ما بين السندي ومحمد كمال.. جماعة الإخوان إذ تقدم قرابين الخلاص!

ما بين السندي ومحمد كمال.. جماعة الإخوان إذ تقدم قرابين الخلاص!

ما بين السندي ومحمد كمال.. جماعة الإخوان إذ تقدم قرابين الخلاص!


10/06/2023

لم تعترف جماعة الإخوان في مصر بخطأ ما ارتكبته يوماً.. ولم يصدر عنها بيان على مدى تاريخها تبنّت فيه عملية اغتيال أو تفجير قنبلة منذ نشأتها وحتى هذه اللحظة.

حتى وإن اعتقد بعض المؤرخين أنّ مؤسس الجماعة، حسن البنا، قد أصاب فضيلة الاعتراف حين أصدر بياناً إثر عملية الاغتيال التي قامت بها جماعته في حق رئيس وزراء مصر الأسبق، محمود فهمي النقراشي، عنونه بــــ"ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، فإن ذلك لم يكن اعترافاً بخطأ.

فالمرشد الأول نفى أي ارتباط له وجماعته بعملية الاغتيال، بل أسندها إلى تصرفات فردية لمن وصفهم بأنّهم "ليسوا إخواناً" بل أعطى لنفسه الحق في نزع عقيدة الإسلام عنهم "ليسوا مسلمين".

شكّك عدد من قيادات الجماعة بصدور بيان من البنا عقب اغتيال النقراشي وأكدوا شرعية العملية

ومع ذلك شكّك عدد من قيادات الجماعة أن يكون هذا البيان قد صدر من "البنا" إذ اعتبروا أنّ عملية اغتيال النقراشي شرعية، وحصلوا قبلها على فتوى من شرعيي الجماعة تبيح لهم القتل، بل وتحدّوا أن يُكشف عن أصل البيان الذي كتبه "البنا" نفسه.

بعد التأسيس الثاني للجماعة في سبعينيات القرن الماضي وحتى ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) العام 2011، شهدت الساحة السياسية والإعلامية المصرية جدالاً وتجاذبات بين الإخوان وغيرها من التيارات اليسارية والعلمانية، حاول فيها خصوم الجماعة انتزاع الاعتراف بارتكاب العنف، لكن الجماعة أبت أن تنطق ولو بكلمة تعترف فيها بارتكاب عملية إرهابية طيلة تاريخها.

اقرأ أيضاً: الإخوان وحقوق الإنسان!

كان السؤال الذي يلحّ في هذا التوقيت: لماذا لا تعترف الجماعة بأخطائها؟ فالاعتراف بالأخطاء ليس عيباً في حق جماعة تصف نفسها أحياناً بأنها جماعة بشرية، والبشر يخطئ ويصيب.. لكنّها تصف نفسها في أحايين أخرى بأنها جماعة ربانية.. ربما الوصف الأخير حال بينها وبين الاعتراف.

يصف الإخوان أنفسهم بأنّهم جماعة ربانية وربما هذا ما حال بينهم وبين الاعتراف بإخطائهم

وربما شيء آخر قريب من ذاك المعنى استوحيته من خلال جدال دار بيني وبين أحد القيادات الإخوانية قبيل فض اعتصامي رابعة والنهضة العام 2013؛ إذ قال الرجل: لا يمكن أن تجتمع هذه العصبة من الأمة على ضلالة أبداً!

إذن ربما يعود الموقف إلى الشعور الاستعلائي العزلوي بأنّ مفهوم الأمة يُختزَل في هذه الطائفة المنصورة التي يؤيدها الله في قراراتها، وأنّ سيرورتها مصنوعة على يد الله حتى لو تخيل الناس أنّها ارتكبت أخطاء فادحة، إلا أنّ هذا كله يتخفى في أحكام الله وأقداره وفي صالح الجماعة وإن اتضح ذلك بعد حين.

كانت الجماعة ترفض ككيان معنوي مسؤوليتها عن تلك العمليات فذهبت لإسنادها للأخطاء الفردية التي ارتكبت من خلف ظهر القيادة الشرعية، بل وردّدت عدداً من المقولات التي انتشرت لتبرّئ البنا ومن حوله من أعضاء مكتب الإرشاد من استهداف دماء المصريين، وأحالت المسؤولية لشخص عبدالرحمن السندي، مسؤول الجهاز الخاص، الذي ارتضت الجماعة أن يكون كبش فداء لينقذ به سمعة الجماعة، ويبقى مرشدها البنا أيقونة في مخيال الأتباع والمؤيدين.

اقرأ أيضاً: خطاب المظلومية لدى الإخوان

لكن السندي هذا نال تعاطفاً وتقديراً بين قادة الجماعة وصفوفها في المجالس المغلقة دون الإفصاح عن هذا الموقف في العلن!

ترفض الجماعة مسؤوليتها عن أي عمليات إرهابية وتسندها دوماً لأخطاء فردية ارتكبت من خلف ظهر القيادة الشرعية

بعد "ثورة 25 يناير"، لم يعد يتحدث أحد عن أخطاء الإخوان القديمة، ولم يعد يسعى اليسار كما كانت عادته في الضغط على الإخوان لانتزاع الاعتراف الذي كان يرى فيه ضرورة لإثبات تخلي التنظيم عن أفكاره العنيفة وعدم العودة لها مرة أخرى.. المسألة التي كان يرى فيها البعض أنّ الحاجة إليها لم تعد ملحّة، طالما ابتعدت الجماعة عن العنف المادي عملياً، بعد خروجها من السجون الناصرية وانخراطها في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، في العملية السياسية، حتى وإن كانت تستهدف اختراق الدولة والوصول للحكم، لكن الكثيرين رأوا أنّها في سبيل ذلك تبتعد عن أساليب العمل المسلح في الوصول إلى الهدف.

في هذه الأثناء لم تسمح الدولة المصرية بخروج الجماعة الإسلامية من السجون إلا بعد ما أجرت مراجعات فكرية اعترفت فيها بارتكاب أفعال إرهابية استندت إلى قواعد شرعية خاطئة، وأخرجت في سبيل ذلك عدداً من الكتب التصحيحية، فعُدَّ ذلك نصراً للدولة المصرية؛ إذ إنّها استطاعت أن تنتزع اعترافاً طوّق عنق قادة تلك الجماعة حتى هذه اللحظة.

كانت الأحوال قد تغيرت بعد الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011، وانتزعت جماعة الإخوان حزباً سياسياً أسمته "الحرية والعدالة" وتمكّنت من البرلمان المصري، وشكّلت الحكومة، ثم انتزعت كرسي الرئاسة.. لم يعد هناك مجال للحديث عن ماضي الجماعة وتملّصت من الاعتراف.

كما تنصلت الجماعة من عمليات السندي أيام البنا ها هي تعيد الكرّة اليوم مع محمد كمال

لكن ملامح العنف قد تبدّدت في الأفق عندما شعر الإخوان أنّ عرشهم يهتز، وأخذت الخطابات الجهادوية والسرية القديمة في الظهور، ثم ما لبث أن انبثق عنها تنظيمات سرية أعادت الكرّة وفي طور أكثر دموية وشراسة.

اختارت الجماعة في لحظة ما أن تكشف عن صراعات تدّعي أنّها تحدث بداخلها بين جناح تقوده قيادات تاريخية ترفض عمليات القتل المباشر! وجناح يتزعمه رجل كان من القيادات العليا إلا أنّه رغب في الاستحواذ على الجماعة في لحظة ارتباك ثم أخذ بيد جناحه في اتجاه العنف الصريح.

بدا محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، كرجل ضلّ الطريق، ويجهّز لأن يتحمل كل الخطايا التي ارتكبتها الخلايا المسلحة، باعتباره كان مسؤولاً عنها، حتى بعد مقتله، ويظل يُذكر بالخير وينال التعاطف في الجلسات المغلقة للجماعة باعتباره كان مخلصاً طيباً دفعته الظروف لفعل ذلك.

اقرأ أيضاً: 5 محن عصفت بالإخوان

تنتظر الجماعة لحظة تاريخية مشابهة لأيام السادات حتى تتخلص فيها من جميع عمليات الإرهاب، علها تحاول الانخراط مجدداً في الحياة السياسية والاجتماعية، دون أن تمارس الاعتراف.. إلا أن التاريخ ربما لا يعيد نفسه هذه المرة.

الصفحة الرئيسية