زينة رمضان.. احتفاء عفوي يمتد عبر التاريخ الإسلامي

زينة رمضان.. احتفاء عفوي يمتد عبر التاريخ الإسلامي


31/03/2022

بدأت ملامح الاحتفال بشهر رمضان الفضيل في الظهور بالمنازل والشرفات والطرقات، وكل ذلك يختلف حسب كل دولة وعادات كل شعب؛ الزينة، الفوانيس، الأقمشة التراثية الملونة، الأهلّة وحبال الإضاءات المبهجة.. كلّها مظاهر تعكس عفوية التعبير عن السعادة بحلول هذا الضيف، والأجواء الروحانية التي يشيعها، ورغم ما تواجهه من استنكار بعض المتصدين للإفتاء، إلا أنّ الملاحظ أنّ شيوعها آخذ بالازدياد عاماً بعد عام.

الزينة تاريخياً

اختلفت الروايات حول زينة رمضان، وهل كانت خاصة بالمساجد، أم لكل الشوارع والطرقات، وهل هي طقس وافد أم أصيل في الشعوب الإسلامية.

تؤكد دراسات أنّ إضاءة الساحات وتزيين الشوارع أثناء شهر رمضان والأعياد تعود إلى القرن الرابع الهجري

ما ورد في شبكة المعلومات العالمية أنّ هناك خلافاً حول إضاءة المساجد في شهر رمضان، وهل بدأت في عصر عمر أم علي رضي الله عنهما؟

كما اختلف المؤرخون حول بداية تزيين الدور والطُرقات لاستقبال شهر الصوم والاحتفال به، كما أنّ عصور التاريخ الإسلامي شهدت عادات وطقوساً مُختلفة لدى المُجتمعات الإسلامية والعربية وتأصلت مع الزمن باختلاف الغايات، فقيل إنّ الفانوس يعود استخدامه إلى صدر الإسلام، لإضاءة الطرق ليلًا للمسلمين، أثناء ذهابهم إلى المساجد أو في طريقهم لزيارة أقاربهم.

 اختلف المؤرخون حول بداية تزيين الدور والطُرقات لاستقبال شهر الصوم والاحتفال به

وفي الإطار التأصيلي التأريخي، قيل إنّ الظاهرة مصرية المنشأ، ابتدعها الخلفاء الفاطميون، حين كانوا يزينون الشوارع، ويخرجون إلى الشوارع ليلة استطلاع وتحري هلال رمضان، وكان الأطفال يخرجون معهم ليضيئوا لهم الطريق، وينشدون معاً بعض الأهازيج الجميلة، تعبيراً عن سعادتهم باستقبال الزائر الفضيل.

اقرأ أيضاً: الفوانيس تستعيد مجدها في غزة مع اقتراب رمضان

ونقلاً عن صحيفة "اليوم السابع" المصرية، فإنّ دراسة الدكتور زهير شفيق كبى حول باب الإجماع عند أبي بكر الجصاص المتوفي 370هـ، أكدت الاحتفال بالأعياد وشهر رمضان في القرن الرابع وأوائل الخامس الهجري؛ أي فترة تأسيس الدولة الطولونية حيث ظهرت العديد من المظاهر مثل إضاءة الساحات وتزيين الشوارع أثناء شهر رمضان والأعياد، وهي المظاهر التي انتقلت للشيعة.

اقرأ أيضاً: رمضان في زمن كورونا

فيما ذكر زياد سامي عيتاني، في مقال له بعنوان "عادات رمضانية: زينة رمضان": وبحسب ما تسجل كتب التاريخ أنّ أول من بدأ فكرة الاحتفال بقدوم شهر رمضان هو الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عندما قام بتزيين المساجد وإنارتها من اليوم الأول لرمضان حتى يتمكن المسلمون من إقامة صلاة التراويح وإحياء شعائرهم الدينية.

الزينة دينياً وفقهياً

على نفس منوال بعض فصائل السلفيين في تحريم التجديد، أفتى الداعية السلفي المدخلي هشام البيلي؛ بتحريم الزينة وشراء الفوانيس، وفق ما ورد في موقع "المرجع" المصري، مُعللًا ذلك بأنّ زينة رمضان وفوانيسه واحتفالاته "بدعة" يجب اجتنابها.

وقال في فتوى له على موقعه الرسمي، إنّها "زينة بِدعيَّة، كتعليق الأنوار وشراء الفوانيس وتعليق الأوراق وهي المظاهر، التي ابتدعها المصريون كل عامٍ في رمضان، وهي مُحرَّمة".

من جانبه ردَّ الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلاميَّة، على هذه الفتوى قائلاً: إنّ تحريم الأشياء يأتي من خلال الاعتماد على دليل من القرآن والسنّة، مؤكدًا أنّ الأصل في الأشياء الإِباحة، ومن يدَّعي أن شيئاً حرام فعليه أن يأتي بالدليل.

اقرأ أيضاً: الإمارات تستقبل رمضان بتزيين الشوارع وتعميق قيم الخير

وأوضح الجندي أنّ "الإسلام دين فرح وبهجة، وإدخال الفرحة على الأطفال من الأمورِ المشروعة في الإسلام، مضيفاً أنّ شهر رمضان له دلالة واحترام في صفوف المسلمين عموماً، والمصريون بصفة خاصة يُقدسون هذا الشهر الفضيل، ويستقبلونه بالزينة والفوانيس، وهي من الأشياء المشروعة لإدخال البهجة على الأطفال، وإشعارهم ببهجة رمضان"، مستشهداً بالآيات والأحاديث على حكم إدخال الفرحة على المسلمين، مضيفاً أنّ الله قال في كتابه الكريم "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ".

الدول العربية والزينة

ورغم الفتاوى السنوية ضد التزيين في استقبال الشهر الفضيل إلا أنّ هذه الطقوس في الشوارع والمساجد في كل الدول العربية انتشرت بشكل لا مثيل له، لدرجة أن هناك برامج إذاعية وتلفزيونية أفردت مساحات واسعة لكيفية عملها.

وانتشر في الأسواق الإلكترونية ومواقع البيع والشراء أنواعها المختلفة، وطرق تسوقها "أونلاين"، وفي ذات الوقت التعريف بالقواعد والقوانين التي تحرّم أنواع معينة منها.

وفي خِضَمّ الاحتفالات بقدومه، ترى مظاهرها مختلفة من بلدٍ لأخرى، ففي مصر، التي هي منبع تلك الديكورات والتزيين في قدوم الشهر الكريم، لا تخلو حارة أو شارع خاصة بالمناطق الشعبية منها، حيث يقوم الأطفال والنشء بجمع أموال من السكّان للتزيين، وتتنافس المناطق مع بعضها البعض في الكيفية والطريقة.

وتعد حارة اليهود بالقاهرة من أبرز أماكن بيع زينة رمضان، كما أنّها تعد من أكبر الأسواق التي تزخر بالإكسسوارات اليدوية المصنوعة لزينة رمضان بأشكالها وأحجامها المختلفة.

رغم الفتاوى السنوية ضد التزيين في استقبال رمضان إلا أنّ هذه الطقوس انتشرت بشكل لا مثيل له

انتشرت ظاهرة التزيين لقدوم رمضان من مصر للشام، ففي الأردن بات تعليق الأهلة والفوانيس منتشراً بحيث لا يخلو منه حي أو شارع أو حتى عمارة سكنية.

أما في غزة، فتنتشر الرسوم والجرافيتي على الجدران بدلاً من تعليق الأهلة المضاءة، لذا يلاحظ ازدحام جدران القطاع في الأماكن العامة بعبارات التهنئة التي تخطها الفصائل والأحزاب الفلسطينية.

وتُزين الشوارع بالأنوار والمصابيح في سوريا رغم ضراوة الحرب، وتعلق لافتات تهنئة بحلول الشهر الكريم، مثل "أهلاً بك رمضان".

الغريب أنّ زينة رمضان انتشرت في العراق عقب الغزو الأمريكي العام 2003، خاصة تعليق الفوانيس النحاسية بالمساجد.

خلال السنوات الأخيرة انتشرت تلك الظاهرة في المملكة العربية السعودية، بعد أن كانت (محظورة) دينياً بحجة أنها بدعة، إلا أن الفوانيس والزخارف انتشرت في المحلات والمطاعم والفنادق وشوارع الحواري والبيوت لتمنح مدن المملكة جمالاً فاتناً في الشهر الفضيل.

كما تتزين منازل اليمنيين بما يسمى "القمرية"، وهي عبارة عن نصف دائرة مكونة من الزجاج ومادة الجص تعلو معظم النوافذ.

وباتت الزينة اليوم تقليداً لكثير من الأقليات خاصة بأوروبا، وهذا يمكن أن نعزوه إلى شعور المسلمين بالغربة، وحاجتهم إلى خلق أجواء رمضانية قد لا يلتفتون إليها في بلادهم.

أما في تركيا، فتتزين الجوامع في أنحاء البلاد خلال شهر رمضان بما يطلق عليه  "mahya"، أو "المحيا"، وهي لافتات ضوئية تعلق بين مآذن الجوامع، تحمل جملاً دينية تتغير خلال الشهر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية