لماذا لم يتأثر تديّن مصر برحيل الإسلاميين؟

الإسلام السياسي

لماذا لم يتأثر تديّن مصر برحيل الإسلاميين؟


29/05/2018

احتشد الآلاف على المقاهي في القاهرة في انتظار مباراة فريقي ليفربول وريال مدريد في 27 الشهر الحالي، لتشجيع لاعب الكرة المصري محمد صلاح، لكن ذلك لم يؤثر على أعداد الحشود المعتادة التوجه لأداء صلاة التراويح، كما هو دأب المصريين الذي لا يخضع تدينهم لسطوة حدث أو تنظيم.

مساجد تعج بالمصلين

يحتشد المصلون بالآلاف في كل ليلة من ليالي شهر رمضان في مسجد فاضل بمدينة السادس من أكتوبر جنوب القاهرة، وهو المسجد المعروف بمسجد الشيخ علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، وشيخ الطريقة الصوفية الجديدة "الشاذلية العلية".

بدا مشهد التدين الشعبي في مصر غير متأثر بتراجع الإسلاميين عن الحالة الدينية في البلاد

ويزداد الزحام في المساجد التاريخية المصرية وخاصة الصوفية منها، في أحياء مصر القديمة؛ حيث يتوافد آلاف المصلين على مسجد الحسين، وصالح الجعفري، والسلطان حسن، والسيدة زينب، وعمرو بن العاص، فضلاً عن المساجد الفرعية الأخرى التي تبلغ مئات الآلاف، في القاهرة  الكبرى التي يبلغ تعداد سكانها، ما يزيد على 25 مليون نسمة، كما يتوافدون على الزوايا لممارسة الطقوس والشعائر.

اقرأ أيضاً: التديّن الشعبي للمرأة المصرية..عادات أم عبادات؟

بدا مشهد التدين الشعبي في مصر، غير متأثر بتراجع الإسلاميين عن الحالة الدينية المصرية، وسيطرة وزارة الأوقاف المصرية على المساجد والزوايا إلى حد كبير، وهو ما يدحض مقولات الإسلاميين بأنّهم كانوا أيقونة التدين المتوهجة التي تجذب الشعوب في اتجاه التدين، وأن بغيابهم تتراجع الحالة الدينية لصالح النزعات اللادينية ومظاهر التغريب.

يزداد الزحام في المساجد التاريخية المصرية وخاصة الصوفية منها، في أحياء مصر القديمة

محاولات اختطاف التدين الشعبي

يذهب الباحث الإسلامي هشام النجار إلى أنّ هناك الكثير من الحقائق التي لا تكون ظاهرة نتيجة غلبة دعاية على السطح بما يشبه الكدر الذي يعكر صفو الماء "فالحال أنّ الأصل هو التدين الطبيعي للمصريين حتى في عقود الخمسينيات والستينيات، التي شاعت بها مظاهر استغلها الإسلاميون للترويج بأن المصريين بعيدون عن الدين، فسفور النساء ليس معناه أنهن غير متدينات أو غير ملتزمات أخلاقياً لكنه يعكس ثقافة الفرد، وتعبير خاص عن الشخصية، وكانت زوجات وشقيقات كثير من المشايخ والقراء بدون حجاب".

النجار:الأصل هو التدين الطبيعي للمصريين حتى في عقود الخمسينيات والستينيات التي شاعت بها مظاهر استغلها الإسلاميون

ويضيف النجار في حديثه لـــ(حفريات): أما الطارئ فهو محاولة الإسلام السياسي والحركي ومسعاه لاستغلال هذا التدين الطبيعي المسالم، وحرفه، ومن ثم ركوبه للصعود للسلطة عبر تسييسه بما يقتضيه ذلك من جملة إجراءات سواء على مستوى تحريف التأويلات الدينية، واستغلال المساجد والدعوة الدينية للدعاية السياسية لجماعات تزعم احتكار تجسيد الدين، والتعبير عنه وامتلاك حقيقته وكونها المدافعة عنه، والأكثر إيماناً من الآخرين، وكل ذلك قشور ودعايات لا تعبر عن حقائق ولا عن واقع فعلي وقناعات قلبية صادقة إنما مجرد شعارات وقوالب جاهزة للتوظيف السياسي.

النجار: يبقى الأصل وهو التدين الطبيعي المسالم وغير المؤدلج

انهزام أدلجة الدين

ويمضى النجار قائلاً: ما جرى منذ العام 2012 تحديداً مروراً بعام عزل الإخوان المسلمين، وما تلاه هو أنّ هذه الشعارات المزعومة تم اختبارها على أرض الواقع وثبت عدم صدقيتها وفشلها، ليزول الطارئ المغشوش على مشهد التدين المصري، ويبقى الأصل ويظهر أكثر وضوحاً وهو التدين الطبيعي المسالم وغير المؤدلج.

اقرأ أيضاً: أغنية العمل بين التدين الشعبي والاختراق الأصولي

ويضيف: هذا أيضاً تجده وتلحظه على مستوى القادة والزعماء، فالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وخلفه الراحل أنور السادات مثلاً، نموذجان متدينن، ولهما رؤية بشأن علاقة الدين بالحياة والسياسة، وإن اضطربت على مستوى الممارسة، كما في حالة الرئيس السادات نتيجة الظروف غير المواتية التي واجهها.

النجار: ينصر الإسلام أصحاب التدين الطبيعي الذين لا يستغلونه سياسياً ولا يهدفون من ورائه لتحقيق مصالح سياسية

يستطرد النجار: لكن الأصل أنهما متدينان صادقان، وربما أحرز عبد الناصر انتصارات للإسلام وثقافته ورسالته، وقضاياه، مقابل الانتكاسات التي تسبب بها الإخوان، ومن تبعهم، لكن الظاهر على السطح هم المدعون الذين يكثرون من إطلاق شعارات تمثيلهم للدين، وفي حقيقة الأمر من ينصره هم أصحاب التدين الطبيعي الذين لا يستغلونه سياسياً، ولا يهدفون من ورائه لتحقيق مصالح وأهداف في السلطة.

مشكلة هذه التنظيمات أنّها ترى نفسها المصدر الوحيد الذي يستقي منه الناس الدين

الإسلام القديم والتنظيمات الجديدة

عماد علي، كاتب إخواني سابق، كان ضمن مجموعة من شباب الإخوان الذين أجروا مراجعات لأفكارهم في السجون، يرى أنّ الإسلام بقيمه ومبادئه وشرائعه "موجود بين الناس منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً، والقيم التي أرستها الشرائع والأديان الأخرى عرفها الناس وتوارثوها منذ آلاف السنين، أما التنظيمات والحركات الإسلامية الموجودة حالياً هي كيانات جديدة على مجتمعاتها؛ حيث أنّ بداية ظهورها لم تتعد قرناً من الزمان"، وقال في حديثه لـ(حفريات) أنّ الناس تعرف الإسلام وتطبّقه قبل معرفة هذه التنظيمات بقرون طويلة، "ولا شك أنّ هذه التنظيمات قد ساهمت بشكل ما في نشر بعض القيم في المجتمع، وساعدت على انتشار بعض مظاهر التدين، وربما أحيت بعض السنن المنسية بين الناس، وهذا لا يعني صحة أفكارها وسلامة منهجها، ولا يكفي لقبولها والاعتراف بها".

عماد علي: ربما نكون بحاجة لمؤسسات وكيانات جديدة تتجاوز الأنماط التنظيمية للإسلام السياسي

ويؤكد علي أنّ ما تغفل عنه هذه التنظيمات أنّ هذا الدور لم يكن قاصراً عليها فقط، فهناك مؤسسات أخرى دينية رسمية وغير رسمية تقوم به، فضلاً عن المفكرين والدعاة المستقلين؛ فالمشكلة عند تلك التنظيمات، وفق علي، تكمن في أنّها ترى نفسها المصدر الوحيد الذي يستقي منه الناس الدين، وأنّها صاحبة الفضل في أنّ المجتمع مازال متمسكاً بالإسلام، وأنّها هي التي تقوم بدور المنقذ للبشرية، وأن الاسلام ينتهي بانتهائها.

اقرأ أيضاً: التديّن والأزمات العربية

ويضيف "في حين أنّه على الجانب الآخر فإنّ تلك التنظيمات أضرّت بالدين ذاته من حيث أرادت أن تعمل له، فبأخطائها وخطاياها وفهمها القاصر للدين وبأهدافها التي ربما تكون غير واقعية ولا متوافقة مع الدين أو معتبرة وبمساراتها التي سلكتها للوصول لتلك الأهداف والتي دخلت بناء عليها في صراعات لا تنتهي؛ قد أضرت بالدعوة وبالدين ذاته؛ حيث شوهت صورة الدين لدى الكثيرين ونفرت الناس منه".

ويخلص علي إلى أنّ وجود تلك التنظيمات بهذا الشكل وبهذه الأفكار قد أضر بالدين أكثر مما نفع "وربما نكون بحاجة لمؤسسات وكيانات جديدة تتجاوز هذه الأنماط التنظيمية، وتكون أنفع للمجتمع وللدين".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية