يعتبر *التيار القطبي* أحد أكثر التيارات تأثيرًا وإثارة للجدل داخل جماعة الإخوان المسلمين. هذا التيار الذي نُسب إلى *سيد قطب*، المنظّر الإسلامي البارز الذي ترك بصمة كبيرة على فكر الجماعة، لا يزال يمثل نقطة تحول في تاريخ الجماعة من حركة دعوية إصلاحية إلى حركة تجمع بين العمل السياسي وتبني أفكار متشددة.
وُلد *سيد قطب* في مصر عام 1906، وبدأ حياته كناقد أدبي قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأربعينيات. بعد تعرضه للاعتقال في عهد الرئيس *جمال عبد الناصر، كتب قطب أشهر مؤلفاته مثل *"معالم في الطريق"* و"في ظلال القرآن". تميزت كتاباته برؤية متشددة تُركز على مفهوم **الجهاد* ورفض "الجاهلية الحديثة"، وهي الفكرة التي أدت إلى تصاعد التطرف الفكري في الجماعة.
تبنى التيار القطبي داخل جماعة الإخوان عدة أفكار أساسية جعلته يتميز عن التيارات الأخرى، وأبرزها:
- *الجاهلية الحديثة*: يرى سيد قطب أن المجتمعات الإسلامية المعاصرة تعيش في "جاهلية" تشبه جاهلية ما قبل الإسلام، بسبب بعد المسلمين عن تطبيق الشريعة بشكل كامل. هذه الرؤية تؤكد أن الأنظمة الحاكمة غير شرعية ويجب تغييرها.
- *التكفير*: رغم أن سيد قطب لم يستخدم لفظ التكفير بشكل صريح، إلا أن أفكاره اعتُبرت أساسًا لفكرة تكفير المجتمعات التي لا تطبق الشريعة. هذا التأصيل الفكري فتح الباب أمام الحركات الجهادية التي رأت أن العنف ضد الأنظمة والمجتمعات الموصوفة بالجاهلية هو واجب شرعي.
- *الجهاد والتغيير*: يعتبر التيار القطبي أن الجهاد هو السبيل الوحيد للتغيير، وأن القوة يمكن أن تكون ضرورية لإعادة "الحكم الإسلامي" وتحقيق التغيير المجتمعي.
على الرغم من أن قيادة الإخوان المسلمين لم تتبنَّ بشكل رسمي أفكار سيد قطب المتشددة، إلا أن التيار القطبي أصبح جزءًا لا يتجزأ من الجماعة. بعد إعدام قطب في عام 1966، أصبحت أفكاره مصدر إلهام للعديد من الأعضاء والشباب الذين رأوا فيه شهيدًا لقضية الإسلام.
مع مرور الوقت، انقسمت الجماعة إلى جناحين: الجناح الإصلاحي الذي يتبنى العمل السياسي السلمي، والجناح القطبي الذي يميل إلى التشدد ويرى في التغيير بالقوة ضرورة. أدى هذا الانقسام إلى بروز شخصيات قطبية داخل الجماعة تبنّت أفكارًا أكثر تطرفًا، مما أثر على استراتيجية الجماعة وأدى إلى تباين واضح في الرؤى والتوجهات.
لم تقتصر أفكار سيد قطب على جماعة الإخوان فحسب، بل أثرت بشكل كبير على ظهور *الحركات الجهادية* في العالم الإسلامي. كتب قطب أسست للعديد من الجماعات الجهادية، مثل *القاعدة* و*الجماعة الإسلامية* في مصر، التي اعتمدت على مفهوم الجاهلية والتكفير لتبرير العنف ضد الأنظمة الحاكمة والمجتمعات.
على سبيل المثال، كان *أيمن الظواهري*، زعيم القاعدة السابق، من أشد المتأثرين بأفكار قطب، حيث اعتبر أن إسقاط الأنظمة الحاكمة التي وصفها بـ"الطاغوت" واجب شرعي. هذا الامتداد الفكري للتيار القطبي ساعد في تكوين أيديولوجيا جهادية متشددة تبنت العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها.
واجه التيار القطبي انتقادات كبيرة من داخل وخارج جماعة الإخوان. من داخل الجماعة، رأى بعض القادة والمفكرين أن تبني أفكار قطب المتشددة يتعارض مع المبادئ الأساسية للإخوان، التي تقوم على الدعوة السلمية والإصلاح المجتمعي. أما خارجيًا، فقد اعتُبرت أفكار سيد قطب شرارة لنشوء التيارات التكفيرية والجهادية التي أضرت بسمعة الإسلام وأدت إلى تصاعد العنف والإرهاب في العالم العربي والإسلامي.
من بين الانتقادات التي وُجهت للتيار القطبي أن أفكاره تُسهم في *تقسيم المجتمع* وزيادة التطرف الفكري، مما يعيق تحقيق الوحدة الوطنية ويخلق بيئة من التوتر والصراع.
رغم الضغوط التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين اليوم، يظل التيار القطبي جزءًا من نسيجها الفكري، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل الجماعة واتجاهاتها. التحدي الأكبر الذي يواجه الإخوان هو كيفية الموازنة بين التيار الإصلاحي والتيار القطبي المتشدد، خاصة في ظل الضغوط الخارجية من الحكومات والمجتمعات التي تعتبر الجماعة مصدر تهديد.
إذا استمرت الجماعة في السماح بتأثير التيار القطبي داخلها، فإنها قد تجد نفسها في مواجهة مزيد من *العزلة* والانتقادات، مما يعرقل قدرتها على العمل السياسي والدعوي. وعلى الجانب الآخر، إذا قررت الجماعة نبذ التيار القطبي بشكل صريح، فقد تخسر جزءًا من قاعدتها المؤيدة، مما يزيد من التحديات الداخلية.
يبقى التيار القطبي داخل جماعة الإخوان المسلمين مثالًا حيًا على كيفية تحول الحركات الإسلامية من دعوة سلمية إلى تبني أفكار متشددة تؤثر على الأمن والسلم المجتمعي. أفكار *سيد قطب* لا تزال تثير الجدل وتشكّل مصدر إلهام للتيارات الجهادية، مما يجعل من الضروري مراجعة الفكر الإسلامي وتحليل تأثيره على المجتمعات لتفادي تكرار مآسي الماضي وتجنب انتشار التطرف.