بعد شهادة محمد حسين يعقوب.. هل مهّد الفكر السلفي لنهج الإرهاب؟

بعد شهادة محمد حسين يعقوب.. هل مهّد الفكر السلفي لنهج الإرهاب؟


17/06/2021

تباينت ردود الأفعال على شهادة الشيخ الداعية السلفي محمد حسين يعقوب مؤخراً في قضية "داعش إمبابة"، ولم ينقطع الجدل حولها ما بين مؤيد ومعارض؛ فالعديد من أتباعه اعتبروا شهادته تنفي التطرف عن الفكر السلفي، واعترافه بالحاكم المتغلب، وعدم الدعوة للخروج عليه، أما معارضوه فقد رأوا في مراوغته وتحايله على الأسئلة بمثابة إثبات تطرفه الذي لا جدال فيه، وأنّ دور المنهج السلفي في تأهيل المجتمع لتقبل الفكر المتطرف والإرهابي، أخطر من الإرهابيين أنفسهم، على وجه الخصوص بعد اعترافات متهمين، أنهم ارتكبوا جرائمهم تحت تأثير خطب دعاة السلفية. أما الإخوان فكانوا كما متوقع بدوا شامتين في الرجل لأنّه لم ينضم إليهم فيما بعد 30 حزيران (يونيو) 2013.

 المنهج السلفي لا يعترف بالدولة الوطنية القُطرية ولا ما يترتب عليها من قضايا كالمواطنة والهوية والحدود

هذه الشهادة يمكن أن تكون فرصة حقيقية لإلقاء الضوء على حقيقة المنهج السلفي وما خلفه من أفكار وما تبعه من صناعة خطاب يخدم الفكر والمنهج، وهل كان المنهج السلفي رافعاً للمجتمع وحامياً له من التطرف، أم كان مرحلة تجهيزية لنشر هذا الفكر؟

للأسف حال بين الاستفادة من تلك اللحظة المكايدة السياسية، فشهادة الرجل في المحكمة ستعد وثيقة مثبتة للأجيال التالية، فحرص كل طرف أن يضمها لصالحه، وبين الشد والجذب والدخول في معارك جانبية ليست في صلب الموضوع، بدا أنّ الفرصة لخلق حوار مجتمعي ناضج حول الفكر السلفي في مصر تكاد أن تضيع، لذا كان من الواجب طرح بعض الحقائق عن طبيعة المنهج السلفي في مصر.

تباينت ردود الأفعال على شهادة الشيخ الداعية السلفي محمد حسين يعقوب في قضية داعش إمبابة

قد يبدو للوهلة الأولى أنّ المنهج السلفي هادئ ودعوي، يتوافق مع أركان الدولة ومؤسساتها، ولا يحمل السلاح، غير أنّ بالفحص والتدقيق نكتشف أنه يقدم خطاباً تحريضياً، ويؤجج غضب العوام من الدولة المدنية وإعلان معاداتها، باعتبارها نقيضاً للدولة الإسلامية المنشودة، كما يجهز المنهج السلفي المجتمع لتكفير الآخر تحت لافتة الولاء والبراء، إنهم يقومون بمهمة لا تقل خطورة عن القتل المباشر، فالترويج للعنف والتطرف بالكلمات أخطر بمراحل من إطلاق الرصاص.

اقرأ أيضاً: شهادة الداعية المصري محمد يعقوب أمام المحكمة: هروب أم تحولات في موقفه؟

يمتلك المنهج السلفي مجموعة من الخصائص، فهو ماضوي يعادي الحاضر والمستقبل، يرى أنّ الماضي أفضل من الحاضر وأنّ الأجيال الأولى ( الثلاثمائة الأولى في تاريخ الإسلام) هم أفضل أجيال الإسلام على الإطلاق، وأن طريقتهم وأدواتهم في الحياة، وفي استنباط الأحكام، هي الأصوب على الإطلاق.

يرى البعض أنّ المنهج السلفي مهّد لتقبل الفكر المتطرف مع اعترافات متهمين بارتكاب جرائمهم تحت تأثير خطبائه

ويؤمن أصحاب هذا المنهج أنّ الواقع المعيش مفارق للشريعة الإسلامية وبعيد عن روح الإسلام وتعاليمه، كما يؤمنون أيضاً أنّ النقل مقدم على العقل، وعلى المسلمين اتباع الأوائل لقول ابن تيمية "ومن عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئاً في ذلك، بل كان مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤه"، لهذا يقدس السلفيون التراث ولا يحترمون أي طرح إسلامي معاصر لقضايا المسلمين، ويمكننا القول إنّ المنهج الذي يقوم على هذا الفكر يصنع منظوراً قاتماً لرؤية الواقع، ويميل للتشدد الذي هو بداية التطرف والإرهاب.

لا يكتفي المنهج السلفي بوضع منظور متشدد متطرف معادٍ للحداثة والمعاصرة، بل يرسم طريقاً إلى المجتمع المسلم المتخيل عبر جعل فكرة الاتباع أي "محاكاة الأوائل" في العقيدة وفي السلوك وفي العبادة، هي طوق النجاة وطريق الخلاص، فانشغلوا بترسيخ ما توهموا أنه العقيدة السليمة، وعملوا على ما ظنوا أنّه تطهير من الشِّركيات، وتوسعوا في تحديد الشركيات حتى كاد أن يخرجوا عموم المسلمين من الإسلام، وركّزوا على الدعوة للهدي الظاهر (أي الزي والملبس) باعتبار أن ما يرتديه المسلمون اليوم "رجالاً ونساءً" شكل من أشكال البعد عن الإسلام ومضمونه، فصنعوا نموذجاً شكلياً للتدين، على المسلم والمسلمة اتباعه، وأي خروج عنه يعد خروجاً عن الإسلام، ثم كرّسوا جهودهم نحو المزيد من التشدد الفقهي في العبادة والنسك، مثل إطالة زمن الصلاة، أو كثرة عدد ركعات القيام، التوسع في مبطلات الصلاة والتوسع في مبطلات الصيام، فعطلوا  العمليات العقلية العليا، وحرموا المسلمين من تدبر الآيات القرآنية واكتشاف أسرارها التي لا تنقضي عجائبها.

 شهادة يعقوب يمكن أن تكون فرصة حقيقية لإلقاء الضوء على حقيقة المنهج السلفي وما خلفه من أفكار

أثمر منهج التشدد والجمود الفكري العديد من الخسائر المجتمعية، مثل تجريف العقل العربي والمسلم وإقامة حواجز بينه وبين واقعه، تجعله لا يشعر أنه يحيا حياة إسلامية حقيقية، وتشعره دائماً أنّه عاصٍ وعليه أن يكفّر عن معصيته، فالدولة التي يعيش فيها ليست مسلمة، ويتعامل مع حكومة غير مسلمة ومجتمع غير مسلم، أو على الأقل ليس مسلماً كما ينبغي، فالمنهج السلفي لا يعترف بالدولة الوطنية القُطرية، ولا ما يترتب عليها من قضايا كالمواطنة والهوية والحدود الجغرافية للوطن، فهو ينتظر الدولة الإسلامية العالمية ويمهد لها بخطابه الدعوي، وتحت الحفاظ على العقيدة حرم النشيد الوطني وتحية العلم وعدها من الشركيات، ولا يعترف بالدستور ولا بالقانون بزعم أنه قانون وضعي، ويعتبر أنّ الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة كافر ظالم أو فاسق، والشريعة في نظر المنهج السلفي تطبيق الحدود بقطع يد السارق وجلد الزاني غير المحصن ورجم الزاني والزانية المحصنين، وبالتالي لا يعترف بمؤسسات الدولة التشريعية مثل البرلمان والانتخابات التي تؤدي إليه ولا بتداول السلطة ولا بالأحزاب، ويمهّد لصنع طبقة من الشيوخ والوعاظ يكون لهم الحل والعقد وإدارة الدولة باعتبارهم المرجعية الدينية لأي قرار عام أو خاص.

هذه هي أفكار المنهج السلفي، وهي أول مرحلة في دورة حياة الأفكار الإرهابية، فحتى يخرج الإرهابي على الدولة ومؤسساتها ويحاربها، كان على المنهج السلفي الترويج أنّ المجتمعات لم تعد إسلامية، وأنّها ضد مراد الله، وحتى يستحل الإرهابي دماء الآخرين عليه أن يخرجهم من الإسلام، فتكفل المنهج السلفي بذلك فتوسع في الشركيات واتهام الآخرين في عقيدتهم لأتفه الأسباب، ومن أجل نشر فكرة الحاكمية قام المنهج السلفي بالترويج لفكرة غياب الحكم الإسلامي، وأنّ التشريع وضعي لا يتفق مع الكتاب والسنة، وأنّ أي ملاحقة للإسلاميين هي حرب على الله وعلى الاسلام، وإن غير الإسلاميين يحقدون على الإسلاميين، ويحيكون المؤامرات ضدهم، وأنّ على المسلم الغيور على دينه والذي يحب أن يرضى الله عنه أن ينحاز للفئة المؤمنة.

 يبدو للوهلة الأولى أنّ المنهج السلفي هادئ ودعوي يتوافق مع أركان الدولة ومؤسساتها

في النهاية وبعد أن يتشرب الشاب الفكر والمنهج السلفي، يجد نفسه في موقف يلزمه أن يكون صادقاً مع ما يؤمن به (أي بكل ما زرعه فيه شيوخه)، وأن يحدد انحيازاته أو قل لمن يعطي ولاءه ولمن يعلن براءته منه، هل لجيش الطاغوت (القوات المسلحة) التي تتبع الحاكم الكافر أو الظالم أو الفاسق لأنّه لم يحكم بالشريعة، أم ينحاز ويوالي من يرفع راية لا إله إلا الله، عند هذه النقطة يغادر الشاب المدرسة السلفية بعدما أصبح مؤهلاً لحمل الفكر التكفيري، وتنفيذ أي عملية ضد الأبرياء معصومي الدماء أو ضد الوطن.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية