التترس.. حجة استباحة دماء الأبرياء

الإرهاب

التترس.. حجة استباحة دماء الأبرياء


10/06/2018

عادة ما يغطى الفعل الإرهابي العنيف والدموي بغطاء شرعي، يوفّره منظرو التنظيم أو شرعيّوهم، قبل ارتكاب الفعل أياً كانت بشاعته، حتى إذا وقع أفصح التنظيم عن حيثيات فتواه التي بمقتضاها قام بتنفيذ الفعل، ليشرعنَ له، ويثبت أنّه لم يخرج فيما فعل عن إطار الشريعة الإسلامية.

وبعد تصاعد العمليات الإرهابية من قبل التنظيمات الجهادوية ضد بعض الأنظمة العربية بداية من أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة، ثارت العديد من التساؤلات حول القاعدة الشرعية التي يستند إليها هؤلاء الإرهابيون في إباحتهم لقتل المدنيين الذين يتواجدون في ساحة العملية، بعد أن كانوا قد أفصحوا عن القواعد الشرعية التي سوغت لهم قتال النظام بدعوى أنّهم طائفة ممتنعة.

اقرأ أيضاً: مدنيو عفرين وأعزاز يدفعون ثمن "غصن الزيتون"

لذا فقد ظهر الحديث عن فتوى التترس وهي الحجة التي بمقتضاها استباحت التنظيمات التكفيرية دماء الأبرياء المدنيين الذين يقعون ضحايا على مسرح الهجمات التي يقومون بها ضد الأنظمة العربية التي يصفونها بــ"المرتدة" والأنظمة الغربية التي يصفونها بــ"الكافرة".

قياسات فقهية باطلة

التترس مشتق من كلمة "الترس" ويعني في الأدبيات الفقهية أن يحتمي الكفار في الحرب بمدنيين من النساء والأطفال أو بأسرى المسلمين عند مواجهة الجيش المسلم سواء بالهجوم أو الدفاع.

التترس احتماء الكفار في الحرب بمدنيين أو أسرى مسلمين عند مواجهة الجيش المسلم سواء بالهجوم أو الدفاع

أفتى ابن تيمية بأنّه إذا تترس جيش الكفار  بمن عنده من أسرى المسلمين وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنّهم يقاتلون وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم.

يعتقد "التكفيريون" أنّ الأنظمة العربية والاسلامية الحالية "مرتدة وكافرة" ويجب قتالها، وفي سبيل ذلك فإنّه لا بأس بوقوع ضحايا مدنيين أثناء شنهم لهجمات دموية على من ينتمي للدولة، أو من يتعاون معها ضدهم استناداً إلى فتوى ابن تيمية التي أطلقها في فترة عصيبة خلال المعاناة من هجمات التتار.

 التكفيريون تجاهلوا الشروط الصارمة التي وضعت لتطبيق فتوى ابن تيمية في التترس

ومع أنّ فتوى ابن تيمية جاءت في ظروف تاريخية مختلفة عن الظروف الحالية، ومقتصر تطبيقها على حالة الحرب بين المسلمين والكفار، إلا أنّ التكفيريين ضربوا عرض الحائط بالشروط الصارمة التي اشترطها العلماء لتطبيق تلك الفتوى ومنها: الاعتقاد الجازم بأنّه لو لم يتم الهجوم فإنّ المسلمين سيمنون بهزيمة قاسية، وأن تكون الأعداد المتوقعة من قتلى الجيش المسلم أكبر بكثير من المدنيين الرهائن عند الكفار، وأن تكون نتيجة عدم الهجوم على الجيش الكفار هي احتلال أراض مسلمة يعمل الكفار فيها قتلاً وتنكيلاً بعد ذلك، وأن تتحقق من وراء القتل مصلحة يقينية، وأن تكون تلك المصلحة كلية؛ أي أن تكون مصلحة للأمة كلها، واليقين من تحقق النصر وألا تكون هناك احتمالية للهزيمة، ولا يجوز الهجوم إذا كان معروفاً عن العدو تبادله للأسرى وهو ما تقره القوانين الدولية الآن، وأن يكون "الترس" مجموعة من المسلمين أسرهم الكفار وتترّسوا بهم، ولا يصحّ غير الأسير، فالساكن بجوار الكفار أو المتواجد على مسرح العمليات مثلاً لا ينطبق عليه حكم التترس.

عدوى فكرية تحصد الآلاف

استخدمت فتوى التترس في مئات العمليات التي قامت بها التنظيمات المتطرفة، فقتلت أناساً أبرياء، تحت زعم "أنّهم يبعثون على نياتهم"، فقتلوا بذلك آلاف الضحايا مستندين إلى فتوى التترس تلك.

يعتقد التكفيريون أنّه لا بأس بوقوع ضحايا مدنيين أثناء قتال الأنظمة العربية والإسلامية التي يكفِّرونها

ففي أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)  أطلق أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة حينها، فتوى استباحة دماء جميع من يتواجدون في برجي التجارة العالمي أثناء الهجوم الذي شنه عناصر تنظيم القاعدة اعتماداً على فتوى "التترس"، كما فعلت الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد في مصر في جميع عملياتهما التي وقعت في مصر منذ نشأة التنظيمين أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى إجراء المراجعات الفكرية في السجون في أواخر التسعينيات.

استخدمت فتوى التترس في مئات العمليات التي قامت بها التنظيمات المتطرفة

وصدرت الفتوى ذاتها في تفجيرات الدار البيضاء العام 2003، ووزّع الإرهابيون بياناً ذكروا فيه أنّ استحلالهم لدماء المدنيين مستند أيضاً لفتوى التترس، وانتقلت هذه العدوى للتنظيمات التكفيرية في بلاد المغرب العربي فاستُخدمت في الجزائر على نطاق واسع، واعترف أحد منفذي عملية تفجير مقهى في مراكش بالقول إنّه استند لفتوى بن تيمية بجواز وقوع ضحايا من المدنيين والتي أقرّها بن لادن.

في تفجيرات الدار البيضاء 2003  ذكر بيان الإرهابيين أنّ استحلالهم لدماء المدنيين استند لفتوى التترس

كتب القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، ناجح إبراهيم، في كتابه "تفجيرات الرياض.. الآثار والأحكام": الأصل في دماء المسلمين الحرمة وإذا لم نعمل بهذه القاعدة الفقهية العظيمة نخشى أن تتحول هذه التفجيرات وأشباهها إلى نكال بالمسلمين ووبال عليهم ييتّم فيها أولادهم، وتترمل نساؤهم، وتثكل أمهاتهم بدعوى الجهاد، دونما برهان من دين الله، ولا دليل من كتاب ولا سنة، اللهم إلا مقولة (يبعثون على نياتهم)، وهل بالله هذا يكفي للسيوف ضابطاً ولإراقة الدماء حجة.. وهل يقتل أحدنا العشرات من المسلمين معصومي الدم ثم يقول في بساطة يبعثون على نياتهم؟

ويضيف: ما أشق الحديث وما أشده مرارة على نفس المؤمن حين يتحدث عن انتهاك حرمة من حرمات الله، فكيف إذا كان هذا الحديث عن أشد الحرمات وأعظمها في شريعة الإسلام وهي حرمة قتل المسلم؟ فهذه الحرمة ارتكابها أعظم عند الله من زوال الدنيا بما فيها كما جاء في الحديث الشريف "لزَوالُ الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية