بعد عملية الواحات: "أنصار الإسلام"... مصر تواجه اتحاد منظمات إرهابية

الإرهاب

بعد عملية الواحات: "أنصار الإسلام"... مصر تواجه اتحاد منظمات إرهابية


04/11/2017

طالما اعتادت أفرع تنظيم القاعدة وخلاياها لعبة المسميات التنظيمية، فلا تستقر على واحد معين، فتشغل المراقبين في كل مرة عن حقيقة هذا التنظيم أو ذاك، ولمن ينتمي أو يتبع؛ إذ إنّ التنظيمات السلفية الجهادية المتطرفة، لا تعتبر المسميات التي تخلعها على نفسها من آنٍ لآخر، أصلاً من أصولها العقدية، أو هدفاً في حد ذاته تسعى للتمسك به، وهي في ذلك تختلف عن تنظيميات إسلاموية أخرى، تعتبر المسمى جزءاً لا يتجزأ من كيانها المعنوي.
وما إن أعلنت جماعة تطلق على نفسها "أنصار الإسلام" عن تبنيها لهجوم الواحات الدموي، غربي القاهرة الكبرى في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، حتى بدأت التساؤلات حول حقيقة التنظيم الجديد، وعلاقته بقطبي الإرهاب "داعش- القاعدة"، بعد أن أشارت مصادر أمنية مصرية بأصابع الاتهام لتنظيم "المرابطون" الذي يقوده هشام عشماوي، الضابط السابق في سلاح الصاعقة، الذي قُتل رفيقه عماد الدين عبدالحميد، في العملية الأخيرة التي قامت بها القوات الأمنية، في الصحراء الغربية.

 ظهرت في عملية الواحات الأخيرة البصمات الأيدولوجية للقاعدة التي رفض عناصرها القضاء على الجنود والاكتفاء بتعجيزهم وقتل ضباط الأمن الوطني

مسمى التنظيم الجديد يخرجه عن احتمالية ولائه لــ"داعش"، فالأخير لا يطلق مسمى "أنصار" على أفرعه وخلاياه، بعد إعلانه خلافته المزعومة في منتصف العام 2014، فيلتزم فرعها المبايع بمسمي "الولاية"، أما خلاياه فتُوصف بـــ"جنود الخلافة"، فيما تستخدم أفرع القاعدة مسمى "التنظيم الأم" تبعاً لمكان وجوده، مع اجترار المسميات التاريخية "القاعدة في بلاد الرافدين، القاعدة في خراسان... إلخ"، أما كتائبها وخلاياها فتستخدم مسميات "النصرة، المرابطون، الطلائع..".
وظهرت في عملية الواحات الأخيرة، البصمات الأيدولوجية للقاعدة، التي رفض عناصرها القضاء على الجنود، والاكتفاء بتعجيزهم، وقتل ضباط الأمن الوطني، تأسيساً على قاعدة "العذر بالجهل" التي تنطبق على الجنود في حال القدرة عليهم، ولا تنطبق على الضباط، وخاصة المنتمين منهم للأجهزة الأمنية رفيعة المستوى، وهو ما لا يتماشى مع الأحكام الفقهية التي تتبناها "داعش"، بل تتوافق مع استراتيجية خلق البيئة الحاضنة التي استخدمتها القاعدة في اليمن على وجه الخصوص، بإخضاع الجنود المأسورين في القتال لبرامج "استتابة واستمالة"، ثم تطلق سراحهم بعد ذلك.

الاقتراب من القاعدة
تذهب المسؤولية إذن في اتجاه أفرع القاعدة، وتبتعد عن "داعش"، الذي يعلن مباشرة عن عملياته عبر وسائله الإعلامية، وهو ما لم يتحقق هذه المرة، كما تبتعد عن التنظيمات المنبثقة عن جماعة الإخوان، التي لا ترقي عملياتها إلى تأسيس مجموعة "مليشياوية" كالتي ظهرت في الواحات.
في مطلع العام 2017 أعلنت كبريات التنظيمات الإسلامية المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى، ودول الساحل الأفريقي عن حركة جديدة تحمل اسم "جماعة أنصار الإسلام والمسلمين".. ويضم التنظيم الجديد جماعة أنصار الدين، وإمارة الصحراء الكبرى (6 كتائب تابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي)، وكتيبة المرابطون، وكتائب ماسنا.
أعلنت هذه التنظيميات المندمجة أنّ قادتها بايعوا أمير جماعة أنصار الدين، إياد آغ غالي، أميراً للتنظيم الجديد، ثم أعلن الأخير مبايعته لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو مصعب عبد الودود.

كان الارتباط الفعلي لتنظيمات القاعدة المحلية في مصر بنظيرتها في شمال إفريقيا وليس في الشام كما ظن الكثيرون

وتم الإعلان عن الخطوة الجديدة في اجتماع حضره غالي وأمير منطقة الصحراء يحيى أبو الهمام، وأمير كتائب ماسينا محمدو كوفا، ونائب أمير "المربطون" الحسن الأنصاري، وقاضي منطقة الصحراء أبو عبد الرحمن الصنهاجي.
وكانت هذه التنظيمات الإرهابية الناشطة في شمال مالي حاولت الاندماج لمواجهة التدخل الفرنسي ضد هذه الجماعات مطلع العام 2013، لكن خلافات قادتها وأدت مشروع الاندماج واقتصر التعاون على التحضير للعمليات العسكرية وتنفيذها.
فهل تنظيم "أنصار الإسلام" هو نفسه المعلن عنه في منطقة "الساحل والصحراء"، أم هو مسمى جديد لتنظيم "المرابطون" الذي يقوده هشام عشماوي، قصد به المناورة على الأجهزة الأمنية والإعلامية؟ وما علاقة "مرابطي عشماوي" بــ"مرابطي بلمختار".
 

تنظيمات الشبكة الواحدة
بعد اندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 وتهاوي الأجهزة الأمنية، تركزت أنظار المراقبين على الحدود الشرقية المصرية حيث الخطر الداهم الذي طالما هدد الأمن القومي للبلاد، لكن كان ثمة خطراً آخر كان قادماً من البوابة الغربية، حيث الحدود المصرية الليبية، وما وراءها من بلاد الساحل الأفريقي، وكان لافتاً أن يقف أمير كتيبة "المرابطون" الموالية للقاعدة "مختار بلمختار" ليوجه خطاباً إلى المسلمين من المحيط إلى النيل في إشارة واضحة، إلا أن القاهرة تقع ضمن ولاية تنظيمه الذى يتمركز نشاطه في الساحل الإفريقي، الذى ضم مصريين نفذوا عمليات انتحارية ضد القوات النيجرية والفرنسية على أراضي النيجر.
كان الارتباط الفعلي لتنظيمات القاعدة المحلية في مصر بنظيرتها في شمال إفريقيا وليس في الشام كما ظن الكثيرون، فالقاعدة اعتبرت مصر أحد قطاعات شمال إفريقيا الذى قسمه التنظيم إلى ما يربو على 7 قطاعات.
- حضر العنصر التكفيري المصري في التنظيمات الموالية للقاعدة في شمال إفريقيا بقوة وخاض معارك لم تقتصر على ليبيا فقط، بل امتدت بعد ذلك للمشاركة في الحرب ضد القوات المالية والفرنسية في إقليم أزواد مع الفصائل المسلحة الأخرى مثل؛ أنصار الدين، والقاعدة في بلاد المغرب، والسرايا التابعة لها والمنتشرة في غرب وشمال إفريقيا، وبعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي ذهبت القاعدة لحجز مكان لها على خريطة الميليشيات المسلحة التي تنامت بقوة إثر ذلك.
وظهرت أنصار الشريعة الليبية بارتباطها بنظيرتها التونسية واتخاذها من ليبيا معقلاً لقياداتها، وتقديمها للدعم اللوجستي للتنظيمات الإرهابية المصرية، وبعد ظهور "داعش" دبت الصراعات بين ما تبقى من قادة القاعدة وأفرعها حول إمكانية مبايعة التنظيم الآخذ في الصعود حينها والأكثر دموية وتكفيراً.
 

بصمات عشماوي
بصمات "المرابطون" التابع للقاعدة، ظهرت جلية عندما استهدف مصالح الدول التي تعد خصومه التقليديين في الساحل الإفريقي، فبعد أن وقعت حادثة تفجير القنصلية الإيطالية بمصر في 11 تموز (يوليو) 2015، فالمرجح هو قيام هذا التنظيم بتنفيذ العملية بحكم نشاطه في شمال إفريقيا وليبيا على وجه الخصوص، ويتزعم فرعه المصري عشماوي، ويأتي استهداف القنصلية الإيطالية، وفق هذا التحليل، للعداء المرير بين إيطاليا وتنظيمات الشمال الإفريقي خاصة في ليبيا، حيث تعتبر تلك التنظيمات "روما" عدوها اللدود الذى يسعى للقضاء عليها عبر دعم خصومها لوجستياً أو بالقيام بعمليات مباشرة تستهدف قادتها ومعسكراتها.
وبعد استهداف القنصلية الإيطالية بالقاهرة، تباينت التحليلات حول مغزى استهدافها تحديداً دون غيرها، ليأتي الهجوم المسلح على سفارة النيجر بعد 18 يوماً ويؤكد وجود خطة استراتيجية تتبعها تلك التنظيمات؛ فالأرجح أن الجهة المنفذة مرتبطة بالتنظيمات التكفيرية في شمال إفريقيا، التي تمتلك رصيداً من العداء والكراهية مع حكومات شمال إفريقيا، ومنها: النيجر وتشاد ومالي والدول الغربية المتحالفة معها، خاصة إيطاليا وفرنسا.

كان هشام عشماوي زعيم "المرابطون" المصرية انضم للقوات المسلحة المصرية في التسعينيات وفي ١٩٩٦ التحق بالقوات الخاصة "الصاعقة" لكنه ما لبث أن وقع في وحل الأفكار التكفيرية

لم تكتشف الأجهزة المصرية أمر الضابط هشام علي عشماوي إلا متأخراً، فقد كان عنصراً حاضراً بقوة في خلية مدينة نصر، وعضواً في شبكة الجمال، إلا أنه لم يكن معروفاً حتى لأعضاء خليته بعد استخدامه لعشرات من الأسماء الحركية، وكان عشماوي انضم إلى القوات المسلحة في منتصف التسعينيات، وفي ١٩٩٦ التحق بالقوات الخاصة "الصاعقة" وظل في الخدمة حتى استبعاده مطلع العام 2012 بعد أن وقع في وحل الأفكار التكفيرية.
بعد مشاركته في حرب القذافي وارتباطه بقادة القاعدة في شمال إفريقيا، تحول عشماوي إلى سورية للمشاركة في الحرب هناك، إلا أن اندلاع ثورة ٣٠ حزيران (يونيو) 2013، والإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسى، دفعته للعودة إلى القاهرة مجدداً والتنسيق مع قادة جماعة أنصار بيت المقدس بسيناء.
تولى عشماوى عملية رصد تحركات وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد إبراهيم لمحاولة اغتياله في أيلول (سبتمبر) 2013 بالاشتراك مع عماد الدين أحمد، الذى أعد العبوات المتفجرة بالاشتراك مع منفذ العملية العائد من سورية وليد بدر، كما شارك في مذبحة كمين الفرافرة، في ١٩ تموز (يوليو) ٢٠١٤، وهي العملية التي استشهد فيها ٢٢ مجنداً، ومذبحة العريش الثالثة، في شباط (فبراير) ٢٠١٥، التي استهدفت الكتيبة ١٠١، واستشهد فيها ٢٩ عنصراً من القوات المسلحة، كما اشترك في التدريب والتخطيط لعملية اقتحام الكتيبة العسكرية "103 صاعقة" في تموز (يوليو) 2017.

المرابطون الأوائل
يحتل مسمى "المرابطون" حيزاً في عقل ووجدان الجماعات التكفيرية التي نشأت في شمال إفريقيا منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، فتلك التنظيمات اعتادت إحياء مصطلحات من دفاتر التاريخ الإسلامي، لتعيد إطلاقها على كياناتها للإيحاء بأنهم امتداد للمسلمين الأوائل الذين استطاعوا فتح البلاد وإقامة دول لهم استمرت حيناً من الدهر ثم تلاشت.
فالجماعات التكفيرية في شمال إفريقيا وحدها تحتكر مسمى "المرابطون" فتطلقها على كتائبها حيناً أو على عملياتها أحيانا أخرى، ولذا عندما أطلق هشام عشماوي على تنظيمه هذا المسمى لم يكن ذلك مصادفة، فليس من المنطقي أن يتسمى تنظيمان تابعان للقاعدة في قطاع جغرافي واحد "الشمال الإفريقي" بمسمى واحد، خاصة إذا أضفنا أن عشماوي نفسه انضم لتنظيم "المرابطون" بقيادة مختار بلمختار، بعد أن شارك في الحرب ضد معمر القذافي، وقام بعمليات تدريب لعناصره، ثم قام بشن عملياته ضد الدولة المصرية منطلقاً من الحدود الغربية وبمساندة ميليشيات ليبية ذات صلات وطيدة بالقاعدة مثل ميليشيا راف الله السحاتي وأنصار الشريعة وغرفة الثوار.
لا شك أن أول تسجيل لعشماوي تحت اسم أبو عمر المهاجر في تموز (يوليو) 2015 الذي أظهر فيه أيمن الظواهري وهو يتحدث عن حرب اللسان والسنان، انعكاس للصراع المكتوم بين القاعدة وداعش في شمال إفريقيا، فعشماوي أراد أن يوجه ضربة لتنظيم داعش الذى استطاع في فترة قصيرة شق عصا التنظيمات التابعة للقاعدة جميعها فبات يملك تنظيم جند الخلافة في الجزائر وأنصار الدولة الإسلامية في ليبيا والتوحيد الجهاد في مالي وأنصار الخلافة في تونس؛ إذ إن انحياز "بيت المقدس" لأبو بكر البغدادي ومبايعة "داعش" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 أغضب عشماوي الذي ظل على ولائه للظواهري والقاعدة في الشمال الإفريقي فقرر الانفصال ثم ظهر بعد ذلك بكونه أميراً لجماعة "المرابطون"؛ أي إنّ تنظيم "المرابطون" الذي كان يعد نفسه للانتشار في الصحراء لبداية شن هجمات شرسة على الدولة المصرية، هو المسؤول عن عملية الواحات، لكن الذي تبنى هو اتحاد المنظمات الإرهابية الذي يحمل اسم "أنصار الإسلام".

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية