ليبيا: الانتخابات البلدية تكشف افتقاد الإخوان للشعبية

ليبيا: الانتخابات البلدية تكشف افتقاد الإخوان للشعبية


16/01/2021

تأمل الأمم المتحدة في إجراء انتخابات عامة في ليبيا، بحلول نهاية العام الجاري، ومن غير المتوقع الوصول لذلك؛ بسبب رفض جماعة الإخوان المسلمين مقايضة وجودها المضمون في السلطة بالقوة، بعمليّة انتخابيّة غير مضمونة النتائج، خاصة أنّ تجربة إخفاق الإخوان والإسلاميين في انتخابات 2014 ما تزال حاضرة في ذهن الجماعة.

وجاءت الانتخابات البلديّة، التي شهدتها عدة بلديات، في طرابلس والمنطقة الغربية، لتؤكد مخاوف الجماعة، عقب إخفاقها في الفوز بنتائج الانتخابات في معظم البلديات، على الرغم من هيمنة ميليشيات موالية لها على الأرض، وتوظيفها العنف والتزوير في مناطق خاضعة لسيطرتها.

كشفت نتائج البلديات الأربع في العاصمة والغرب، التي جرت فيها الانتخابات البلدية، ضعف الحاضنة الشعبية للإخوان المسلمين بين الليبيين، بعد الانتخابات النيابية في 2014

وكشفت نتائج البلديات الأربع في العاصمة والغرب، التي جرت فيها الانتخابات البلدية، ضعف الحاضنة الشعبية للإخوان المسلمين بين الليبيين، للمرة الثانية بعد الانتخابات النيابية، عام 2014، والتي انقلب الإخوان على نتائجها عسكرياً، وجرت شرعنة انقلابهم عبر الدعم الدولي، خاصة من بريطانيا، التي تعتبر مركز نفوذ التنظيم الدولي للإخوان، والإخوان الليبيين بشكل خاص.

رهان على الديمقراطية

يتشدّق الإخوان المسلمون أمام العالم برغبتهم في الديمقراطية، والمشاركة في الحياة السياسية في الدول العربية، ليس إيماناً بها، بل استناداً إلى وجود حاضنة شعبية قوية لهم في عدد من البلدان، والتي تكوّنت عقب عقود من تجريف الحياة السياسية من القوى غير الإسلامية، بعد تحالف أنظمة عربية سابقة لعقود مع الإسلاميين، خاصة في مصر.

وحدات أمنية تؤمن لجان انتخابية

وتمكّن إخوان مصر من حصد نتائج كبيرة في انتخابات عام 2012، قبل أن يثور عليهم معظم الناخبين الذين انخدعوا فيهم، أو منحوهم فرصة للتجربة، عقب إخفاقهم الذريع، ودفعهم بالمجتمع نحو الصدام الأهليّ، في أقل من عام من توليهم السلطة.

وعلى عكس هؤلاء، وفي خطوة تثبت أنّ المناداة بالديمقراطية مجرّد سلّم للوصول إلى السلطة فقط، كان لإخوان ليبيا تجربة مع الديمقراطية، عام 2014، وخسر تحالف الإسلاميين، وعلى رأسهم الإخوان، الانتخابات؛ حيث حصد التيار الوطني معظم المقاعد، وكان نصيب الإسلاميين 30 مقعداً، من 200 مقعد على مستوى الدولة.

اقرأ أيضاً: ماذا تهدف تركيا من إعادة تنظيم ميليشياتها غرب ليبيا؟

وحين أدرك الإخوان أنّ الديمقراطية لا تصلح لإيصالهم إلى السلطة، في ليبيا، انقلبوا على الحكومة والبرلمان الشرعيين، واستولوا على العاصمة طرابلس، فيما عُرف باسم عملية "فجر ليبيا"، والتي كانت بداية الانقسام الكبير الحالي في البلاد.

وتظلّ المخاوف من تكرار أحداث 2014 حاضرة بقوة، وذلك في الانتخابات العامة التي تريد الأمم المتحدة عقدها في أواخر العام الحالي، خاصة أنّ الشعب الليبي في الغرب خرج في مظاهرات عديدة ضدّ الطبقة الحاكمة، وعلى رأسها الإخوان وقادة الميليشيات.

هزيمة الانتخابات البلدية

وأُجريت الانتخابات البلدية في أربع بلديات في الغرب الليبيّ، خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، وهي بلديات؛ حي الأندلس، وسواني بن آدم في طرابلس الكبرى، وقصر الأخيار، وزليتن في الغرب.

إقبال دون المتوسط على المشاركة في الانتخابات البلدية

وأعلنت اللجنة المركزية للانتخابات البلدية نتائج الانتخابات في هذه البلديات، وتقدّمت قائمة البوصلة، التي تضمّ شخصيات مستقلة، على قائمة النخلة، التابعة للإخوان المسلمين، في بلدية زليتن، وفي بلدية قصر الأخيار فازت قائمة الميزان بالمركز الأول، على حساب قائمة النخلة.

وبلغت نسبة المشاركة 35%، بحسب بيانات لجنة الانتخابات، واختلفت بين بلدية وأخرى، وحققت بلدية زليتن أكبر نسبة مشاركة، بلغت 42%، تليها بلدية حي الأندلس، بنسبة 41%.

وينقسم المرشحون إلى ثلاث فئات؛ الأولى فئة القوائم العامة، والثانية فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من الثوار، والثالثة فئة المرأة، وتضم الفئتان، الثانية والثالثة، مرشحين أفراداً.

الناشط الليبي محمد قشوط لـ"حفريات": يسعى الإخوان إلى الدفع بوجوه جديدة في الانتخابات البلدية في المنطقة الغربية، لأجل الفوز والسيطرة على الإدارة الوسطى في الدولة

وفي بلدية حيّ الأندلس، كبرى بلديات العاصمة طرابلس، حلّت قائمة السفينة، المحسوبة على الإخوان، في المرتبة الثانية، وسبق ذلك إجراء انتخابات المجلس البلدي لمدينة الزاوية، والتي فازت بها قائمة النجوم، المحسوبة على الإخوان المسلمين، وهو ما توقّعه كثير من المواطنين والمراقبين، بسبب سيطرة الإخوان على المجلس البلدي، منذ 2018، وتحكّمهم في العملية الانتخابية، التي شابها الكثير من التزوير، بحسب شهادات عديدة لمواطنين من الزاوية، على صفحة المجلس البلدي للمدينة، على الفيسبوك.

وأعلنت اللجنة المركزية مواعيد إجراء الانتخابات في المجالس البلدية الأخرى، على أن تجرَى تباعاً.

وفي الشرق؛ أعلنت السلطات تشكيل لجنة عليا "موازية" للانتخابات البلدية، ولم تجرِ بعد الانتخابات البلدية في الشرق.

وحول الانتخابات، يقول مواطن من بلديات الغرب، فضّل عدم الكشف عن اسمه: "الانتخابات البلدية هنا كانت تجربة ممتازة، وبطريقة منظّمة، بعيدة كلّ البعد عن التجارب السابقة، واختار المواطن من يخدمه بمعايير سلمية، وهي الكفاءة والأمانة، على عكس ما كان متوقعاً من سيادة التعصب القبلي والجهوي".

اقرأ أيضاً: تركيا وميليشياتها.. ومحاولة عرقلة التوافق السياسي في ليبيا

ويردف المواطن، لـ "حفريات": "قائمة النخلة هنا كانت خليطاً، وفيها خبرات وكفاءات ممتازة، والذي أضاع عليهم فرصة الفوز هو رئيس القائمة؛ كونه إنساناً عنصرياً محسوباً على جماعة الإخوان المسلمين، ومكروهاً من الجميع؛ لذلك انتخب الناس قائمة عميد البلدية الحالي، لما لمسوه من نجاح واحترام، خلال فترة رئاسته السابقة".

تلوّن الإخوان المسلمين

وتكشف الشهادة السابقة نهجاً إخوانياً أصيلاً في ضمّ شخصيات غير محسوبة عليهم إلى قوائمهم الانتخابية، بهدف كسب كتلة تصويتية أكبر، وهو نهج شهدته الانتخابات التي شارك فيها الإخوان في مصر، قبل ثورة 30 يونيو.

اقرأ أيضاً: مراقبون دوليون في ليبيا.. هل تكون فرصة السلام الأخيرة؟

وتتّفق هذه الشهادة مع تساؤلات عديدة طرحها الليبيون خلال تعليقاتهم على نتائج الانتخابات البلدية؛ حيث لم يعرف كثيرون منهم هوية المشاركين في قوائم الانتخابات الإخوانية.

ويقول الناشط السياسيّ الليبيّ، محمد قشوط إنّ الإخوان يسعون إلى "الدفع بوجوه جديدة في الانتخابات البلدية في المنطقة الغربية، لا يعرفها الشارع، لأجل الفوز والسيطرة على الإدارة الوسطى في الدولة، وهي البلديات، لما تمثّله من أهمية كبيرة، لكنّ المفاجأة أنّ التنظيم خسر بلديتي مدينة زليتن، ومدينة قصر الأخيار، في خطوة تكشف عن وعي الشعب الليبي بخطورة الإخوان".

الناشط السياسي الليبي، محمد قشوط

ويردف قشوط، لـ "حفريات": "كشفت انتخابات هذه البلديات ضعف حاضنة الإخوان الشعبية، وذلك يفسّر مساعيهم لإشعال الصراع، ونشر الفوضى، لعرقلة إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية عامة، خوفاً من الهزيمة".

وقائع تزوير

وعن وقائع التزوير التي شهدتها انتخابات بلدية حي الأندلس، يقول قشوط: "حدث تزوير في بلدية حيّ الأندلس، التي تعدّ من أكبر البلديات داخل العاصمة طرابلس، وكذلك في بلدية سواني بن آدم الواقعة جنوب طرابلس".

ويكشف ما سبق؛ أنّ وقائع التزوير الكبيرة جرت داخل العاصمة طرابلس، وهو أمر له دلالاته الخطيرة؛ حيث سيطرة الميليشيات في العاصمة أقوى منها في المدن بالغرب، ذات الطابع الجهوي والقبلي. وتحاول ميليشيات العاصمة شرعنة وجودها عبر السيطرة على الانتخابات البلدية.

الناشط الليبي، محمد قشوط: "كشفت انتخابات هذه البلديات عن ضعف حاضنة الإخوان الشعبية، وذلك يفسّر مساعيهم لإشعال الصراع، ونشر الفوضى، لعرقلة إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية عامة، خوفاً من الهزيمة".

ومن المرجّح تكرار وقائع التزوير والتلاعب بشكل أكبر خلال الانتخابات المقررة بنهاية العام الجاري، لما لها من أهمية كبيرة تفوق الانتخابات البلدية بشكل كبير، ولن تتخلى الميليشيات عن هيمنتها التي اكتسبتها بقوة السلاح، خاصة في العاصمة التي يعيش فيها نصف سكان البلاد.

ويبلغ عدد البلديات في ليبيا 116 بلدية، شكّلها المؤتمر الوطني العام، أول برلمان ليبيّ منتخب، عام 2012، وفق قانون خاص، وكان النظام الإداري للمدن في عهد القذافي يطلق عليه اسم "الشعبيات"، وهو أقرب إلى تقسيم المحافظات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية