عنف التشدد الديني في مصر... سنوات ما قبل 25 يناير

العنف الديني

عنف التشدد الديني في مصر... سنوات ما قبل 25 يناير


26/11/2017

انتهت الألفية الماضية بمشهد ختامي، بدت فيه الدولة المصرية، منتصرة على الإرهاب، ضاربة بذلك نموذجاً اعتبرته العديد من الدول جديراً بالاحتذاء، كتجربة مثالية للقضاء على العنف الديني المسلح، بعد اكتواء مصر بناره عدة سنوات، تجلت ذروته فيما بين العامين 1990 و1997.
فقد أنهت الجماعة الإسلامية عملياتها المسلحة الكبرى، بعد إطلاقها لمبادرتها الشهيرة، العام 1997، التي تلا نصها إحدى قيادات الجماعة من خلف قفص الاتهام، وظل النظام الحاكم في هذا الوقت مرتاباً منها، وعزز ذلك الارتياب، الهجوم الذي وقع في العام نفسه، من خلف ظهر قادة الجماعة في السجون، على سياح أجانب في وادي الملوك بمدينة الأقصر، جنوب مصر، مما أدى بالدولة المصرية لعدم التفاعل مع تلك المبادرة، حتى وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، إلا أن هؤلاء القادة المسجونين، كانوا قد توقفوا عن العنف المسلح بالفعل منذ إطلاقهم لتلك المبادرة، مما شجع الدولة المصرية لمحاولة إغلاق ملفها للأبد، فكانت مراجعتها التي أقرت فيها بارتكابها أخطاء شرعية في استهداف الدولة ومؤسساتها.
أما على مستوى تنظيم الجهاد، فقد أعلن أيمن الظواهري، زعيم التنظيم، في العام 1995 عن توقف العمليات في مصر لما أطلق عليه وقتذاك "عدم القدرة"؛ فخفتت عملياته في العمق المصري، وخاصة بعد تعرض طلائعه ومفارزه في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، لضربات أمنية موجعة، أدت إلى تفكيكها مبكراً قبل أن تحقق أهدافها.
ثم انخرط بعد ذلك في مشروع قتال "العدو البعيد"، بعد إعلانه عن "جبهة إسلامية لقتال اليهود والصليبيين"، وبَعُدَ بعملياته العنيفة عن الداخل المصري، معتبراً أن واجبه الآني هو ضرب رأس الأفعى "أمريكا وإسرائيل"، وتأجيل "العدو القريب" المتمثل بالأنظمة الحاكمة.
ظل المشهد الديني في مصر خالياً لحد كبير من العنف، بعد قبول إعلان مبادرة الجماعة الإسلامية ومراجعاتها الفكرية، حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، وغزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في العام 2003.

أعلن أيمن الظواهري زعيم تنظيم الجهاد في العام 1995 عن توقف العمليات في مصر بسبب ما أطلق عليه وقتذاك "عدم القدرة"

سيناء.. الهدوء الخادع
في التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2004، استيقظت الدولة المصرية على انفجارين اهتزت له جدران طابا وأديمها، لم تكن الصدمة نابعة من نوعية العملية ونتائجها فحسب، بل كون منفذها هو تنظيم سيناوي المنشأ والتكوين، بعد أن ظنت الأجهزة الأمنية أنها قضت على الإرهاب في معاقله الأساسية في صعيد مصر، وخلاياه المتفرعة في الوجه البحري، فإذا بها تفاجأ به يتفجر من شبه جزيرة سيناء، التي اتسمت بــ"اللاعنف" الديني لأمد طويل.
أودت التفجيرات بحياة ما لا يقل عن 34 شخصاً، وإصابة أكثر من 150 بجراح أغلبهم إسرائيليون في منتجعين سياحيين قرب الحدود مع إسرائيل.
بدأت الدولة أيام الرئيس حسني مبارك بالحل الأسهل فعملت على استئصال تلك التنظيمات أمنياً، ملقية الحلول الاجتماعية، والاقتصادية، والفكرية وراء ظهرها، ولم تستطع المؤسسات الدينية إيصال الإجابة عن أسئلة إشكالية في الخطاب الديني لتلك الجماعات التكفيرية.

بعد أن ظنت الأجهزة الأمنية أنها قضت على الإرهاب بمعاقله الأساسية في صعيد مصر فوجئت العام 2004 بانفجارين استهدفا طابا

أذرع لا تنقطع
وجهت أجهزة الأمن المصرية، ضربات قوية إلى تنظيم التوحيد والجهاد، الذي تبني عملية طابا، وقُتل أميره طبيب الأسنان الدكتور خالد مساعد، مع عدد من أعضاء التنظيم، وظهر مقطع فيديو يظهر مساعد وهو جثة هامدة، وظن المتابعون أن التنظيم كان مجرد خلية قُضي على بؤرتها تماماً.
ورفع الراية من بعده أحد أقرانه هو نصر خميس الملاحي، ليستأنف من بعده قيادة التنظيم الذي تبين أنه يضم العشرات، وقام بتنفيذ هجمات في منتجع شرم الشيخ العام 2005.
تزامنت تلك الهجمات مع احتفالات العيد القومي الرئيسي في مصر "23 يوليو"، واستهدفت المنتجع المصري الهادئ جنوب شبه جزيرة سيناء، حيث قتل جراء هذه الهجمات 88 شخصاً معظمهم مصريون، وجرح ما يزيد على 200 شخص من الانفجار.
قامت في وقتها أجهزة الأمن المصرية باعتقال عدد من المصريين بينهم بعض السكان المحليين من بدو سيناء، قيل إنّ البعض منهم قاموا بتقديم تسهيلات لمن قاموا بالتفجيرات، كما قام محافظ جنوب سيناء ببناء سياج أسلاك عازلة خارج حدود المدينة لمنع التسلل إليها، لكن هذه الإجراءات قوبلت بالرفض وتمت إزالة السياج فيما بعد.

من تفجيرات طابا عام 2004
وتوسعت قوات الأمن بعمليات اعتقال واسعة في صفوف البدو المشتبه بهم في شبه الجزيرة، حتى اشتعل الغضب في أوساط القبائل متهمين الأمن بخروقات عرفية وعاداتية زادت من اشتعال الجمر تحت الرماد.
لم تقبل القبائل العربية أحكام الإعدام في حق عدد من أبنائها، معتبرة أنهم "أبرياء" ومتهمة الأجهزة الأمنية بـ"تلفيق" التهم، فضلاً عن وصف عدد منهم أبناءهم المحكوم عليهم بــ"المجاهدين".
وفي يومي 7 و30 نيسان (أبريل) 2005 اُستهدفت القاهرة من "العنف الإرهابي" في خان الخليلي وميدان عبد المنعم رياض؛ حيث قتل فيهما 3 سياح أجانب وأصيب 18 شخصاً بينهم 10 مصريين.
وفي 24 نيسان (أبريل) العام 2006، وقعت 3 تفجيرات في منتجع دهب أودت بحياة العشرات من المصريين والأجانب، وما لبثت أن زادت وتيرة التوتر الأمني بين قبائل البدو والحكومة المصرية حتى قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير.

 في العام 2005 تعرض منتجع شرم الشيخ لهجمات إرهابية من إحدى خلايا سيناء أودت بـ88 شخصاً معظمهم مصريون


جذور التطرف القطبية في سيناء
في مسجد العباسي، أقدم مساجد سيناء، أسس الشيخ صلاح شحادة، القائد الشهير في كتائب القسام فيما بعد، الجماعة الإسلامية كأول جماعة دينية واضحة المعالم في سيناء إبان الاحتلال الإسرائيلي، وكان دورها مقتصراً على التوعية الدينية في مواجهة الاحتلال.
انتقل فيروس التكفير محمولاً عبر الرياح من الوادي ليعشش في وديان سيناء وسهولها.. لتفعل "معالم" سيد قطب فعلتها في مجتمع طالما شعر بالعزلة الطبيعية والمفتعلة معاً؛ إذ انتقل الفكر القطبي للمرة الأولى في سيناء العام 1979 متخفياً تحت مسمى جماعة الدعوة السلفية التي أسسها فتحي حمدي اسكندر الملقب بــ"أبو إسلام" التي تحولت بعد ذلك لمسمى جديد "جماعة أهل السنة والجماعة" التي تزعمها الشيخ أسعد البيك.
ورغم أن الجماعة لم تحمل السلاح إلا أنها وضعت بذور أفكار سيد قطب بنسختها المتشددة؛ فالمجتمع لديهم "جاهلي" والنظام الذي لا يحكم الشريعة وفق منظورهم "كافر".

تطال التفجيرات المواطنين فتدمر أرواحهم وممتلكاتهم
فبعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بدأت مجموعة من الشباب الجامعي بالعودة إلى سيناء حاملين معهم الأفكار الدينية المتشددة، وانتشر الفكر السلفي الجهادي في ربوع سيناء لأول مرة، ومع العام ١٩٨٤ أنشأ محمود آدم، وكان يعمل مدرساً، فرعاً لجماعة التبليغ والدعوة وقتها، التي اعتمدت على جذب أتباعها بالخروج في سبيل الله ودعوة أنصار جدد، وقد انتشرت فيما بعد بصورة كبيرة.
بعد نهاية الثمانينيات شكلت مجموعة من الطلبة العائدين من الدراسة بالجامعات المصرية مجموعات دينية أكثر تطرفاً وتشدداً، وتبنى معظمها الفكر السلفي المتشدد ليظهر على الساحة شباب يكفرون آباءهم ويرفضون حتى تناول الطعام معهم.
لكن الأخطر هو تأسيس تلك الجماعة لما سمته "المحاكم الشرعية" التي أنشأت لها فروعاً في كل من العريش والشيخ زويد ورفح، وكانت أول مظاهر الخروج على سلطان الدولة المصرية، حيث حققت انتشاراً ملحوظاً في ظل بيئية بدوية ابتعدت نفسياً عن الاحتكاك بكل مظاهر الدولة في شبه الجزيرة.
في العام 1993 دبت الخلافات بين الجماعة الأم، فخرجت الجماعات وتفرعت لأسماء مثل؛ توحيد وجهاد وسلفية جهادية وتكفيريين وقاعدة وسلفية دعوية.
تسيدت أفكار التكفير ما سواها في سيناء، فمنهم من كفر النظام ومنهم من لم يكفره، ومن لم يكفره تم تكفيره بحجة أنه يساند النظام.. وظل الفعل الإرهابي في مصر مقوضاً منذ انفجارات سيناء، حتى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث كانت خلايا تنظيم التوحيد والجهاد تنشط مجدداً تنتظر الفرصة المواتية.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية