ما الأبعاد الدولية لعمليات الجيش الوطني الليبي في الجنوب؟

ما الأبعاد الدولية لعمليات الجيش الوطني الليبي في الجنوب؟


22/06/2021

رغم أنّ الأسباب المحلية المتمثلة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة هي ما قادت القوات المسلحة الليبية (الجيش الوطني) لإطلاق عمليته العسكرية الأخيرة في جنوب غرب البلاد، إلا أنّ للعملية أبعاداً دولية تتقاطع مع أهداف المجتمع الدولي، خصوصاً أوروبا، فيما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وأفريقيا فيما يتعلق بضبط الحدود وعدم تمكين ميليشيات من دول أفريقية من اتخاذ جنوب البلاد باحة خلفية لشن هجمات على الدول، كما حدث في الهجوم الأخير على تشاد.

اقرأ أيضاً: ليبيا على صفيح ساخن.. مناورات الإخوان إلى أين؟

فضلاً عن ذلك؛ تتلاقى جهود الجيش في مكافحة الإرهاب في الجنوب مع جهود المجتمع الدولي، خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة ومصر وغيرها، في مكافحة الإرهاب العالمي في أفريقيا، الذي يستفيد من الحدود المفتوحة بين جنوب ليبيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء نزولاً حتى وسط وغرب القارة.

مكافحة الإرهاب

بعد أسبوع من استهداف داعش لبوابة أمنية في مدينة سبها، جنوب غرب ليبيا، بسيارة مفخخة أودت بحياة قائد عسكري وعدد من الجرحى، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية عن عملية عسكرية في المنطقة في 17 حزيران (يونيو) الجاري، لملاحقة الإرهابيين وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة، التي تهدد استقرار وأمن البلاد.

خلية داعشية ضبطها الجيش في مدينة أوباري جنوب البلاد

وذكر بيان القيادة العامة للجيش؛ توجيه وحدات عسكرية إضافية من كتائب المشاة للمنطقة لدعم غرفة عمليات تحرير الجنوب الغربي، بعد تصعيد العصابات التكفيرية للعمليات الإرهابية في هذه المنطقة، ورصد تحركاتها من قبل الاستخبارات العسكرية.

وجاءت العملية عقب انفجار ثان تبناه تنظيم داعش، بتفجير عبوة ناسفة في قوة عسكرية كانت تمشط المنطقة الغربية لتعقب الخلية التي نفّذت هجوم سبها، لقي فيه آمر سرية حماية قاعدة الواو الجوية مصرعه.

اقرأ أيضاً: ليبيا: ما حقيقة فتح الطريق الساحلي؟

وتنشط خلايا متفرقة لتنظيم داعش في مناطق الجنوب الغربي مستفيدة من الدعم الذي تتلقاه من ميليشيات في المنطقة الغربية والتي فرّ إليها عناصر القاعدة والجهاديين بعد طردهم من قبل الجيش في عملية الكرامة التي بدأت في 2014.

وكان تنظيم داعش قد استغل الفوضى الأمنية في البلاد وسيطر على عدد من المدن في الشمال والجنوب، وبعد طرده من درنة وسرت بات الجنوب بحدوده الشاسعة مركزاً له.

ونفّذ الجيش الليبي عمليات نوعية ضدّ عدد من خلايا داعش خلال الشهور الماضية، كانت آخرها العملية العسكرية في مدينة أوباري، في آذار (مارس) الماضي، والقضاء على زعيم تنظيم داعش في شمال أفريقيا، المدعو أبو معاذ العراقي، في حي عبد الكافي شمال غرب مدينة سبها.

اقرأ أيضاً: هل أعاد "داعش" تنظيم صفوفه في ليبيا؟

ووفرت الفوضى الأمنية والسياسية التي وقعت فيها ليبيا منذ سقوط نظام القذافي، عام 2011، بيئة خصبة لنموّ الجماعات الإرهابية وانتشارها في البلاد، وفي دول الجوار، ودفعت الهزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى التركيز على ليبيا كممر عبور للتوسع في الدول الأفريقية التي تعاني ضعفاً في البنية الأمنية وصعوبة في السيطرة على الحدود المترامية، وهو ما مكّن التنظيم من إيجاد ممرات عبور تربط البحر المتوسط بجنوب غرب وجنوب شرق القارة، حيث تنشط فروع التنظيم في نيجيريا والكونجو وزيمبابوي وتنزانيا وغيرها من المناطق.

دفعت هزيمة تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى تركيزه على ليبيا كممر عبور للتوسع في الدول الأفريقية التي تعاني ضعفاً في البنية الأمنية

ويقول المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط: لا يوجد متابع أو مطلع على الجغرافية الليبية لا يدرك أهمية الجنوب؛ كونه الخطّ الدفاعي الأول عن ليبيا، نظراً للمساحة الكبيرة التي يحظى بها وكمية الثروات الموجودة فيه ووقوعه على حدود مترامية الأطراف بآلاف الكيلومترات مع دول مصنفة تحت خطّ الفقر، كتشاد والنيجر والسودان، وامتداد تلك الجغرافيا حتى مع مالي بشكل غير مباشر، وما يحدث فيها من عمليات تهريب البشر والمخدرات ضمن أنشطة تنفذها منظمات دولية، إضافة لتهريب السلاح وانتشار التنظيمات الإرهابية التي تعمل دائما في البيئة غير المستقرة أمنياً.

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط

وأعادت هذه العملية تسليط الضوء على إخفاق المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمة في ليبيا بعد أن ساوى بين الميليشيات في طرابلس ومدن الغرب وبين القوات المسلحة بقيادة المشير حفتر، فكلّ من المجتمع الدولي والقيادة العامة في حاجة إلى بعضهما لمكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة، ومعالجة تبعات العملية على الدول الأفريقية التي تقود واشنطن وباريس عمليات عسكرية واسعة فيها لمكافحة الإرهاب.

اقرأ أيضاً: معركة الميزانية والمناصب السيادية في ليبيا.. الإخوان يناورون

وجاء تحذير رئيس نيجيريا، محمد بخاري، من أنّ طرد مجموعات المرتزقة من ليبيا سيؤدي إلى تفاقم الأحداث الإرهابية في أفريقيا خصوصا في الدول المجاورة، وذلك خلال كلمته أمام قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في 20 من الشهر الجاري، ليكشف قصور المعالجة الغربية للأزمة في ليبيا، والحاجة إلى دعم القوات المسلحة بدلاً من فرض عقوبات على تسليحها، ومساواة الميليشيات الموالية للإخوان والمتورط بعضها في الاتجار بالبشر معها.

الهجرة غير الشرعية

ويرتبط بعمليات الجيش في الجنوب ملفاً آخر يحتل أولوية لدى دول أوروبا كافةً، وهو مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تتخذ من ليبيا مقراً للانطلاق نحو الشواطئ الأوروبية، وتمر هذه الهجرات عبر الجنوب الليبي، الذي تنشط فيه عصابات أفريقية لها علاقات بميليشيات في منطقة الغرب الليبي.

وخلال الفترة الماضية، شنّ الجيش الليبي عمليات عسكرية عديدة لتحرير لاجئين محتجزين لدى هذه العصابات في الجنوب، ولم تحظَ هذه العمليات بتغطية إعلامية كبيرة؛ نظراً للحرب الإعلامية التي تقودها المؤسسات المحسوبة على الإخوان المسلمين وقطر وتركيا على القيادة العامة، وكانت الأمم المتحدة قد فرضت عقوبات على عدد من الليبيين بتهمة الاتجار بالبشر في مناطق الميليشيات في الغرب، عام 2018.

المحلل السياسي الليبي محمد عامر لـ "حفريات": تأمين الحدود الجنوبية المشتركة مع النيجر والسودان وتشاد، يحدّ من الهجرة غير الشرعية، التي تتعرض لأسوأ انتهاكات حقوق الإنسان

وتفوق مهمة مكافحة الهجرة غير الشرعية قدرات القوات المسلحة الليبية، حيث تتطلب العملية معالجة جذرية لمشكلة اللجوء في الدول المصدرة للاجئين في أفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب مناطق النزاع الأخرى في سوريا وغيرها، إضافة إلى وضع برامج إيواء لمن وصلوا إلى ليبيا من المهاجرين، وهي جهود تتطلب تنسيقاً أوسع بين الأمم المتحدة وبروكسل وواشنطن والاتحاد الأفريقي مع الجهة الوحيدة القادرة على ضبط الحدود والتصرف وفق القانون وهي القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، لكن، رغم ذلك، ما يزال المجتمع الدولي ينظر بشكل ضيق إلى القيادة العامة من زاوية تمكين الإخوان من السلطة في البلاد، أو على الأقل الحفاظ عليهم كقوة في المشهد السياسي.

يعبر الآلاف البحر المتوسط سنوياً عبر ليبيا إلى أوروبا

وقال المحلل السياسي الليبي، محمد عامر، لـ "حفريات"؛ إنّ تأمين الحدود الجنوبية التي تشترك مع النيجر والسودان وتشاد، يحدّ من الهجرة غير الشرعية، التي تتعرض لأسوأ انتهاكات حقوق الإنسان على يد عصابات الاتجار بالبشر وتقوده إلى فخّ الجماعات الإرهابية، ولهذا فالجيش يعدّ شريكاً أساسياً للمجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر.

اقرأ أيضاً: تركيا وليبيا... والأوهام

وزاد التدخل التركي العسكري، المباشر وعبر المرتزقة، الانفلات الأمني في البلاد، خصوصاً أنّ أنقرة لديها أطماع توسعية في أفريقيا تتخذ من الجنوب الليبي منطلقاً لها، وهو ما يزعزع الأمن في المنطقة والقارة ككل.

ويرى قشوط، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّه رغم تشابك الوضع في ليبيا مع أزمات دولية إلا أنّ هناك دولاً أوروبية، مثل إيطاليا، لديها مخططات ومصالح ضيقة تضرّ بجهود ضبط الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وذلك من خلال دعم مكوّن التبو في الجنوب الليبي وتشجيع نزعته الانفصالية.

تركيا والميليشيات

ودون تدخل دولي حازم لحلّ أزمة الميليشيات وإخراج المرتزقة والعسكريين الأتراك ستبقى ليبيا محطة لتنفيذ مخططات تعرقل عملية مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة.

ولفت المحلل السياسي، محمد قشوط، إلى أنّ انتشار الجيش في جنوب غرب البلاد يقطع الطريق على الدعم الجزائري للميليشيات في الغرب، ويقوي موقف الجيش عسكرياً في التصدي للأتراك إذا رفضوا الانسحاب من البلاد.

بعض المرتزقة الذين جلبتهم تركيا لهم ارتباطات بداعش

وفي معرض ردّ فعل الميليشيات التي تسيطر على طرابلس والغرب، والقوى السياسية الموالية لتركيا، شنّت وسائل الإعلام المحسوبة عليهم حملة ضدّ العملية التي أطلقها الجيش الليبي، وقامت بتحريك عناصر موالية لها في مدينة مرزق في الجنوب الغربي للضغط على المجلس الرئاسي لوقف العملية العسكرية، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.

واتصالاً مع ذلك؛ أصدر الرئاسي قراراً للوحدات العسكرية بعدم التحرك من تمركزاتها دون أوامر مباشر، وأصدر مرسوماً بتشكيل قوة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالجنوب من السرية الأولى 116 مشاة، وتتبع المجلس الرئاسي، وتشكيل غرفة العمليات المشتركة لتأمين الجنوب من: الكتيبة 116 مشاة، الكتيبة 117 مشاة، الكتيبة 96 مشاة، بعضوية ثلاثة مندوبين عن جهازي المخابرات العامة، والأمن الداخلي ووزارة الداخلية، على أن تتخذ من سبها مقراً، وتتمثل مهامها في الحفاظ على أمن واستقرار المناطق الجنوبية والحدود الإدارية.

اقرأ أيضاً: كيف يحاول الإخوان وتركيا استغلال منطقة جنوب ليبيا؟

ولا يخفى أنّ قرارات الرئاسي لم تصدر حرصاً على الأمن في المقام الأول، بل استجابة لضغوط الميليشيات لوقف تقدم القوات المسلحة الذي يهدّد مصالحها في التهريب ويحجم النفوذ التركي ويقطع خطوط الاتصال مع الجماعات الإرهابية التي تحظى بدعم قوى من عدد من الميليشيات في مصراتة والزاوية.

وتعليقاً على هذه القرارات؛ قال المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة؛ كلّ السرايا التي ذُكرت تتبع القيادة العامة للقوات المسلحة، لكنّ آمر الكتيبة 116 مشاة، المدعو مسعود جدو، رغم تبعيته الإسمية للقيادة العامة إلا أنّه يخالف أوامرها، ويعمل في التهريب والاتجار بالبشر، ولذلك أرسلت القيادة العامة قوات أخرى لضبط الحدود بدلاً منه.

المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة

وأضاف بو أسعيدة، لـ "حفريات": عندما أدرك جدو أنّ دوره في الجنوب انتهى بوجود قوات القيادة العامة، قام بالتنسيق مع الرئاسي لإصدار قرارات تضمن لكتيبته وجوداً رسمياً في الجنوب، لكنّ القيادة واعية بذلك.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة يوجد 44.725 لاجئاً مسجلين لديها في ليبيا، بينهم 329 محتجزاً، فضلاً عن الآلاف من غير المسجلين، وبدأت الأمم المتحدة عملية لنقل اللاجئين إلى مناطق أكثر أماناً في دول أفريقية مثل رواندا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية