تونس: هل تنجح الوساطة بين الغنوشي وقيس سعيد في حلحلة الأزمة؟

تونس: هل تنجح الوساطة بين الغنوشي وقيس سعيد في حلحلة الأزمة؟


23/06/2021

في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ أي قبل نحو عام ونصف العام، احتل مستشار رئيس البرلمان والقيادي وعضو مجلس شورى حركة النهضة، السياسي والمفكر التونسي لطفي زيتون المشهد في تونس، بقرار الاستقالة عن المناصب القيادية في الحركة، ما منح التأويلات حول تهاوي الحركة ومؤشرات الخلافات الداخلية العاصفة تعزيزاً. 

وبالفعل لم تقف الاستقالات عند زيتون، وإن كانت استقالته كسبت الدلالة الأبرز، فالصديق المقرب من الغنوشي ينقلب عليه ويعتزل، في ظل ما بدا له من انحراف أو تغليب لأهل الثقة، وهي التفسيرات التي دارت حول الاستقالة دون أن يفصح عنها زيتون صراحة. 

 

عاد زيتون ليتصدر المشهد التونسي من جديد، لكن في ظل كثير من المتغيرات، حيث ساحة سياسية متأزمة، ومشهد يشله الجمود منذ شهور

 

ولم يُدلِ زيتون، الذي انزوى عن المشهد بعدها، سوى بنصيحة للغنوشي لتجنب مصير الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، حين قال خلال حوار لصحيفة الشارع المغاربي في كانون الثاني (يناير) الماضي: ألا يتعرّض للمواقف نفسها؟ ألا يكون في مواجهة غضب شعبي؟ أن يأخذ كل الإجراءات ويعود لإعلاء قيمة التوافق، يحاول أن يجمّع (بمعنى أن يكون قوة تجميع) وليس طرفاً في الصراع، النهضة تحولت أو رئيسها من طرف تجميع إلى طرف في الصراع، يجب قراءة النبض الشعبي بشكل دقيق، ألا تكون في انفصام مع الشعب، مشكل البلاد عميق جداً.

استدعاء زيتون 

ومؤخراً، عاد زيتون ليتصدر المشهد التونسي من جديد، لكن في ظل كثير من المتغيرات، حيث ساحة سياسية متأزمة، ومشهد يشله الجمود منذ شهور، وأوضاع اقتصادية وبطالة ومطالب شعبية تتزايد، وغضب في الشارع يظهر من حين إلى آخر مطلقاً تحذيرات بانفجار قد يحدث في أي وقت. 

 السياسي والمفكر التونسي لطفي زيتون

كانت البداية باجتماع الرئيس التونسي مع زيتون منفرداً في قصر قرطاج، في لقاء يبدو أنه استغرق وقتاً ليس بالقليل، وما أذيع منه لم يتجاوز الـ8 دقائق، ظهر خلالها الرئيس التونسي مستعرضاً الموقف المتأزم، ورؤيته لضرورة إجراء تغيرات تتجاوز الحوار الوطني على طريقة "المكلمة"، وإن لم يكن أشار إليها على تلك الصيغة، لكنه قال إنه سبق أن دعا إلى حوار وطني حقيقي ليس كسابقيه، ورؤيته أنّ النظام السياسي الحالي ليس الأنسب لتونس، فما كان سوى اتهامات بعدم الوطنية، حتى وهو يدعو إلى "حوار وطني". 

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يستقبل قيادياً سابقاً في حركة النهضة... وهذا ما قاله

اللقاء يدعم ما يرغب الرئيس في تحقيقه من إجراء استفتاء شعبي على تغيير النظام السياسي المختلط الذي أدخل البلاد في أزمة وجمود في ظل الصراع بين رئيس الجمهورية من جهة، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، من جهة أخرى. 

 

رحّب الغنوشي بترتيب اللقاء المقترح حرصاً منه على الوفاء لقناعته الثابتة أنه لا سبيل لحل مشكلات البلاد إلا عن طريق الحوار بحثاً عن توافقات

 

وقد سبق ذلك اللقاء تصريح من رئيس الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، بأنّ الرئيس قيس سعيد اقترح أثناء لقائه به في القصر الرئاسي لترتيب الحوار الوطني، بعودة العمل بدستور 1959 مع إدخال تنقيحات عليه، ومن ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي، وأنّ طرح الرئيس لهذا المقترح يأتي في ظل فشل النظام السياسي الحالي طيلة عقد كامل وتعطل مؤسسات الحكم، بحسب ما نقله موقع "ميدل إيست أون لاين". 

اقرأ أيضاً: التسريبات الأخلاقية تعمّق جراح التونسيين

أمّا المؤشر الثاني اللافت خلال اللقاء، فهو تصريح الرئيس التونسي بأنه لا يمنح صكوك الوطنية أو يمنعها عن أحد.

وعقب اللقاء، جاءت الإجابة سريعة من حركة النهضة، سواء فيما يتعلق باقتراح الرئيس حول العودة إلى العمل بدستور 1959، ما يعني العودة إلى العمل بالنظام الرئاسي، ثم نبأ آخر باجتماع الغنوشي مع زيتون الذي كان بالأمس مجتمعاً مع الرئيس. 

وحول الدستور، قال الغنوشي في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية: إنه لن يكون هناك مجال "للعودة إلى الوراء"، رافضاً العودة إلى العمل بدستور ما قبل الثورة لحلحلة الأزمة السياسية والدستورية التي تعصف بمؤسسات الحكم.

وأضاف الغنوشي: إنّ "الشعوب والدول والأجيال تتقدم إلى الأمام، ولا تلتفت إلى الوراء"، في إشارة إلى دستور تونس الذي صدر في الأعوام الأولى بعد الاستقلال عام 1959، واستمر العمل به حتى ثورة 2011. 

اقرأ أيضاً: هل تتجه تونس لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة؟

وفيما يتعلق باللقاء الذي جمع الغنوشي وزيتون، قالت الصفحة الرسمية للغنوشي على فيسبوك: إنّ زيتون اقترح لقاءً بين رئيس البرلمان وبين رئيس الدولة للتداول حول أوضاع البلاد الصعبة.

ومن جانبه، رحّب الغنوشي بترتيب اللقاء المقترح حرصاً منه على الوفاء لقناعته الثابتة أنه لا سبيل لحل مشكلات البلاد إلا عن طريق الحوار بحثاً عن توافقات.

ولم تعلن حركة النهضة أو الرئاسة عمّا حمله أو أوصله زيتون بين الطرفين، غير أنّ وجود شخصية تستطيع لعب ذلك الدور في ظل الأجواء المتأزمة، خصوصاً بما تملكه من رصيد لدى النهضة، ورصيد ثقة لدى الطرف الآخر بالاستقالة، قد تنجح في الوصول إلى صيغة ما للأزمة، سواء بالتضحية بالحكومة، أو اللجوء إلى استفتاء شعبي لتغيير النظام الرئاسي في تونس، أو مجرد التهدئة وقبول الرئيس بالتعديل الوزاري الذي انفجرت بسببه الأزمة في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعد إجراء تعديلات ما أو تغيير في الأسماء محل اعتراض الرئيس. 

من هو لطفي زيتون؟ 

ولد لطفي زيتون في 13 آب (أغسطس) 1964 بتونس، وهو إعلامي وباحث متخصّص في السياسة والتاريخ، ومتزوج من منجية العبيدي، رئيسة منظمة "نساء ضد التعذيب"، ولهما 3 أبناء وبنتان.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يبحث عن مخرج لأزمة البلاد.. ماذا قال؟

وبحسب موقع "تونس اليوم"، فإنه زاول أول تعليمه الابتدائي بمدرسة سيدي علي عزوز، ثم بالمعهد الفني بتونس، لكن الاعتقالات التي تعرّض إليها حالت دون استكمال دراسته الجامعية في تونس، فقد اعتقل مرّة أولى على إثر الأحداث التي تلت اغتيال الطالب عثمان بن محمود في 1986، ثم سجن مرّة ثانية من عام 1987 إلى عام 1989، ثم انقطع مرّة أخرى أواخر عام 1990 بسبب الحملة التي شنها نظام الرئيس السابق "زين العابدين بن علي" على ناشطي حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة).

بدأ رحلة المنفى في كانون الأول (ديسمبر) 1990 في الجزائر، وقد عمل هناك مراسلاً لبعض الصحف العربية، لكن بعد تصاعد الضغوط التونسية على السلطات الجزائرية من أجل تسليمه هو ورفاقه غادر إلى بريطانيا في 20 آذار (مارس) 1992 حيث واصل عمله الصحفي، وتحصل على دبلوم اللغة الإنجليزية، والتحق بالجامعة من جديد فتحصل على بكالوريوس الحوكمة والتاريخ السياسي من جامعة شرق لندن، ثم تحصل على الماجستير في نظريات العلاقات الدولية من جامعة كانتربري ببريطانيا.

شغل موقع مدير مكتب رئيس حركة النهضة من عام 1993 إلى غاية 2006، وكان عضواً في المكتب الإعلامي والسياسي للحركة بالمهجر خلال التسعينيات.

في عام 2000 التحق بالمكتب التنفيذي ومجلس الشورى لحركة النهضة في المهجر، وشغل منصب رئيس تحرير مشارك لفصلية "مراصد" التاريخية.

وتقلد منذ عام 2006 منصب نائب ورئيس تحرير قناة "الحوار" الفضائية اللندنية، وعضو مؤسس في مركز تونس للدراسات الاستشرافية، وعضو الاتحاد الوطني للصحفيين في بريطانيا، ورئيس مؤسسة "شهداء تونس" للمشاريع الخيرية والتنموية (تحت التأسيس).


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية