قواعد الفكر الإخواني (8): كل شيء في سبيل الحكم

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (8): كل شيء في سبيل الحكم


14/01/2018

تحت عنوان "فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية" كتب حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس، واصفاً جماعته بأنها "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، محاولاً تقديم الجماعة بصورة هيئة إسلامية جامعة، كما نعتها لاحقاً مرشد الإخوان السابع محمد عاكف، الذي رفض إخضاع الجماعة لقانون الجمعيات الأهلية، باعتبار أنّ مجال عملها أوسع من ذلك.. وهو ليس إلا الوصول إلى الحكم.

جماعات جاهزة للقطاف
عندما أسّس البنا جماعة الإخوان كانت الساحة المصرية تعج بشتى الهيئات والمؤسسات التي تعمل في كل الساحات، واختار أن يخترقها مجتمعة عبر استهداف جمهور أعضائها، كان البنا يعتقد أن جماعته ستلتهم كل الكيانات وتوجه مسارها في خدمة مشروعه، كأنه يستحضر صورة النبي موسى -عليه السلام- وقد استحالت عصاه حية تلتهم كل الحيات الصغيرة.
سبقت الإخوان في الوجود والتأثير جماعات سلفية مثل: الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة التي أنشأها الشيخ محمود محمد خطاب السبكي العام 1912، وجمعية أنصار السنة المحمدية ومؤسسها الشيخ محمد حامد الفقي العام 1926، وغيرهما من الجمعيات السلفية التي انشغلت بطبع أنصارها بالطابع السلفي في الهدي الظاهر والباطن، ونجحت في تكوين قاعدة كثيفة من الأتباع، كان يراها البنا الأقرب للتعبئة في اتجاه مشروع يرفع راية تطبيق الشريعة واستعادة الخلافة، لذا كان حرصه على أن يصف جماعته بأنّها "دعوة سلفية" ليستقطب أتباع تلك الجماعات، ويكونوا وقوداً جاهزاً تملؤه الحماسة الدينية لحركة جماعته نحو الحكم.

رفض محمد عاكف إخضاع الجماعة لقانون الجمعيات الأهلية بحجة أنّ مجال عملها أوسع من ذلك

أما مؤسسة الأزهر التي كانت قاعدة أهل السنة والجماعة، وتحظى بثقة جماهير غفيرة تنحاز للسنة وتحرص عليها، فقد حرص البنا على أن يخاطبها أيضاً مقدماً جماعته باعتبارها طريقة سنية، يتقدم لقيادة أفرادها من يقدم نفسه باعتباره ناصر السنة ومميت البدعة، عبر هيئة وخطاب حرص على تكريسهما في سلوكه وهيئته.
جريمة القعود عن المطالبة بالحكم
عند التأمل في هذه الفئات السابقة التي حرص البنا على استهدافها سنجد أنها ترجمة دقيقة لطوائف المجتمع الأكثر حضوراً مرتبةً، بحسب الوزن النسبي والتأثير؛ فالسلفيون يأتي بعدهم جمهور الأزهر، ثم مباشرة أرباب التصوف، حيث اختار البنا هذا الثوب في بداية 10 أعوام من تأسيس الجماعة ليستقطب من خلاله هذا الجمهور الصوفي الواسع، ورغم أنّ الصوفية تعني طهارة الباطن والزهد في متاع الدنيا، وبالتالي يفترض أن يمضي كل ما يتعلق بها من وسائل وأذكار في هذا السبيل، نجد عجباً في الآية التي اختار أن يصدر بها ورد الإخوان اليومي من المأثورات، أو ما سمّاه ورد الرابطة بين أعضاء جماعته؛ حيث وجههم إلى أن يتلو كل منهم تلك الآية بخشوع وتدبر شديدين، ويتذكر صورة من غاب عنه من إخوانه ممن يعرف أو لا يعرف، فماذا كانت تلك الآية التي يفتتح بها العضو ما يحقق فيه قيم التجرد والتخفف من الدنيا والزهد فيها؟

وصف البنا دعوته بالسلفية لقناعته أن أعضاء الجماعات الإسلامية التي سبقته الأقرب للتعبئة باتجاه مشروعه

إنها الآية الكريمة: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وترزق من تشاء بغير حساب".
هل كان الاختيار لهذه الآية تحديداً محض صدفة، أم أنّ البنّا يريد أن يرسخ في نفوس أفراده أنّ الحكم "فريضة" آثم من لا يسعى لها، وهو ما عبر في المؤتمر الخامس للإخوان بقوله: "فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف. هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا، ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف".

أخلاق الكيد والخديعة
ولأنّ الحكم بهذه المحورية، فكل الدول الحديثة نظّمت الوصول له عبر انخراط من يريد في حزب سياسي، وبما أنّ الساحة المصرية في ذلك الوقت كانت تعج بالأحزاب ذات الشعبية والتاريخ، كحزب الوفد الغريم التاريخي للإخوان وأعلم الناس بحقيقته، فقد اختار البنا في التعبير عن بعض خصائص جماعته كلمة "هيئة سياسية" وليس حزباً سياسياً؛ إذ كان يسمي الأحزاب "سيئة العصر".

الفئات التي حرص البنا على استهدافها ترجمة دقيقة لطوائف المجتمع الأكثر حضوراً حسب وزنها النسبي والتأثير

إلا أنّ مؤسس الإخوان كان في حقيقة سلوكه وأهدافه مجرد حزب يريد الوصول إلى السلطة، ليس عبر الطريق الشرعية الواضحة، ولكن بالكيد والخديعة والتقية على الجميع؛ بل وتربية الأتباع على الكذب؛ وليس أدل على ذلك من رواية الدكتور حسان حتحوت الذي انضم للإخوان المسلمين العام 1941 علي يد حسن البنا نفسه؛ إذ يقول في كتابه "العقد الفريد: عشر سنوات مع الإمام حسن البنا 1942-1952" حول المعركة الانتخابية في الإسماعيلية بين حسن البنا وسليمان عيد مرشح الوفد: "كان اهتمام الإخوان بهذه الانتخابات كبيراً وانتقل خمسة عشر ألفاً من الإخوان إلى الإسماعيلية، ... قسمنا أنفسنا إلى مجموعات من ثلاثة تجوب الشوارع، وكلما مرت بأحد أو مر بها أحد من الأفراد أو الجماعات، قال أحد الإخوان بصوت مسموع وكأنه مستغرق في الحديث مع زميليه " قلت له صحيح سليمان عيد قريبي، لكن سأنتخب حسن البنا"!
ثقافة ضائعة بين القوة والمال
ولأنّ حسن البنا يعرف أنّ أداة التأثير الأكبر في أي منافسة على الحكم هي القوة، فقد اختار بمكر أن تكون تلك الجماعة الرياضية، كما وصف جماعته، فرقاً من الجوالة تتدرب على الرياضة كمرحلة، قبل اكتشاف النظام الخاص، أول ميليشيا عسكرية في القرن العشرين في مجتمع مسلم، استخدمت العنف في الوصول لأهدافها تحت عنوان نصرة الدين.
أما وصف البنا لجماعته بأنّها رابطة علمية ثقافية فهو أعجب تلك الأوصاف في الحقيقة؛ إذ إنّ أهم ما يميز الجماعة أنها جيش من الأتباع، يرى العالم بعيون المرشد وبطانته، فلا يقرأ إلا ما يريدون، ولا يعقل إلا ما يعقلون، لكن لأنّ الرجل لا يريد أن تفلت منه شريحة من شرائح هذا المجتمع، فقد كان حريصاً على أن يضم لأوصاف الجماعة هذا الوصف؛ فحسبما يرى في رسالة المؤتمر السادس فإنّ "أندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف، ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح"، التي لم تكن سوى قشرة رقيقة حرقتها أضواء الحكم ثم لهيب ثورة الناس عليهم في 30 (يونيو) 2013.
يلحق البنا الاقتصاد بخصائص الجماعة؛ فيصفها بأنّها شركة اقتصادية، في إدراك مبكر منه لأهمية المال للعمل السياسي، وضمن حزمة الوسائل اللازمة طريقاً للحكم، لذا عبر شبكة من الجمعيات الخيرية والشركات الصغيرة والكبيرة، تضخمت خزانة الإخوان، وطورت الجماعة عبر خبرات حركية كيفية تأمين تلك الأموال، التي ذابت فيها حدود أموال البر وأموال السياسة خدمةً لمشروع الجماعة في الوصول للحكم.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية