كيف يمكن التعامل مع الظاهرة الإخوانية في أفريقيا؟

كيف يمكن التعامل مع الظاهرة الإخوانية في أفريقيا؟


14/06/2021

تهتم هذه السلسلة من التقارير بالحالة الإسلامية أو المشهد الإسلامي الحركي في؛ المغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان وموريتانيا والصومال ومالي والنيجر وبروكينا فاسو والسنغال، والمقصود بشكل خاص، الاشتغال على الطرق الصوفية، التيارات السلفية [من قبيل "السلفية العلمية أو السلفية التقليدية]، المشروع الإخواني، الجماعات الإسلامية الجهادية، حزب التحرير، الظاهرة الشيعية، بل إننا نجد حتى الأحباش والأحمدية والبهائية... ولكننا سنسلط الضوء بالدرجة الأولى على مشروعين اثنين: المشروع الإخواني، وبدرجة أقل المشروع السلفي الجهادي، وإن كانت هناك حالات تباين بين المشروعين في عدة دول، كما سوف نتطرق إلى ذلك في المحور الثاني من هذه المقالة.

تهتم هذه التقارير بأحوال الساحة الإسلامية الحركية خلال السنوات الأخيرة بالتحديد

تمّ تسليط الضوء في هذه التقارير، على أحوال الساحة الإسلامية الحركية خلال السنوات الأخيرة بالتحديد، دون الاشتغال على الماضي البعيد أو القريب، وخاصة ماضي التأسيس، وإن تمت الإشارة إليه بين الفينة والأخرى في بعض النماذج، ولكن من باب الاستئناس؛ لأن التركيز سيكون أحوال اليوم، على الأقل، الفترة الممتدة من 2018 أو 2019 حتى ربيع 2021.

كما تمّ الاشتغال على الخريطة الإسلاموية [الإخوانية على الخصوص والجهادية بدرجة أقل] بشكل تقريري، من خلال فقرات أو محاور، وبالتحديد المحور الإخواني والمحور الجهادي، وبخصوص المراجع المعتمدة، فإنها تتضمن بعض الإصدارات، والمواقع الإلكترونية، وخاصة في التعامل مع الخريطة الإسلامية لدول الساحل ودول غرب أفريقيا، ولكن بالنسبة للحالة المغربية والمغاربية، فإنها مرتبطة بتراكم بحثي، من خلال الإشراف على تقرير الحالة الدينية في المغرب [صدرت نسخة أولى تهم 2013/2015، ونسخة ثانية منه تهم 2015/2017، والإصدار الثالث في طور الطبع، ويهم مرحلة 2018/2020].

اقرأ أيضاً: كيف يكشف تاريخ الإخوان في البحرين حقيقة الجماعة؟

بقي أن نقول إنّ أغلب التقارير اشتغلت على أداء المشروع الإخواني، لذلك جاءت عناوينها بهذه الصيغة" الخريطة الإخوانية في .."، وهناك مقالات تحت عنوان "الخريطة الإسلاموية في .."، لأنها تتضمن الاشتغال على المشروعين؛ الإخواني والجهادي، أو على المحور الجهادي وحسب، كما هو الحال مع إحدى الحالات.

خلاصات

رغم أنّ الأمر هنا يتعلق بالخريطة الإسلاموية في دول وطنية، في شقها الإخواني على الخصوص، وبدرجة أقل الشق السلفي الجهادي، إلا أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار القواسم بين المشاريع الإسلامية الحركية، سواء الإخوانية أو الجهادية (بخلاف الأمر مع السلفية و"الدعوة والتبليغ")، ومنها أننا إزاء مشاريع فوق وطنية، حتى إن الأمر وصل منذ عقود إلى تأسيس "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، حاضر في عدة محطات ومؤتمرات ومشاريع، إضافة إلى أنه يحظى برعاية بعض دول المنطقة، وخاصة من طرف محور قطر ــ تركيا [حضور التنظيم في مؤتمر كوالالمبور 2019 نموذجاً]، على الأقل قبل التحولات الأخيرة المرتبطة بالإعلان عن تطبيع العلاقات المصرية ــ التركية، ولكن ما يُميز المشروع الإخواني، أنه يستحضر بدائل إقليمية في معرض التعامل مع الأزمات التي يمر منها، ومن ذلك، انفتاح المشروع الإخواني خلال الأشهر الأخيرة على المحور الإيراني.

هناك تباين في أداء المشروع الإخواني والمشروع السلفي الجهادي بين الدول المغاربية ودول الساحل: الحضور الإخواني واضح وقوي في الدول المغاربية، بل إنه تغلغل في مؤسسات الدولة الوطنية فالأحرى منظمات المجتمع في أغلب الدول المغاربية (الحالة المغربية والتونسية على الخصوص)، بخلاف الحضور نفسه في دول الساحل، حيث يبقى متواضعاً.

تركز هذه السلسلة على الأحوال الراهنة وعلى الأقل الفترة الممتدة من 2018 أو 2019 حتى ربيع 2021

والعكس صحيح أيضاً بخصوص التباين في الحضور السلفي الجهادي، والذي يبقى متواضعاً في أغلب الدول المغاربية، مقابل حالة فورة وحضور مستمر في دول الساحل.

بشكل عام، يبدو حضور المشروع الإخواني أفريقياً أشبه بالجزر المنعزلة، والمرتبط بالأساس بتطورات تاريخية واجتماعية وسياسية في الدول الأفريقية، وغالباً ما يُجسد في جمعيات محلية تتعامل مع جمعيات خليجية ذات مرجعية إخوانية (قطرية وكويتية على الخصوص)، بخلاف الحضور الإخواني في الدول المغاربية الذي يُجسد في الأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية.

هزيمة الإخوان حزبياً وسياسياً لا تعني هزيمتهم مجتمعياً لأنّهم حاضرون في شتى قطاعات المجتمع

ويُمثل الدور التركي والقطري الداعم الأبرز للمشروع الإخواني في المرحلة الحالية ومستقبلاً. وفي ضوء التجربة التاريخية التي برهنت على عدم قدرة الجماعة على تقديم مراجعات حقيقية فإنه لا يتوقع أن تتراجع عن تصوراتها لنفسها ودورها.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: ضربات أمنية في بنغلاديش وتحريض على العنف في النمسا

وهناك افتراق كبير في المواجهة الفكرية والدينية والرقمية للمشروعين؛ الإخواني والسلفي الجهادي في المنطقة: لا نتحدث عن المواجهة الأمنية الميدانية، فهذا أمر قائم، وهناك مجهودات معتبرة في المنطقة، من قبيل ما تقوم به مصر أو المغرب، ولكن الحديث هنا بالتحديد عن المجهودات النظرية، أو الثقافية والإعلامية والرقمية، خاصة أنّ العرض الديني الإخواني في العالم الرقمي، كبير، بل يتجاوز العرض الديني للمؤسسات الدينية، كما هو الحال في الساحة المغربية مثلاً، والتي وصل فيها الاختراق إلى وجود قيادات إخوانية سابقة، في قيادة بعض المؤسسات الدينية، فالأحرى في دواليب تلك المؤسسات.

بما أنه لا يمكن التعامل مع الإسلاموية بشكل منفصل عن بعضها البعض، من قبيل التعامل مع المشروع الإخواني، فإنّ أي استراتيجية تستهدف التصدي لهذه المشاريع، لا بد أن تستحضر هذا المعطى، وإن كانت طبيعة التعامل مع المشروع الإخواني في الدول المغاربية، مختلفة عن نظيرتها في دول الساحل؛ لأن الأولى تغلغلت في مفاصل الدولة، وفي منظمات المجتمع المدني، وحاضرة في القطاعات السياسية والاجتماعية والطلابية والبحثية والإعلامية والأهلية [منظمات المجتمع المدني] وغيرها، بينما الأمر مختلف مع المواجهة في دول الساحل، لأنّ المشروع هناك متواضع تنظيمياً، وحاضر على الخصوص في البوابة الأهلية، ولكن تطورات الساحة توفر له أن يبقى كذلك وأن ينتشر أكثر إذا غابت استراتيجيات التصدي له.

المشروع الإخواني استغل الكثير من الفراغات واشتغل على العديد من القطاعات والمجالات

ومن العوامل التي تفسر التباين الكبير في أداء ووزن المشروع الإخواني في الدول العربية الأفريقية، مقارنة مع نظيره في دول الساحل أو دول غرب أفريقيا، نجد على الخصوص تأثير الحضور الصوفي في الدول الأفريقية؛ لأن هناك ما يُشبه مناعة ثقافية صوفية، حالت دون تغلغل المشروع الإخواني.

ولكن في المقابل، رغم حضور التدين الصوفي نفسه، في الدول الأفريقية نفسها (من الصومال إلى النيجر)، نعاين حضوراً موازياً للسلفية الجهادية، بسبب تراكم مجموعة من الأسباب (الفقر، تواضع أداء العمل الحكومي، غياب السلطة المركزية، الصراعات القبلية، الصراعات الاستراتيجية بين القوى العظمى).

يمكن القول إنّ مواجهة السلفية الجهادية في الدول المغاربية، أهون بكثير من مواجهة الإخوان، لأن الأمر يتعلق بدول لها مؤسسات وأحزاب سياسية ومنظمات أهلية، وخبرة في تدبير الملف الإسلامي الحركي، إضافة إلى رفض الشارع للمشروع الجهادي، الذي قد يكون حاضراً في القتال والخراب ولكنه فاشل في البناء والإصلاح، بخلاف المشروع الإخواني والوعي بطبيعته وحقيقته وأهدافه، وهذا وعي متواضع في الدول نفسها، حتى في دائرة صناعة القرار، حيث نجد انقساماً في تدبير الملف، أما مع النخب الفكرية والدينية والإعلامية، فالأحرى المنظمات الأهلية، فالجهل بالمشروع الإخواني مضاعف أو مركب، وهو جهل يصب في مصلحة المشروع.

اقرأ أيضاً: من يسعى لتدوير الجولاني بثوب إخواني؟ ولماذا؟

هزيمة الإخوان حزبياً وسياسياً لا تعني هزيمته مجتمعياً، لأنه حاضر في شتى قطاعات المجتمع، وربما تكون الحالة الجزائرية حالة خاصة، حيث تراجع المشروع الإخواني في شتى المجالات، ولكن الأمر مختلف مع الحالة المغربية والحالة التونسية؛ لأنه حاضر ومؤثر، ووصل تأثيره حتى إلى المقربين من دائرة صناعة القرار من جهة، وإلى الرأي العام من جهة ثانية، لعدة أسباب، أهمها الحضور اليومي والمستمر ومتعدد الجبهات لأعضاء المشروع، قيادات وقواعد، وهذا حضور لا نجد له مثيلاً لدى باقي الأحزاب السياسية.

ومهم جداً الانطلاق من أرضية نظرية مفادها أننا نتحدث عن مشروع إخواني، ولا نتحدث عن حركة إخوانية أو حزب إخواني، أو منظمة أهلية مقربة من الإخوان، وبيان ذلك، أن الحديث عن المشروع، يُفيد الحديث عن استراتيجيات ومراحل وأهداف وتفرعات تطال شتى الحقول، السياسية والاقتصادية والثقافية والطلابية والنسائية والإعلامية وغيرها، على غرار ما كنا نعاين في فترة سابقة مع بعض الإيديولوجيات الاشتراكية والقومية واليسارية، ولكن مُجمل هذه الإيديولوجيات تراجعت للوراء أو اندثرت، بينما الأمر مختلف مع المشروع الإخواني لأنه استغل الكثير من الفراغات، واشتغل على العديد من القطاعات والمجالات، ومن نتائج ذلك، ما نعاينه اليوم من اختراقات لمُجمل هذه القطاعات، بسبب توظيفه لمجموعة من الأدوات، من قبيل التغلغل في جميع المؤسسات، الرسمية والأهلية، الحضور في شتى القطاعات، العمل الميداني والمجتمعي، سواء في العلن أو في الكواليس، ولكن هناك ميزة خاصة بالمشروع، لا نجدها عند باقي الأحزاب أو التيارات الإيديولوجية، تتطلب وقفة وحدها، عنوانها ممارسة التقية.

الخطاب الإخواني سيروج نفسه لدى صناع القرار بالمنطقة باعتباره بديلاً إسلامياً حركياً للظاهرة الجهادية

تعتبر التقية من نقاط قوة المشروع الإخواني، لأن ضحاياها يمكن أن يكونوا من الأسماء البحثية والإعلامية والسياسية التي تعتقد أنها تفقه في التقية، أو تفقه في طبيعة المشروع الإخواني، وإذا كان الأمر كذلك [كما عايناه عملياً في الساحة المغربية، وفي حالات أخرى عربية على الخصوص]، فالأمر أدهى مع النخب غير المتتبعة أساساً لطبيعة وأهداف المشروع، فالأحرى الرأي العام المحلي والإقليمي. ولا يمكن التفكير في المواجهة النظرية والعملية للمشروع الإخواني، دون استحضار هذا العمل المؤثر والمفصلي في أداء الحركات والأحزاب والمشاريع الإخوانية بشكل عام.

وبخصوص الملف السلفي الجهادي، وعلاقته بالمشروع الإخواني، فسوف نتوقف عند خلاصتين، الأولى بنيوية، تهمه منذ عقود، والثانية مستجدة، لأنها تتزامن مع تحرير هذه التقارير، ونبدأ بها:

ــ خلال بضع أسابيع فقط (من مطلع أيار (مايو) إلى مطلع حزيران (يونيو) 2021) تغيرت الخريطة الجغرافية للحركات الجهادية، حيث أصبح مؤكداً أنّ القارة الأفريقية تعد مركزاً لمختلف التنظيمات، إلى درجة أننا عاينا خلال هذه المدة القصيرة زمنياً، تعرض أربع دول أفريقية لعمليات إرهابية متنوعة ودامية، ويُعتبر هذا العامل من الأسباب التي تصب في صالح المشروع الإخواني على المدى المتوسط [على غرار ما عاينا بضع سنوات بعد أحداث 11 سبتمبر 2001]، ومرد ذلك، أنّ الخطاب الإخواني سيروج نفسه لدى صناع القرار في المنطقة، باعتبارها بديلاً إسلامياً حركياً للظاهرة الجهادية، مع أنّ البديل الأصلي موجود أصلاً؛ أي التدين التقليدي أو التدين الصوفي؛ لأن أغلب دول الساحل ودول غرب أفريقيا، دخلها الإسلام منذ قرون إما عبر التجار المسلمين (وهؤلاء لا علاقة لها بالمرجعية الإخوانية لأن التنظيم لم يكن قائماً أساساً حينها)؛ وإما دخلها عبر العمل الصوفي.

ــ بالنسبة للخلاصة الثانية الخاصة بهذا المحور الجهادي، في علاقته بالمشروع الإخواني، فإنّ تراكم مجموعة أسباب بنيوية في دول الساحل وفي غرب أفريقيا، تساهم في تغذية الظاهرة الجهادية، وفي مقدمتها المحددات الأمنية [صراعات داخلية وعنف مستمر، الحدود الهشة بين الدول، الصراع الاستراتيجي بين بعض القوى العظمى، الارتخاء الأمني على الحدود، تجنيد الشباب عبر الفضاء الإلكتروني]؛ المحددات السياسية [فشل سيطرة بعض القيادات السياسية في دول غرب إفريقيا، على الأوضاع السياسية داخل بلادهم، سيطرة التنظيمات الإرهابية على قادة القبائل وتوظيفهم لخدمة مصالحهم]؛ والمحددات الاجتماعية [الأوضاع الاقتصادية المتردية، ازدياد معدلات البطالة، العجز عن  توفير متطلبات الحياة الأساسية للمواطنين].

ما صدر عن الإسلاميين السابقين من مؤلفات يستحق توظيفه رقمياً للتعريف بحقيقة هذا المشروع

انطلاقاً من بعض هذه المحددات، وخاصة المحدد الاقتصادي والاجتماعي، يمكن للمشروع الإخواني أن يكون حاضراً بوتيرة أكبر على المدى القريب والمتوسط، من خلال بوابة العمل الخيري، ومما يُغذي هذا السيناريو، التطورات الأخيرة التي جعلت "منظمة الدعوة الإسلامية" السودانية، تنقل مقرها إلى النيجر، والتي تعتبر من أفقر دول العالم، وليس من أفقر دول القارة الأفريقية وحسب، وأخذاً بعين الاعتبار الثقل الميداني لهذه الجمعية، ولجمعيات إخوانية أخرى تشتغل في المجال التطوعي، فإنّ هذا المستجد يُعتبر باباً موسعاً يصب في مصالح المشروع الإخواني.

توصيات

ــ الانخراط في نشر كتب أو دراسات أو أبحاث حول الخريطة الإسلامية الحركية في المنطقة، على أن يتم الحديث عن الخريطة في عناوين هذه الدراسات، من أجل إثارة انتباه النخبة والرأي العام، ومع التعريف بطبيعة هذه المشاريع، وخاصة المشروع الإخواني، بالتحديد نقاط قوته (التقية، التغلغل، الاختراق، الازدواجية.. إلخ)، لأنه طالما كانت النخبة والرأي العام جاهلة بطبيعة هذا المشروع، فطبيعي أن يستمر في الاختراق والتغلغل.

ــ انطلاقاً من تراكم مجموعة من المحددات المؤسسة للمشروع الإخواني في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالدول المغاربية أو دول الساحل، أهمها المحددات الدينية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه بالنسبة لدول المنطقة العربية التي تسعى إلى مواجهة الإخواني، تملك عدة مداخل للتصدي للظاهرة، وهي بالتحديد:

ــ المدخل الديني: عبر ضخ أدبيات دينية مضادة للإسلاموية، في المؤسسات الدينية والمنابر الإعلامية والعالم الرقمي، وفي خطاب المنظمات الأهلية والمؤسسات التعليمية وغيرها.

ــ المدخل الاقتصادي: عبر عقد شراكات اقتصادية مع حكومات الدول المعنية، تتضمن جبهات لمواجهة الإسلاموية عبر البوابة الاقتصادية.

ــ المدخل الاجتماعي: وهذه إحدى نقاط قوة الإسلاموية، بما يتطلب استثمار أداء المنظمات الأهلية والخيرية لمواجهة تغلغل الإسلاموية، الإخوانية على الخصوص.

ــ أخذاً بعين الاعتبار الحضور الإخواني في العمل الأهلي، وهو حضور مستمر، سواء كان بشكل علني أو في الكواليس والخفاء، فإنّ أي مشروع يسعى  إلى التصدي له، ينبغي له أن يكون حاضراً أيضاً في المجال نفسه، على أن يكون ذلك مصاحباً بتوعية المعنيين بالاستفادة من الأعمال الخيرية والإحسانية، والحديث عن توعية دينية وسياسية، بشكل مبسط وموجز.

ــ في الشق الخاص بالمواجهة النظرية؛ أي المواجهة الدينية والفكرية والثقافية، سواء عبر المؤتمرات والندوات والمراكز البحثية والمجلات، يجب الحذر من الاختراق الإخواني، والذي كان سائداً في العديد من المراكز البحثية التي تأسست بعد اندلاع أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011-2013]، ولا زال الأمر كذلك، حتى ربيع 2021، ولا نتحدث عن المراكز البحثية الإخوانية، أو المراكز البحثية المقربة منها، ولا عن مراكز "أسلمة المعرفة" (مركز "نماء" السعودي، مركز "نهوض" الكويتي، مركز "أواصر" القطري... إلخ)، فهذا متوقع من هذه المؤسسات. وإنما نتحدث عن مراكز لا علاقة لها بالمرجعية الإخوانية، أو مراكز مضادة أساساً في مرجعيتها الفكرية للمرجعية الإخوانية، وبالرغم من ذلك، تعرضت للاختراق الإخواني، إما بسبب عدم أو تواضع الوعي بطبيعة المشروع الإخواني، وطريقة اشتغال العقل الإخواني؛ وإما بسبب وجود هذا الوعي لدى المسؤولين وإدارات هذه المراكز، ولكنها كانت ضحية التقية التي يشتغل بها هذا العقل.

في ضوء التجربة التاريخية بعدم تقديم الجماعة مراجعات حقيقية فلا يتوقع تراجعها عن تصوراتها لنفسها ودورها

ينطبق الأمر نفسه مع المؤتمرات التي تنظم في الخليج العربي، والمعادية للمشروع الإخواني، حيث عاينا العديد من النماذج التطبيقية، هنا في الحالة المغربية مشاركة أسماء إخوانية أو إخوانية سابقة في أشغال هذه المؤتمرات، إضافة إلى معضلة مشاركة نخب تمارس الازدواجية في معرض التعامل مع الإسلاموية، حيث تعلن عن نقد المشروع أثناء المشاركة في هذه المؤتمرات، وتروج خطاباً مضاداً في مقامات أخرى.

ــ هناك ثغرات كبيرة وغير مفهومة تتعلق بمواجهة الإسلاموية في العالم الرقمي، وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي [في الحالة المغربية مثلاً، وصل الأمر إلى أن المؤسسات الدينية نفسها، غائبة عن المواجهة أساساً، بل إنّ منابرها الرقمية، لا تتضمن أصلاً أي نقد للإسلاموية، باستثناء بعض المحاولات المتواضعة التي تتطرق لنقد "التطرف العنيف"، أما نقد الإخوان، فكأنه أمر محرم]، مع أنه ما أكثر المقترحات والمبادرات التي يجب القيام بها رقمياً في هذا الصدد، والأمر نفسه في قطاع التأليف والنشر الورقي وغيرها.

هناك ثغرات كبيرة وغير مفهومة تتعلق بمواجهة الإسلاموية في العالم الرقمي وخاصة في مواقع التواصل

ــ من المفاتيح النظرية النافعة في التصدي للإسلاموية (الإخوانية والسلفية والجهادية)، نجد الخطاب الصوفي، وهذا مفتاح يتطلب وعي أصحاب الخطاب نفسه أولاً بأهميته، ويتطلب موازاة مع ذلك، تفعيل ذلك الوعي على أرض الواقع، سواء في التأليف أو الإعلام التقليدي والعصري أو المجال الرقمي، شرط الانتباه إلى بعض الآفات التي أصبحت تميز نسبة من أتباع ورموز الخطاب الصوفي، ونصطلح عليها "أسلمة الخطاب الصوفي"، والمقصود بها، تسلسل بعض المواقف والأحكام الإخوانية لدى في خطاب بعض الرموز والأصوات الصوفية [نتحدث هنا انطلاقاً من وقائع مادية ملموسة، نعاينها في إصدارات، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وفي تطبيقات رقمية]

ــ هناك مفتاح نظري مهم أيضاً بخصوص مواجهة الإسلاموية الإخوانية، لم يتم توظيفه بشكل نوعي، عنوانه التعامل مع الإسلاميين سابقاً، ممن أخذوا مسافة حقيقية من المشروع، لأن ما صدر عنهم من مؤلفات، يستحق توظيفه رقمياً، في عدة مجالات ومخارج، للتعريف بحقيقة المشروع.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية