كيف نقرأ قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية؟

كيف نقرأ قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية؟


02/05/2021

ربما لم يشكّل قرار القيادة الفلسطينية مفاجأة بتأجيل الانتخابات الفلسطينية المقررة تباعاً للهيئات القيادية الفلسطينية، والتي كان يفترض أن تبدأ بالمجلس التشريعي في 22 أيار (مايو) الجاري، بحجّة عدم اتخاذ السلطات الإسرائيلية قرارها النهائي بخصوص مشاركة سكان القدس الشرقية في هذه الانتخابات؛ إذ إنّ تصريحات صدرت من قيادات السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ومن بينهم نبيل شعث، أكدت أنّه إذا لم يتم السماح لسكان القدس بالمشاركة في الانتخابات، فسيتم تأجيلها.

القرار الفلسطيني قوبل برفض من قبل الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء السلطة، واحتجاج وشكوك من قبل حركة حماس، وتشهد الساحة الفلسطينية حملة شكوك بقرار الرئيس محمود عباس، قاسمها المشترك اتهامات لعباس بتأجيل الانتخابات لأسباب متعلقة بمحاولة احتواء الانقسامات داخل حركة فتح، ومخاوف السلطة من احتمالات فوز حركة حماس فيها، وأنّ تلك المخاوف تشترك فيها مع السلطة الفلسطينية أطراف إقليمية تؤيد وتنسق مع السلطة وترتبط معها بعلاقات وثيقة.

القرار الفلسطيني بتأجيل الانتخابات على خلفية عدم مشاركة المقدسيين أفضل من إجرائها بدون القدس؛ فالقدس اليوم أهمّ من الانتخابات

ربما تكون الشكوك بقرار عباس لها وجاهتها وما يؤيدها وتحديداً المخاوف من احتمالات بروز انشقاقات في حركة فتح تزيد الطين بلة في خريطة الانقسام الفلسطيني الذي تمثل حركة حماس أحد طرفيه، لكن يبدو أنّ لموقف السلطة الفلسطينية وجاهة أكبر وأعمق، مرتبطة بقضية القدس، ليس في إطار المقدسات فقط بل في أبعادها السياسية، والموقف من صفقة القرن، والاعتراف الأمريكي من قبل دونالد ترامب بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، خاصة أنّ عباس يؤكد أنّه بذل جهوداً مع الأطراف الدولية، وخاصة الأوروبيين، لإقناع إسرائيل بمشاركة المقدسيين في الانتخابات.

تدرك إسرائيل أنّ السماح للمقدسيين بالمشاركة في الانتخابات الفلسطينية يعني الاعتراف بأنّ القدس لم تعد عاصمة موحدة لإسرائيل، كما قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وبالتزامن تدرك القيادة الفلسطينية أنّ مشاركة المقدسيين في أيّ انتخابات فلسطينية يعني تثبيت وإنهاء الاعتراف بقرار ترامب، ويبدو أنّ القيادة الفلسطينية نجحت بإعادة طرح القدس بوصفها قضية أمام المجتمع الدولي.

اقرأ أيضاً: بسبب القدس: الانتخابات الفلسطينية في مهبّ الريح

الاعتراض على قرار عباس من قبل بعض الفصائل والأوساط السياسية الفلسطينية ينطلق من مرجعيات مرتبطة بضرورة التجديد في الهيئات القيادية الفلسطينية، والالتزام بالديمقراطية والانتخاب، لكن بالمقابل فإنّ قضية القدس وإعادة طرحها وفقاً لمقاربة حركة فتح على الأقل تبدو أكثر أهمية من إجراء الانتخابات، لا سيّما أنّ اتفاقيات أوسلو المرفوضة من قبل بعض الفصائل هي المرجعية لهذه الانتخابات، وبالتالي فإنّ تأجيل الانتخابات يحقق مصلحة وطنية أكبر منها في حال إجراء الانتخابات بدون المقدسيين.

القرار الفلسطيني قوبل برفض من قبل الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء السلطة، واحتجاج وشكوك من قبل حركة حماس

تذرّعت إسرائيل بعدم القدرة على اتخاذ قرار بخصوص مشاركة المقدسيين، وفي حال تشكيل حكومة إسرائيلية فمن المؤكد أنّ الكرة ستكون في مرمى إسرائيل التي يتوقع أن تعرقل مشاركة المقدسيين، وخاصة أنه من المؤكد أنها ستكون حكومة ذات غالبية من المتطرفين، ومن هنا، فإنّ لدى السلطة فرصة لإعادة طرح قضية القدس، ويمكن أن تمارس مصر والأردن ودول الخليج العربي دوراً مسانداً للسلطة الفلسطينية، كما أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة، التي ألغت قرارات لترامب "الجدار مع المكسيك"، قادرة على إحداث "تحريك" لقضية القدس الشرقية.

وربما تبدو مقاربة أنّ بإمكان إيران وتركيا ترجمة شعاراتهما الخاصة بالأقصى والقدس الشرقية والقضية الفلسطينية، مقاربة في إطار الرومانسية السياسية، وذلك باتخاذ مواقف تتجاوز استخدامات حركة حماس وشعارات القضية الفلسطينية ورقة تفاوض مع أمريكا وإسرائيل، لا سيّما أنّ مفاوضات تجريها طهران وأنقرة مع واشنطن.

وبالخلاصة، نعتقد أنّ القرار الفلسطيني بتأجيل الانتخابات على خلفية عدم مشاركة المقدسيين أفضل من إجرائها بدون القدس؛ فالقدس اليوم أهمّ من الانتخابات، ورغم عدم وضوح مستقبل هذه القضية إلّا أنّ الرهانات ستبقى قائمة على مقدرة السلطة الفلسطينية على الالتزام بهذا الموقف، وهي التي صمدت أمام ضغوطات صفقة القرن 4 أعوام عجاف.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية