أصبح رقماً في المعادلة، وجزءاً كبيراً من المؤثرات الموجودة في المشهد في أمريكا نفسها، سواء بوجودهم في مراكز الأبحاث، أو دوائر صنع القرار؛ مثل أن يكون هناك نواب في الكونغرس لديهم علاقات متشعبة بالخليج، فأنت الآن أمام مشهد مختلف، فكل واحد من التيارات الموجودة، سواء الديمقراطيون أو الجمهوريون يحدد توجهات ومناطق انطلاقه، مع الوضع في الاعتبار أن بايدن ربما يكون أقرب للإخوان بشكل أو بآخر".

البحث عن المستفيد

من جانب آخر قال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، عمرو فاروق، إنه لا يثق في أي قرارات صادرة عن الإدارة الأمريكية، مشيراً في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ جميع القرارات التي تم إصدارها من أجل تصنيف عناصر محددة، سواء في القاعدة، أو داعش، أو الجماعات الواقعة تحت مفهوم الإسلام السياسي بشكل عام، جميعها عناصر دائماً ما تكون ضارة بمصالح المنطقة الأمريكية، وليس بمصالح المنطقة العربية أو الأنظمة الحاكمة".

عمرو فاروق: القرار الأمريكي ساعد الإخوان في التخلص من وصمة الإرهاب

وأعرب فاروق عن دهشته من تأخر القرار: "اكتشفت أمريكا فجأة، بعد عشر سنوات، أنّ هناك جماعة تسمى أنصار بيت المقدس، أو ولاية سيناء، وأنّ هناك حركة تسمى حسم، المضحك في الأمر أنه لم يعد لدينا الآن ما يسمى بحركة حسم، أو أنصار بيت المقدس، تلك هي الفكرة، والتسليم بأهمية اعتبارهم جماعات إرهابية بعد كل تلك السنوات معناه تأييدنا لفرضية أن الأجهزة الأمنية لدينا ضعيفة؛ لم تستطع السيطرة على التنظيمات الإرهابية طوال عشر سنوات".

وفي محاولة للإجابة عن سر اختيار هذا التوقيت لإصدار القرار الأمريكي قال فاروق: "ما الذي صدر من حركة حسم، أو ولاية سيناء، خلال السنة الأخيرة، دفع لأخذ القرار، قراءة سريعة للمشهد سنكتشف أن مصر حصلت على تصنيف مرتفع في مسألة الدول الأكثر أماناً في مواجهة الإرهاب، وفي 2019 خرجنا من تصنيف الدول المتضررة من الإرهاب عموماً. ما تبقى لدينا من فلول تلك التنظيمات نستطيع أن نطلق عليه الخلايا ذات التوجهات الفكرية، بعض الأفراد ربما يتم استخدامهم، إلى جانب أنّ الأمن المصري منذ سنوات ينفذ ضربات استباقية جفف بها منابع الإرهاب".

الضغط على تركيا

يرى فاروق أنّ القرار يقصد به الضغط على تركيا، انطلاقاً من الصلح المقام مؤخراً "أو ما أرغب في تسميته اتفاق المصالح، برعاية أمريكية، وهنا ترغب الإدارة الأمريكية في الضغط على تركيا، إلى جانب ضرب حلفاء إيران، وهي قرارات اتخذتها الإدارة الأمريكية في الساعات الأخيرة لها بالبيت الأبيض؛ من أجل جعل المسألة أكثر صعوبة على إدارة بايدن المقبلة، إيران مثلاً بدأت بتنفيذ مناورات في الخليج، على اعتبار أنها ترسل تهديدات غير مباشرة بقدرتها على عمل رد فعل على أي تهديد محتمل".

يضيف فاروق: "من أسباب القرار أيضاً تسهيل فرض مزيد من العقوبات على تركيا، فالحجة هنا دعم الإرهاب، لو افترضنا حسن النية، كان من الأفضل أن يتوجه القرار لجماعة الإخوان عموماً، وليس حركة حسم فقط، مسألة أخرى، لماذا تعزيز قرار تصنيف حركة حسم كتنظيم إرهابي، مع العلم أن هناك قراراً سابقاً بوضعها على قوائم الإرهاب العام 2018، حتى ذلك القرار لم يصدر عنه أن تفعيل لمصادرة أموال أو منع من السفر، أيضا القرار الحالي صنف يحيى موسى وعلاء السماحي ضمن قوائم الإرهاب وترك أحمد عبد الرحمن أو من يديرون المشهد بصورة أكبر في تركيا، أو حتى قيادات التنظيم الدولي، أو قيادات مكتب الإرشاد في مصر. ذلك يؤكد أن القرار تم تفصيله بهدف معين، هو الضغط على تركيا للقبول بالشروط الأمريكية فيما يخص الجانب الإيراني، فالداعم الرئيسي لإيران في المنطقة قطر وتركيا، والآن يتم تكسير تلك الأجنحة من أجل الضغط عليها فيما يخص المطالب الأمريكية بشأن البرنامج النووي".

وأوضح فاروق أنّ "الفرضية الأهم في تفسير ذلك القرار أنّه ساعد الإخوان في التخلص من وصمة الإرهاب أو بمعنى أصح، غسيل سمعة الإخوان، بمعنى أن الجماعة لا علاقة لها بالعمليات الإرهابية التي نفذها ذلك الفصيل المنشق عنها، بل إن الجماعة تؤيد القرار وتدعمه"!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية