تونس: هل فات القطار "لإصلاح المسار"؟

تونس: هل فات القطار "لإصلاح المسار"؟


27/01/2022

تتّسع دائرة المعارضين لقرارات الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بينما هو ماضٍ في  مشروعه السياسي تبعاً للإجراءات، التي أعلنها في 25 تموز (يوليو) الماضي، رغم التأييد الشعبي الذي يحظى به، بحسب ما أكّدته نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة بتونس.

ومنذ إعلانه التدابير الاستثنائية، راكم الرئيس سعيّد الخصوم ضدّه، وانفضّ من حوله أغلب من كانوا يقدمون له الدعم، خصوصاً مع تقدمه في إعلان القرارات التي عززت صلاحياته، مما زاد عدد معارضيه من حقوقيين وسياسيين.

اقرأ أيضاً: تونس: "النهضة" تتحدى القرارات الحكومية... وسعيد يفتح النار على 20 ألف مسؤول

ولا يملك سعيّد حزباً سياسياً يدعمه، غير أنّه يحظى بدعم شعبي منقطع النظير في تونس، كما دعمته حركة النهضة الإسلامية وأغلب حلفائها خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، لكن غيّرت رأيها منه سريعاً بسبب "حرب الصلاحيات" التي يخوضها سعيّد.

يذكر أنّ سعيّد يعدّ الرئيس الوحيد الذي خرج عن كلّ قواعد الحياة السياسية في البلاد وتقاليدها، وفتح ملفات خطيرة، وسحب البساط من تحت الأحزاب التي سيطرت على الحكم منذ 2011.

 باب الحوار مغلق

لم يستقبل سعيّد، منذ تاريخ 25 تموز (يوليو) الماضي (وهو تاريخ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية التي أزاحت حركة النهضة عن الحكم)، أيّة شخصية سياسية، كما لم يلتقِ الأمين العام لـ "اتحاد الشغل" إلا مؤخراً، واكتفى بلقاء ممثلين عن منظمات مهنية أو شخصيات غير معروفة سياسياً، كما رفض الردّ على كلّ المقترحات والمبادرات التي قُدمت له، سواء من الأحزاب أو المنظمات.

وكانت خمسة أحزاب قد أعلنت دعمها لقيس سعيّد بتفعيل المادة 80 من الدّستور، واتّخاذ إجراءات استثنائية، منها: تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوّابه، وإقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي، وتسيير السلطة التنفيذية بنفسه، بمعاونة حكومة يعيّن رئيسها.

سعيّد يعدّ الرئيس الوحيد الذي خرج عن كلّ قواعد الحياة السياسية في البلاد وتقاليدها، وفتح ملفات خطيرة، وسحب البساط من تحت الأحزاب التي سيطرت على الحكم منذ 2011

الأحزاب الخمسة هم كلّ من "التيار الديمقراطي" (22 نائباً من 217)، و"الحزب الدستوري الحر" (17 نائباً)، و"حركة الشعب" (15 نائباً)، وحركة "الرّاية الوطنية" (نائب واحد)، وحزب "آفاق تونس"(نائبان)، حيث حمّلت كلّ هذه الأحزاب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس إلى حركة النهضة التي أحكمت قبضتها على الحكم منذ 2011 عقب سقوط نظام بن علي.

هذه الأحزاب تراجعت جميعها عن دعم سعيّد، واصطفّت في المعارضة، بعد أن أُغلق باب الحوار معها، ولم تظلّ سوى حركة الشعب، التي تفرض بعض الشروط لمواصلة الدعم، منها ضرورة فتح باب التشاور مع الأطراف السياسية، وفق ما يؤكّده المحلل السياسي بولبابة سالم.

اقرأ أيضاً: عبير موسي تلوح بمقاضاة قيس سعيد... ما علاقة الإخوان؟

وشدّد سالم، في تصريحه لـ "حفريات"، على أنّ الرئيس ارتكب خطأ كبيراً بتجاهله كلّ الطبقة السياسية، حتى أنّه رفض الحوار مع داعميه، بل ووصفهم بالانتهازيين اللاهثين وراء تسويات سياسية، معبراً عن استغرابه من قرار سعيّد بعد التواصل مع المنظمات الاجتماعية أو المنظمات الوسيطة بين الطبقة السياسية وباقي مكونات المجتمع التونسي.

سالم أكّد أيضاً أنّ سعيّد يستند إلى برنامج هلامي يستحيل تفعيله، بحديثه عن إحداث علاقة مباشرة مع الشعب، وهو ما يمكن وصفه بالشعبوية التي أفقدته كثيرين من مناصريه، خصوصاً من الطبقة السياسية.

يذكر أنّ سعيّد رفض، منذ أكثر من سنة، مبادرة منظمات وطنية وأحزاب سياسية لإجراء حوار يضمّ كلّ الأطراف، من أجل إيجاد حلول للأزمة السياسية الخانقة التي عاشتها البلاد، وقال حينها إنّ الحوار لن يكون وطنياً إلا إذا تمّ التوصل إلى صيغة تُمكّن الشباب من سائر أنحاء الجمهورية من المشاركة الفعلية في صياغة الحلول والتصورات، وقال أيضاً إنّه يرفض الحوار إلا مع الصادقين.

"خبز وماء، ولا عودة للوراء"

وأكّد سعيّد، في كلمة شهيرة بالمناسبة؛ أنّه "لا يمكن الحوار مع الخلايا السرطانية"، وأضاف: "خبز وماء، ولا عودة للوراء"، في إشارة لشعار مشهور ردّده المحتجون في 2011 ضدّ الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، حين صدحت حناجرهم بشعار "خبز وماء، وبن علي لا".

اقرأ أيضاً: المرزوقي يدعو إلى العصيان المدني في مواجهة قيس سعيد... تفاصيل

ومنذ 22 أيلول (سبتمبر)، أعلن سعيّد تمديد إجراءاته الاستثنائية في البلاد، بما في ذلك تمديد تعليق عمل البرلمان، فضلاً عن إجراءات استثنائية جديدة وردت في المرسوم 117، وتتمثل في إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وأن يتولى بنفسه السّلطة التّنفيذية بمعاونة حكومة، وهو ما أحدث تغييراً كبيراً، في رؤية طيف واسع من مؤيدي الرجل، سواء على مستوى النخب والأحزاب السياسية، أو على مستوى الشارع التونسي، ودفع أحزاباً عديدة مساندة له إلى التراجع عن موقفها.

ودعت هذه الأحزاب إلى احتجاجات وتشكيل جبهات حزبية، منها: "تنسيقية القوى الديمقراطية"، التي أعلنتها أربعة أحزاب هي كلّ من "التّيار الدّيمقراطي"، و"آفاق تونس"، و"الجمهوري"، و"التّكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" (غير ممثلين برلمانياً).

المحلل السياسي عبد الله العبيدي: ما يعيب سعيّد أنّه بطيء جدّاً باتخاذ القرارات

وإثر إعلان الرئيس لاحقاً عن خريطة طريق تتضمّن تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها واستشارة إلكترونية لتغيير الدستور، تمّ الإعلان عن تشكيل حراك "مواطنون ضدّ الانقلاب" الذي يضمّ شخصيات حقوقية وقانونية وسياسية في تونس، تختلف توجهاتهم الفكرية وتمتزج بين اليمين واليسار.

المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم لـ"حفريات": الرئيس ارتكب خطأ كبيراً بتجاهله كل الطبقة السياسية حتى أنّه رفض الحوار مع داعميه ووصفهم بالاتنهازيين اللاهثين وراء تسويات سياسية

هذه الخطوة التي يعدّها معارضو الرئيس تخلياً عن الدستور أو إلغاءه، وصفها المحلل السياسي عبد الله العبيدي بـ "الضرورية"؛ لأنّ الوضع كان كارثياً والمشهد السياسي كان سيئاً يقوم على صراعات حزبية وخلافات أيديولوجية عطّلت الحياة السياسية ولوّثتها، وهو ما كان يستدعي القيام بإجراءات جريئة تنقذ ما تبقى من مقومات الدولة.

وربط العبيدي، في تصريحه لـ "حفريات"، نجاح سعيّد بنتائج هذه الإجراءات القوية، قبل أن تصبح مظهراً من مظاهر الدكتاتورية والانفراد بالحكم، مشيراً إلى أنّ ما يعيب سعيّد أنّه بطيء جدّاً باتخاذ القرارات وهو ما سيؤخر نتائج قراراته.

اتهامات في كلّ الاتجاهات

ومنذ تقلّد منصب الرئيس لم يكف قيس سعيّد عن توجيه الاتهامات، إما تلميحاً أو بشكل مباشر لكلّ الطبقة السياسية في تونس، سواء في الحكم أو في المعارضة، وللأحزاب التونسية، كما اتّهم نظام حكم البلاد بالتسبّب في مختلف الأزمات، واتّهم أطرافاً لم يسمها بالتخطيط لعمليات اغتيال، واتّهم أطرافاً أخرى غير معلومة بالتخطيط في الغرف المظلمة لنشر الفوضى في البلد.

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يغير موعد الاحتفال بالثورة التونسيّة.. أيّ رسالة أراد توجيهها؟

كما وجه سعيّد سيلاً من الانتقادات للقضاء، متهماً مسؤولين كباراً في الجهاز القضائي بالارتباط بقوى سياسية، وبما وصفه بالعصابات الإجرامية، مشدداً على أنّ من ارتكب جرماً يحاكم كسائر المواطنين.

واتّهم سعيّد أيضاً بعض الأطراف، التي لم يسمّها، بـ "التدخّل في وضع بعض الأشخاص في مواقع حساسة والتكتم على عدد من الحقائق"، مضيفاً أنّ "أحدهم قال إنّه لن يعطي الملفات المتعلقة بالاغتيالات والسرقة والاستيلاء على المال العام".

وهذه ليست المرّة الأولى التي يتهم فيها سعيّد أطرافاً بالفساد، فقد سبق أن اتّهم الطبقة السياسية كاملة بالفساد.

أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي: خطاب الرئيس يقوم دائماً على ضميريْ "هم" و "نحن"، وهو خطاب يكرّس تقسيم المجتمع

وكان الرئيس قد اتهم أطرافاً سياسية مرجعيتها دينية متطرفة بالسعي لتدبير ما وصفه بمحاولات يائسة تصل حدّ التفكير في الاغتيال، واتّهم الأطراف نفسها بمحاولة جلب مرتزقة من الخارج بهدف إرباكه ودفعه إلى التراجع عمّا هو ماضٍ فيه "لإصلاح المسار".

سعيّد أثار الجدل أيضاً لدى اتهامه الأحزاب التي دعمته وتراجعت؛ بأنّها كانت تسعى وراء حقائب وزارية فقط، ولم تدعم الأفكار.

وقال الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض، عصام الشابي، لـ "حفريات"؛ إنّ الرئيس قيس سعيّد احترف الأخطاء؛ إذ لا تكاد تخلو كلّ خطاباته وتصريحاته من الأخطاء، التي ضيّق بها على نفسه، وصعّب خروج البلد من أزماتها.

وأكّد الشابي أنّ خطاب الرئيس يقوم دائماً على ضميريْ "هم" و "نحن"، وهو خطاب يكرّس تقسيم المجتمع، ويحرّض على الفتنة بين الشعب الواحد، بحسب تقديره.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية