ما الرسائل التي يحملها الاتفاق العسكري بين مصر والسودان؟

ما الرسائل التي يحملها الاتفاق العسكري بين مصر والسودان؟


09/03/2021

جاء الاتفاق العسكري المبرم بين مصر والسودان، في الأيام الأخيرة، ليؤكد أهمية مفهوم الأمن العربي المشترك، في مرحلة حرجة على صعيد الأوضاع الإقليمية المضطربة، وفي ظل ما يتعرض له السودان من تهديدات في الداخل والخارج، في أعقاب الثورة التي أطاحت بنظام البشير، وأذرع جماعة الإخوان المسلمين، بعد ثلاثة عقود من الخراب والحروب الأهلية.

جاء الاتفاق العسكري المبرم بين مصر والسودان في الأيام الأخيرة ليؤكد أهمية مفهوم الأمن العربي المشترك

وكانت زيارة مريم المهدي، وزيرة الخارجية السودانية الأخيرة إلى القاهرة، قد أكدت على أهمية عدد من الملفات الثنائية، في مجال التعاون المشترك، والتصدي للأخطار التي تواجه البلدين في ملف الأمن المائي، وكذلك ما تواجهه الأراضي السودانية المتاخمة للحدود الإثيوبية من استفزازات عدائية متكررة.

تغيير معادلة الصراع الإقليمي

يضع الاتفاق العسكري بين مصر والسودان عدداً من المعطيات، ضمن معادلة الصراع الإقليمي، الأمر الذي يقطع الطريق أمام الانتهاكات الإثيوبية المتواصلة، ويحرك قضية المناطق الزراعية السودانية، التي ضمتها أديس أبابا بالقوة، منذ خمسينيات القرن الماضي، كما يمثل الاتفاق عامل ضغط مهماً، على الجانب الإثيوبي، فيما يتصل بمفاوضات سد النهضة، وعدم التحرك بشكل أحادي، فيما يتعلق بعملية الملء الثاني للسد.

مريم المهدي، وزيرة الخارجية السودانية

كانت المناورات العسكرية المصرية السودانية المشتركة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والتي عرفت باسم نسور النيل، مقدمة للاتفاق الأخير، وقد حملت عدة رسائل في مواجهة إثيوبيا من جهة، وتركيا التي توغلت جنوباً، لمدّ ما يعرف بالحزام الإفريقي، انطلاقاً من قاعدتها العسكرية في الصومال، وحتى منطقة الساحل والصحراء، من جهة أخرى.

اللواء محمد رشاد: أديس أبابا ربما تعيد النظر مرة أخرى في المطالب السودانية الخاصة بالسد

يقول وكيل جهاز المخابرات المصرية الأسبق، اللواء محمد رشاد، إنّ "التحالف والتعاون بين مصر والسودان، أمر منطقي، وله جذور تاريخية بعيدة، ذلك أنّ السودان يعتبر بمثابة العمق الاستراتيجي لمصر، بصرف النظر عن الخلافات السياسية التي حدثت في السابق، فهناك ما يمكن أن نطلق عليه، وحدة الأمن القومي للبلدين"، موضحاً في تصريحه لـ"حفريات" أنّ "الاتفاق في مجمله، يمثل بالنسبة لمصر أهمية كبيرة، من حيث تأمين العمق، وحماية مجرى النيل وروافده، وقطع الطريق أمام أيّ قوى إقليمية تحاول العبث بالأمن المائي لمصر، وبالنسبة للسودان فإنّ الاتفاق العسكري يمثل دعماً إضافياً، في مواجهة النوايا العدوانية الإثيوبية، والتي تتجاوز التهديدات التي يمثلها سد النهضة، إلى الانتهاكات المباشرة للأراضي السودانية".

اللواء محمد رشاد

ويؤكد رشاد، أنّ أديس أبابا، ربما تعيد النظر مرة أخرى، في المطالب السودانية الخاصة بالسد، والمتعلقة بدراسة النواحي الفنية، "ذلك أنّ عدم قدرة الجانب الإثيوبي، على التعامل العلمي مع إشكاليات بناء السد، الواقع على بُعد أقل من 20 كيلومتراً من الحدود السودانية، يعرّض حياة السودانيين للخطر، جراء الفيضانات المحتملة، في حالة انهياره، كما أنّ الاتفاقية سوف تدفع أديس أبابا تجاه الكف عن الاعتداءات المتواصلة على المناطق الحدودية، بدافع إمكانية تحريك الجيش المصري إلى الجنوب، وتأمين الحدود السودانية، وردع أيّ محاولات عدوانية بحسم، وعليه، تحمل الاتفاقية رسالة موجهة لأيّ طرف يحاول التصعيد في منطقة حوض النيل، وهو أمر مشروع تماماً، حيث تمارس مصر دورها القومي، لحماية عمقها الاستراتيجي، وكذلك تحمي مواردها من نهر النيل".

الأمن المائي على رأس الأولويات

من جهته، أكّد رئيس الأركان المصري، اللواء محمد فريد حجازي، أنّ "مصر لن تتردد في تقديم المساعدة للسودان، وتلبية كافة طلبات الخرطوم في المجالات العسكرية، إذا لزم الأمر، من خلال اتفاق الدفاع المشترك، والتعاون العسكري والأمني ​​بين البلدين، بما في ذلك جمع المعلومات الاستخباراتية، والتداخل بين البلدين لحماية الأمن القومي"، ووجه حجازي رسالة مباشرة إلى أديس أبابا، لافتاً إلى أنّ القاهرة والخرطوم يواجهان تحديات عديدة مشتركة، مؤكداً أنّ السد يمثل مشكلة وجودية، وأنّ بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي، إذا حاولت إثيوبيا فرض وضع واقعي".

اقرأ أيضاً: السودان يسترد أملاكاً ضخمة من التنظيم العالمي للإخوان

وفي السياق نفسه، وجه رئيس أركان الجيش السوداني، الفريق محمد عثمان الحسين، الشكر إلى القوات المسلحة المصرية على ما أسماه "حسن نواياها، ومساعدتها السخيّة، ودعمها القوي لتجاوز الصعوبات الحالية"، مؤكداً أنّ "الاتفاقية تهدف لتحقيق الأمن القومي، لكل من مصر والسوادن".

اللواء محمد فريد حجازي

من جانبه يؤكد العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، أنّ الأمن المصري/ السوداني، جزء لا يتجزأ لعدة أسباب؛ أولها التهديدات الواحدة، والمبنية على الحدود المشتركة الأكثر طولاً، والتي تقترب من 1250 كيلومتراً، وتعتبر منطقة المثلث الجنوبي الغربي، هي بداية الحزام الذي يصل إلى الساحل والصحراء، وهي منطقه أصبح بها تنظيمات إرهابية، مثل؛ داعش، والقاعده، وجماعات المرابطين، وبالتالي فإنّ تأمين الحدود يتطلب قدرة عسكرية على الجانبين، سواء جنوب خط عرض 22، أو شماله".

العميد سمير راغب

ويلفت الخبير الاستراتيجي المصري، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى أنّ "السودان تشارك مصر في ملف حوض النيل، ومشكلة السد الإثيوبي، وأيضاً تواجه السودان صراعاً حدودياً مع إثيوبيا، لذلك تريد أن يكون لديها قوات مسلحة قوية؛ لضبط حدودها مع الدول الأخرى، وخاصّة مع ليبيا في الشمال الغربي، والتي يوجد بها نشاط لعناصر تكفيرية، وتتواجد على أراضيها قوات تركية، وعليه يرتبط التعاون العسكري، بالمجالات المختلفة، سواء بالتدريب أو تبادل الخبرات، أو التأهيل في مجال التسليح، لأنّ مصر أصبح لديها قاعدة قوية للتصنيع العسكري؛ فمن الطبيعي أن يسعى السودان لضبط حدودها الجنوبية، لحماية الأمن القومي للبلدين، لما لهما من عقيدة عسكرية مشتركة، فمعظم القادة العسكريين الكبار في السودان، تخرجوا من الكليات العسكرية المصرية، بما فيهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع الحالي".

العميد سمير راغب: السودان خط أحمر جديد تضعه مصر لمنع الاقتراب منها

 وبحسب راغب، فإنّ "التعاون العسكري بين البلدين، يمثل مقدمة لإعادة تنسيق السياسات بين مصر والسودان، والذي بدأ بتشكيل اللجنة السابعة المشتركة بينهما، والتي حضر فاعلياتها رئيس أركان القوات المسلحة، الفريق محمد فريد حجازي، وكل ذلك جرى تدشينه من خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأخيرة، لتكريس حقبة جديدة في المجالات العسكرية، والدفاع المشترك، وإعادة التموضع هذه، جعلت التفاوض حول السد الإثيوبي، من موضع القوة، دولتين أمام دولة؛ مصر والسودان في خندق، وإثيوبيا في الخندق الآخر، هذه المعادلة لم تكن موجودة في السنوات الماضية".

ويتابع "والآن، أصبحت الرسالة واضحة، فالسودان خط أحمر جديد تضعه مصر، لمنع الاقتراب منها، سواء من إثيوبيا أو أريتريا، أو أيّ دولة أخرى، وأنّ مصر ترمي بثقلها العسكري خلف السودان، ولن تسمح بخطوات من طرف واحد، ولن تسمح بإعادة ملء السد بشكل منفرد".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية