التكوين التربوي للتنظيم الخاص لجماعة الإخوان

التكوين التربوي للتنظيم الخاص لجماعة الإخوان

التكوين التربوي للتنظيم الخاص لجماعة الإخوان


11/05/2025

لم تكن جماعة الإخوان منذ إنشائها عام 1928 حركة سلمية، بل تزامن مع إنشائها تأسيس "النظام الخاص" الذي قصد به وضع بذرة جيش إسلامي موكل إليه القيام بالعمليات المسلحة إن لزم الأمر، في سبيل حماية الجماعة والدفاع عنها وعن أفكارها، وكان الأفراد الذين ينضمون إليه يمرون بمرحلة مهمّة وهي التكوين التربوي ليكون مؤهلًا لأن يكون عضوًا عاملًا به.

أعضاء النظام الخاص... الاختيار والتكوين

شكّل الإخوان مجموعة مكوّنة من محمود عبد الحليم، وصالح عشماوي، وعبد الرحمن السندي، وحسین كمال الدین، وعلام محمد علام، ويُطلق عليهم مُسمّى (المكوِّنين)، وهم متخصصون في العمل التجنيدي واختيار أعضاء النظام الخاص. يقول محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان أحداث صنعت التاريخ": یقابل المكوِّن الشخص (المرشح للانضمام إلى النظام) على انفراد في مكان محدد كمنزل ویكون الضوء مناسبًا، بحیث یكون للمقابلة الأثر المطلوب في نفس الشخص، ویتم التكوین في عدة جلسات؛ الأولى التعارف، والثانیة، روحیة، والثالثة تتم فیھا التوجیھات اللازمة، ثم تكلیف الشخص بكتابة وصیته، ویسلمھا للقائم بالتكوین، وفي الرابعة یتم الاختبار بتكلیف صامت وفي مكانٍ ناءٍ مع تكلیف شخص آخر بمراقبتهن وفي الخامسة یكلف الشخص بعمل له، ويتم تقييمه، وفي حالة النجاح في الاختبار السابق یقدم الشخص للبیعة في القاھرة، وتلزم البیعة عناصر النظام الطاعة للقیادة ولأمراء الجماعات والتذكیر بالميثاق على مواصلة الجهاد.

حسن البنا

وحرصت الجماعة في بداية تأسيس النظام الخاص على أن يكون عبارة عن جیش من ھیئات ثلاث: القیادة، والأركان، والجنود، وتتكون القیادة من مجلس مكوّن من (10) أشخاص، ومھمتھا دراسة طرق التنفیذ لما یصل من خطط صادرة من الأركان، وتنفیذ كل ما ھو ممكن عمله، وإصدار بیانات یشترك فیھا جمیع الأعضاء، وبیان الصعوبات القائمة في طریق تنفیذ ما یراه المجلس غیر قابل للتنفیذ.

وينقسم عناصر النظام الخاص في وقت السلم إلى (3) أنواع؛ الأول یمكن أن یكون بعیدًا عن النشاط الظاھري، وھذا النوع یجب أن ینقطع انقطاعًا تامًا، ویمكن تكلیفه بدراسات أكثر اتساعًا وأعمال أكثر خطورة، والنوع الثاني لا یبتعد عن النشاط الظاھري ویكون معدًا ولا یستخدم أبدًا إلا وقت الحرب العلنیة، ویلاحظ أن یجري تدریبه في حرص تام، والنوع الثالث، ویمكن أن يتشكّل من الناحیة العامة إلى الخاصة.

يوضح محمود الصباغ في كتابه "التنظيم الخاص" أسلوبين من أساليب التجنيد لأعضائه، الأول عند بداية التكوين، وكان الأسلوب المتبع هو أن يرتبط العضو بعبد الرحمن السندي بصفته المسؤول عن إعداد هذا الجيش، وكان أول ما يتعاهد عليه من يكتشف الأخ الصالح للارتباط بهذا الجيش مع العضو الجديد، هو تميز هذا الجيش عن الدعوة العامة بالسرّية الكاملة في أقواله وأفعاله، فلا يصح الحديث في شأنه، إلا مع زميل من أعضائه الذين يتعرف عليهم بوساطة قيادة النظام، وكان أول ما يختبر به جدية العضو الجديد فيما أعلنه من رغبة صادقة في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، وقد تطور، بعد ذلك، أسلوب تجنيد الأعضاء بعد استكمال البناء التنظيمي للنظام الخاص، فأحد أفراد الجيش يرشح شخصًا يرى من روحه من يناسب التجنيد، ثم يرسل الترشيح إلى القيادة العليا، مرفقًا به بيان الأسباب التي دعت الفرد إلى هذا الترشيح مع تقرير شامل عن حالة المرشح الصحية والاجتماعية، وطباعه البارزة، وميوله الحزبية وثقافته، ويذكر أمام كل حالة التفصيلات الخاصة بها، ويكفي الميل لأيّ حزب آخر كي يرفض الترشيح رفضًا باتًا، إذ يجب أن يكون المرشح مؤمنًا تمامًا بصلاحية الدعوة كمبدأ، وأنّه متى توفر هذا الإيمان التام، فإنّه يمكن ضم أيّ شخص، ولو كان ذا عاهة، إذ إنّ لكل عمل ما يناسبه، ومجلس القيادة هو الذي يقبل المرشح أو يرفضه.

تبدأ بعد مرحلة اختيار العضو وعملية الإعداد والاختبار للعضو البيعة في القاهرة، بصحبة باقي أفراد جماعته، ويكون ارتباط أفراد الجماعة لأول مرة وقت البيعة. يقوم رقم (1) بتوصية الأفراد بحق الطاعة لأميرهم بعد البيعة مباشرة، وفي حالة الرسوب في أحد الاختبارات السابقة يلحق الشخص بأسرة، أو ما شابه ذلك من الأعمال العامة، وفي حالة النجاح يعرف الشخص أنّ ما فات كان اختبارًا وقد اجتازه بنجاح، وأنّه الآن في انتظار أوامر حقيقية.

وتبدأ مرحلة التكوين، ويقول محمود الصباغ: "تتكون مرحلة التكوين للعضو الذي تم تجنيده للانضمام إلى النظام الخاص من خطوات أربع، مدة كل منها (15) أسبوعًا، تتضمن الأولى دروساً في المحاسبة وكتابة التقارير، ودراسة السلاح، وطريقة جمع الأخبار، ودروسًا في القرآن الكريم، والإسعافات الأولية، وتدريبًا رياضيًا، وبعد الانتهاء من الدراسة تعقد القيادة امتحانًا في ما ورد فيها، ينقل الناجحون فيه إلى المرحلة الثانية في التكوين، وتشمل دراسة قانونية، ودراسة عملية وتطبيقية في مجال رسم الخرائط وتقدير المسافات ودراسة البوصلة، وبعض التدريبات الرياضية والروحية. ويُجرى امتحان ينتقل من يجتازه إلى المرحلة الثالثة التي تشمل تعليم قيادة الدراجة النارية والسيارة، والإسعاف وتدريبات رياضية، إضافة إلى دراسة منطقة معينة في القاهرة والأقاليم ورسم خريطة جغرافية لها وبيان الأبنية المهمة تفصيليًا. كذلك يُجرى امتحان يؤهل من اجتازه للمرحلة الرابعة التي تشمل قيام كل فرد من أفرادها بحصر قوات الشرطة في قسم معين، وحصر قوات المرور وأماكنهم في منطقة معينة، ودراسة عملية لمدينة القاهرة، وذلك ببيان أحيائها وعلاقة بعضها بالبعض الآخر، ومسالكها، ومواصلاتها، وكيفية مهاجمة مكان ما، ودراسة حربية، وبعض الدروس في القانون وتدريبات رياضية ودراسة في التعقب يقوم بها كل فرد. ثم يعقد امتحان يكون من اجتازه قد اكتسب العضوية الكاملة في التنظيم الخاص للإخوان.

ملاحظات على التكوين الإخواني للنظام العسكري

من خلال مذكرات أعضاء التنظيم الخاص العسكري للإخوان يتبين أنّ أسلوب تجنيد العضو قد تميز بالتعقيد الشديد، والدقة البالغة، وأنّه لا يكتسب العضوية الكاملة إلا بعد فترة طويلة من التكوين تشمل العديد من الاختبارات الدقيقة، كما تشمل عملية التكوين الجوانب الروحية والاجتماعية والنفسية بالنسبة إلى الشخص المرشح للانضمام إلى العضوية، بحيث يتم دمج العضو في الجماعة دمجًا كاملًا، كما أنّ هذه المرحلة تتسم باكتسابه العديد من المهارات الرياضية والعسكرية وجمع المعلومات والأخبار وإعداد التقارير. كما أنّها تتسم بطول الفترة، فمرحلة التكوين تتم خلال (60) أسبوعاً تسبقها مرحلة الاختبار، وهي تستغرق حوالي (8) أسابيع، فإجمالي هذه الفترة حوالي (68) أسبوعاً، أي حوالي سنة ونصف السنة، وهي فترة طويلة يخضع خلالها العضو المرشح للمراقبة وللعديد من الاختبارات الدقيقة، النظرية والعملية.

عبدالرحمن السندي

يتم إلزام العضو المرشح بضرورة الكتمان وعدم إفشاء السر وإلّا تعّرض للموت، وقد جاء في هذا الصدد أنّ أيّ خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو بسوء قصد، تُعرّض صاحبها للإعدام، وإخلاء سبيل الجماعة منه مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة، ويتم إلزامه كذلك بالثقة التامة في قيادته المباشرة، فلا يجوز له رفع الأمر إلى القيادة الأعلى إلا عن طريق رقم (1)، ومخالفة ذلك ينظر فيها مجلس للتحقيق.

كما أنّ التجنيد للتنظيم العسكري في مفهوم الإخوان لا يتوقف عند إبداء العضو رغبته في الانضمام إلى الجماعة، بل يمتد إلى مرحلة قد تطول أو تقصر بحسب نوع العضوية التي سيرشح لها العضو الراغب في الانضمام، يتعرّض خلالها العضو المرشح لإعداد فكري ونفسي وبدني ومهاراتي يتناسب ونوع العضوية المرشح لها ودرجتها، وإنّ عملية تكوين العضو المرشح للجناح العسكري الخاص تبدأ بمحاولة دمجه كاملًا في الجماعة، وتتم هذه العملية على مراحل بحيث يشعر العضو أنّ هذا أمر طبيعي، وقد أشار إلى ذلك قاتل النقراشي باشا في اعترافاته أمام المحكمة، حين قال إنّه انتقل إلى العمل في النظام الخاص للإخوان بشكل تدريجي طبيعي ولم يشعر بأيّ جديد في الأمر.

والملاحظ أنّ عملية الدمج هذه كانت تتم من خلال إحاطة العضو بسيل من الواجبات التي تحيط بحياته كلها، وترسم له أعماله وسلوكه اليومي وعلاقاته الشخصية وأدق تفاصيل حياته. واتباع هذه التعليمات يجعل العضو عضوًا بالجماعة في كل لحظة من لحظات حياته، فيمارس نشاطه اليومي ليس باعتباره فردًا عاديًا ولكن باعتباره عضوًا وأخًا مسلمًا، بحيث يصبح كما لو كان يستمد وجوده المادي من الجماعة، ويخلق فيه ذلك الطواعية والسلاسة لجماعته، فيشكل مع الآخرين مجتمعًا مغلقًا يحيا أفراده حياتهم اليومية وفق تعليمات وضعها قيادتهم، لا يشاركهم أحد في الالتزام بها من خارجهم، وبهذا يذوب الأفراد في الجماعة وفي زعيمها المجسّد لها المبايع على السمع والطاعة بوساطة أمور لا تتعلق بهدف سياسي معين ولا بمنطق عقلي واضح ولا بنشاط عام محدد، وإنّما يذوبون بالانسياق من الداخل، وعلى الرغم من أنّ عملية الدمج الكلي للعضو في الجماعة تُعدّ شاملة للأعضاء كافة، فإنّها تتم بدرجة أكبر بالنسبة إلى درجتين مهمتين من درجات العضوية، وهما درجة المجاهدين ودرجة أعضاء النظام الخاص، وهما المسؤولان اللذان سيمارسان العنف السياسي في أوضح صوره كالاغتيال السياسي مثلًا، الأمر الذي يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أنّ أسلوب تكوين العضو بعد تجنيده يؤهله لممارسة العنف السياسي، وفي هذا الصدد يقول مرشد الجماعة السابق، عمر التلمساني: الدين لا يعرف شيئًا اسمه سياسة، ولكنّ الدين ينظم حياة الفرد في جميع النواحي، كيف يأكل ويشرب، ويتاجر ويتزوج، كيف يحكم وكيف يُحكم، وكيف ينام، حتى إنّ أحد الأعراب قال لبعض الصحابة: لقد علّمكم الرسول  كل شيء حتى قضاء الحاجة. إنّ القول إنّ الإخوان يعملون في السياسة هو قول غريب، ونحن نشتغل بالدين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية