حرب باردة بين أمريكا وإيران.. من يكسب أكبر قاعدة للتفاوض؟

حرب باردة بين أمريكا وإيران.. من يكسب أكبر قاعدة للتفاوض؟


02/03/2021

كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن تفاصيل تُنشر للمرّة الأولى عن أكبر عملية انتقامية لطهران، عقب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، بالهجوم على قاعدة "عين الأسد" الأمريكية في العراق، في كانون الثاني (يناير) 2020، والتي بالرغم من إلحاقها أضراراً بالقاعدة، غير أنّ تلك الخسائر لم ترتقِ إلى حدّ سقوط جندي أمريكي واحد.

التسجيلات التي نشرتها قناة "سي بي إس" الأمريكية، للضربة الجوية الإيرانية بـ16 صاروخاً يزن كل منها ألف طن، خلال مقابلة مع الجنرال في قوات مشاة البحرية الأمريكية، فرانك ماكينزي، تكشف الحدّ الذي يمكن أن تتساهل به الولايات المتحدة مع طهران.

كانت الولايات المتحدة قد نفّذت عملية هي الأبرز منذ عقود، حين اغتالت القائد العسكري الإيراني الأوّل، لكنّ ردّ طهران فشل في إسقاط جندي أمريكي واحد

وكانت الولايات المتحدة قد نفّذت عملية هي الأبرز منذ عقود في مواجهتها مع طهران، حين اغتالت القائد العسكري الإيراني الأوّل، لكنّ ردّ طهران فشل في إسقاط جندي أمريكي واحد، والذي كان حدوثه كفيلاً بـ"إشعال حرب مع طهران"، وهو ما عبّر عنه الجنرال الأمريكي بموقف آخر كانت ستتخذه واشنطن.

ويعزّز ذلك الرسالة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن، عقب استهداف الولايات المتحدة لقوات تابعة لميليشيات عراقية موالية لإيران في سورية، ردّاً على أوّل قصف لقاعدة أمريكية في العراق خلال عهده، حين قال: إيران لن تفلت من العقاب.

وبذلك، فإنّ المقاطع التي استدعتها الولايات المتحدة أخيراً في أوج توتراتها مع طهران، تعكس رسائل عدة، أحد أوجهها قد يعكس تصعيداً أو ضربات أمريكية جديدة متوقعة، وجاءت التسجيلات لتمهّد لها.

وفي وجه آخر يكمن في التفاصيل، فإنها تمثل استعراضاً للتفوق العسكري الأمريكي، والنجاح الاستخباراتي في العلم بالضربة قبل توجيهها، ثمّ اختيار الوقت المناسب لإخلاء الجنود، وإيقاع أقلّ خسائر ممكنة.

وبحسب ما أورده موقع "العربية" عن العملية، فإنّ معلومات وصلت من ضابط مخابرات للرائد في الجيش الأمريكي، آلان جونسون، تفيد بأنّ 27 صاروخاً إيرانياً باليستياً متوسط المدى في طريقها لتسوية قاعدة عين الأسد التي تبعد 120 ميلاً غرب بغداد، مؤكدة أنّ فرص النجاة غير مؤكدة حال عدم التحرّك.

وأضافت الشهادات أنّ القوات الأمريكية كانت تراقب الوضع، وعليه سارعت اللفتنانت كولونيل في سلاح الجو ستاتشي كولمان ورفاقها إلى إخلاء أكثر من 50 طائرة و1000 جندي قبل سقوط الصواريخ.

اقرأ ايضاً: هل يجرؤ بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني؟

إلّا أنّ القاعدة كانت بحاجة إلى تحضير، فكان القرار الأوّل أن يتمّ تقسيم الفريق الأمريكي على أساس القدرة القتالية، وتمّ الاتفاق على إرسال معظم جنوده إلى الصحراء، ليشاهدوا الهجوم، لو وقع، بأمان.

وأشارت التفاصيل أيضاً إلى أنّ قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكينزي كان قد حدّد من مقرّه في ولاية فلوريدا توقيت الإخلاء بشكل صحيح، مشدّداً على ضرورة الحذر، ففي حال الخطأ سيعلم الطرف المهاجم بالأمر ويغيّر الخطط.

أمّا الإيرانيون، فقد كانوا يراقبون القاعدة عبر الأقمار الصناعية التجارية، ما اضطرّ ماكنزي لأن ينتظر إيران لتحميل آخر صورة، ثمّ الإخلاء، حينها رأت طهران قوّات على الأرض وعمّالاً، ولم ترَ عمليات إخلاء، وأضاف: "أعتقد أنهم توقعوا تدمير عدد من الطائرات، وقتل عدد من أفراد الخدمة الأمريكية".

الإيرانيون كانوا يراقبون القاعدة عبر الأقمار الصناعية التجارية، ما اضطرّ ماكنزي لأن ينتظر إيران لتحميل آخر صورة، ثمّ الإخلاء

وقد أدّت الانفجارات إلى اندلاع النيران التي كانت تصل إلى المخابئ، ولم توفر الملاجئ حماية أبداً، وأسفرت عن إصابة نحو 100 جندي، معظمها ارتجاجات.

مستقبل التصعيد

يأتي ذلك في وقت تتوتر فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية الاتفاق النووي. ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمد حامد أنّ التصعيد الأمريكي والإيراني يعكس رغبة كلّ منهما في كسب أكبر مساحات ممكنة تحسّن وضعها خلال التفاوض.

ويقول حامد لـ"حفريات": إنّ إيران ليست في عجلة من أمرها في أمر التفاوض مع الولايات المتحدة، وهو ما أغضب الأخيرة وجعلها تغيّر من لهجتها المهادنة في البداية إلى التصعيد.

 الباحث في العلاقات الدولية محمد حامد

ويفسّر موقف إيران بأنها على يقين من أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة ستجلس على طاولة المفاوضات في نهاية الأمر، وأنّ نهجها المعلن منذ البداية هو العودة إلى الاتفاق، ولكن بعد تحسين شروطه، لذا فإنّ إيران لا ترغب في أن تقع تحت طائلة ضغوط الولايات المتحدة الواقعة بدورها تحت ضغوط إسرائيل ودول الخليج.

وأضاف: إنّ طهران، على الرغم من أوضاعها الاقتصادية الصعبة، ورغبتها في رفع العقوبات الأمريكية، غير أنها لن تقبل أمام ذلك بتقديم تنازلات، مستشهداً بمقولة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب: إنّ إيران، وإن كانت لم تكسب حرباً قط، فإنها لم تخسر تفاوضاً.

ويستبعد مراقبون تطوّر التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في عهد بايدن؛ لأنّ تلك العلاقات، وإن لم تكن قد شهدت مواجهة مباشرة طيلة أعوام ترامب الذي اتّسمت سياسته بالتصعيد الأقصى ضد طهران، فإنه من غير الوارد أن تحدث في عهد خليفته.

وفي إطار التصعيد الإيراني، كانت طهران قد أوقفت البروتوكول الإضافي في الاتفاق، والذي يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة على مواقع إيران النووية.

وفي غضون ذلك، يبدي الأوربيّون القلق من خطوة إيران، وقد قدّموا مسودة قرار إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين وقف طهران العمل بالبروتوكول الإضافي.

وسوف يُعرض القرار الألماني الفرنسي البريطاني المشترك للتصويت الجمعة المقبلة، وتُعبّر خلاله الدول الـ3 عن قلقها البالغ من القرار الإيراني، بحسب ما أوردته وكالة أنباء "فرانس برس".

 يُبدي الأوروبيون القلق من خطوة إيران، وقد قدّموا مسودة قرار إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية يدين وقف طهران العمل بالبروتوكول الإضافي

ورفض المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي التعبير عن موقفه من القرار، داعياً إلى تحييد عمل المفتشين عن المداولات السياسية.

وأكد غروسي على أنّ قرار إيران الأخير الحدّ من وصول المفتشين إلى المنشآت النووية له تأثير خطير، وأنه يعيق عمل الوكالة، وتقييمها لمدى التزام السلطات الإيرانية بالتزاماتها، قائلاً: عمليات التفتيش يجب أن تستمرّ، وألّا تكون ورقة مقايضة.

الصفحة الرئيسية