صراع إخوان إسطنبول ولندن: تناحر القيادات هل ينحر الجماعة؟

صراع إخوان إسطنبول ولندن: تناحر القيادات هل ينحر الجماعة؟


18/10/2021

رغم "المحن" التي مرت بها جماعة الإخوان، بحسب التوصيف المدرج في أدبياتها الأيديولوجية والسياسية، على مدار ثمانية عقود، والمتسببة فيها صداماتهم، المتكررة والتقليدية، مع الأنظمة السياسية، فضلاً عن التصدعات المتفاوتة في بنية التنظيم، إلا أنّها تمكنت عبر مناورتها اعتماد تكتيك الكمون ثم تحديد لحظة العودة، مجدداً، من التعافي وتجاوز الضغوط التي وقعت تحت وطأتها، وقد كانت مساواماتها السياسية، المؤقتة والانتهازية، تحتاج إلى خطاب تبريري، مرحلياً، يؤدي دوره في التعمية على أزماتها الداخلية، التنظيمية أو الأيديولوجية.

اقرأ أيضاً: ما الصفقة التي ستنهي خلافات جبهتي منير وحسين داخل جماعة الإخوان

واللافت أنّ التنظيم الذي تتباين داخله درجات الأعضاء من حيث مستوى خضوعهم الأيديولوجي، بينما لا توجد تلك المسافة من التفاوت في ما يتصل بالالتزام الحركي، يشهد أزمة بنيوية ووجودية، مؤخراً، تختلف عن كل الأزمات التي تعرضت لها جماعة الإخوان، والأخيرة امتدت الصراعات ورافقتها النزاعات، طوال تاريخها؛ بداية من الاتهامات الأخلاقية والقيمية، من بينها أزمة الفساد المالي التي سجلت أول انشقاق في تاريخ الجماعة بخروج وكيلها الأول أحمد السكري، وقد وثق ذلك في شهادة دان فيها الذمة المالية للمؤسس (حسن البنا)، مروراً بالتورط في العنف، ويحفل سجلها بوقائع وجرائم موثقة، ثم خياراتهم السياسية البراغماتية التي وضعتهم في تناقضات جمّة.

وعلى ما يبدو فإنّ السيولة التي يشهدها التنظيم، خلال العقد الفائت، وتفاقم الخلافات، على مستوى القواعد والقيادات، تشكل لحظة مفصلية في تاريخ الجماعة، بينما تجعلها أمام اختبار صعب لعبور رهانات الوضع المحتدم، والذي يتصل بجوانب داخلية وإقليمية، من بينها حالة الشتات التي حدثت في أعقاب نبذهم السياسي بمصر بفعل ثورة شعبية، عام 2013، وانقسامهم إلى مجموعتين، تحديداً جبهتي إبراهيم منير القائم بعمل المرشد، ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة.

بماذا تخبر أزمة التنظيم الأخيرة؟

التطورات الأخيرة بين جبهتي منير في لندن وحسين في اسطنبول، كشفت عن فجوة هائلة في السياسات والمصالح بين الطرفين، كما لعبت الاعتبارات الإقليمية دوراً مؤثراً ولافتاً في تسريع وتيرتها وتصاعدها، خاصة بعد تراجع الدعم التركي ومحاولات التقارب مع القاهرة، وقد فشلت كل مبادرات الصلح (سبع مبادرات) في الوصول لتسوية.

الخلافات تكشف عمق أزمة التنظيم من حيث فقدان شباب الإخوان الثقة في قيادتهم، ما يجعل عملية استمرار الصراع والأزمات مرشحة طوال الوقت، وتبعث بتهديدات وجودية للجماعة

وفي أعقاب نتائج الانتخابات الخاصة بلجنة إدارة الجماعة التي أسفرت عن تهميش مجموعة تركيا بقيادة محمود حسين، بل وإحالة عدد منهم للتحقيق على خلفية اتهامات بفساد مالي وإداري، بواسطة القائم بأعمال المرشد، بلغت الخلافات والملاسنات حدودها القصوى، حيث جرى إعلان عزل المرشد، وعدم الاعتداد بقراراته.  

ومن بين الأسماء الموقوفة؛ الأمين العام السابق للجماعة وعضو مكتب الإرشاد محمود حسين، ومسؤول رابطة الإخوان المصريين بالخارج محمد عبدالوهاب، وعضو مجلس الشورى العام ومسؤول مكتب تركيا السابق همام علي يوسف، وأعضاء مجلس الشورى العام.

إعفاء نائب المرشد

وفي رد فعل سريع ومباغت على هذه الأحداث، قال بيان صادر عن الجماعة، نهاية الأسبوع الماضي، إنّ "مجلس الشورى العام للإخوان في اجتماعه، في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، قرر إعفاء الفاضل إبراهيم منير من مهامه كنائب للمرشد العام للإخوان المسلمين".

الباحث في العلوم السياسية، محمد ربيع الديهي

وأردف أنّ "المجلس وهو يتخذ هذه القرارات كان حريصاً على احتواء المخالفات بعدم الالتزام باللوائح، وتهميش مؤسسات الجماعة، وعدم الالتزام بقرارات مجلس الشورى، طوال عام كامل، باعتباره السلطة العليا في الجماعة ومرجعيتها"، وتابع: "سبق للمجلس أن طرح آليات لوقف هذه المخالفات إلا أنّه للأسف لم يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه".

الباحث في شؤون الإسلام السياسي هاني سليمان لـ"حفريات": أعتقد أنّ الأزمة الحالية ليست كسابقتها التي تعرضت لها الجماعة؛ فهي كاشفة وحاسمة في تاريخ ومستقبل وجود الجماعة

وفي المقابل، انخرط ما يعرف بـ"مجلس شورى القُطر" والمكتب الإداري للإخوان في تركيا، في ملاسنات حادة وعنيفة مع مجلس شورى الإخوان؛ إذ اعتبر كل منهما أنّ "مجلس الشورى العام مؤسسة غير موجودة على أرض الواقع، وهذا بنص حديث محمود حسين في أكثر من مرة سئل فيها عن كيفية اجتماع مجلس شورى الجماعة فكان يقول نصاً: ليس هناك مجلس شورى ولكن هناك أعضاء شورى، ولذا؛ فكل ما يصدر باسم مجلس شورى الجماعة محض كذب وتزييف للحقائق".

وأوضح المجلس والمكتب في بيان: "نهيب بالصف عدم الالتفات إلى موقع الجماعة الحالي ومنصاتها الإعلامية (المختطفة) من قبل ثلة انقلابية، إلا بعد تسلمها والإشراف عليها من قبل القيادة الشرعية".

هشاشة الهيكل الفكري والتنظيمي للجماعة

إذاً؛ تؤكد الأزمة المستعرة داخل صفوف جماعة الإخوان على عدة مؤشرات أساسية، بحسب الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، الدكتور هاني سليمان قربة، الذي يرى أنّ حرص الجماعة، تاريخياً، على التأكيد أنّها "وحدة واحدة" و"كتلة متجانسة"، مجرد إدعاءات وأحاديث غير دقيقة وزائفة، بينما حاولت من خلال هذه الدعاية والمقولات التغطية على مواطن الضعف والخلل التي تأكدت في أدق اختبار حقيقي واجه التنظيم.

اقرأ أيضاً: صمت الإخوان عن إدانة مقتل النائب البريطاني: مباركة مبطّنة؟

ويضيف لـ"حفريات": "أعتقد أنّ الأزمة الحالية ليست كسابقتها من الأزمات التي تعرضت لها الجماعة؛ فهي كاشفة وحاسمة في تاريخ ومستقبل وجود الجماعة أصلاً؛ حيث نسفت الكثير من المبادىء وقواعد العمل والتنظيم داخل ما تبقى من التنظيم الذي يعيش أضعف مراحله".

وطول الشهور السابقة، لم تفلح أية وساطات ومبادرات لرأب الصدع بين طرفي الصراع داخل التنظيم، الأمر الذي يؤكد "هشاشة قواعد البناء والتأسيس داخل الهيكل الفكري والتنظيمي للجماعة، بحيث طغت الفردية والذاتية على قيم الجماعة الانتهازية"، بحسب سليمان، والذي يرجح استمرار الأزمات وتوالي الصراعات، وكذا حدوث انشقاقات، بما يؤكد كذلك "ضعف فرص التقارب، وإعادة بناء ما تبقى من التنظيم، خاصة أنّ هناك ضغوط متفاوتة من خارج الجماعة في ما يتعلق بممارسات وحسابات بعض الأطراف في قطر وتركيا ولندن، وعلاقتها بشبكات المصالح والتأثير".

اقرأ أيضاً: هكذا أسقط "إرهاب الإخوان" مشروعهم وشرعيتهم

يتفق والرأي ذاته، الباحث في العلوم السياسية، محمد ربيع الديهي، والذي يرى أنّ صراع الأجنحه داخل جماعة الإخوان، بين جبهتي تركيا بقيادة محمود حسين، ولندن بقيادة إبراهيم منير، إنّما تكشف عن "حجم هشاشة وضع التنظيم في الوقت الحالي، لا سيما في ظل الرفض الشعبي لتلك الجماعة في الوطن العربي، وتآكل حواضنها الشعبية، وانفلات قواعدها من الالتزام الحركي تجاه القيادات".

ويمكن لنا أنّ نستنتج من تلك الخلافات عمق الأزمة التي يعشها التنظيم حالياً، في ظل حالة انقسام عنيفة داخل صفوف التنظيم على كافة الـأصعدة، بحسب الديهي في حديثه لـ"حفريات"، وبالتالي، فقدان شباب الإخوان الثقة في قيادتهم، الأمر الذي يجعل "عملية استمرار الصراع والأزمات مرشحة طوال الوقت، وتبعث بتهديدات وجودية لتلك الجماعة".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون.. هل تحترق الجماعة ذاتياً؟

ولذلك؛ عمد القائم بأعمال المرشد إلى استمالة الشباب، خلال الحوار الذي ظهر فيه، مؤخراً، عبر إحدى المنصات التابعة للإخوان بالخارج، وقد وصف وضع الجماعة بأنّها تقع تحت وطأة "التحزب"، وألمح إلى مخاطر هذا الوضع الذي قد يدفع نحو "العنف"، وقال: "أخشى أن أذهب إلى الله وأمامنا مشكلة كبيرة قد تؤدي بنا إلى باب العنف هذا ما أخشاه".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية