إخوان المغرب: البقاء في السلطة على حساب المبادئ والشعارات

إخوان المغرب: البقاء في السلطة على حساب المبادئ والشعارات


06/03/2021

كان الانتقاد الأساسي الذي يوُجه إلى الإسلام السياسي، قبل أنّ تُختبر تجربته في الحكم، يدور حول سلوك أصحابه بالقيم الفكرية الجامدة التي يحملونها في ظلّ واقع متغير، يتطلب مرونة عملية، مدعومة ببنية فكرية تضع مصلحة الوطن أولاً.

وإذا وضع فصيل سياسي مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار فسيجد مقياساً مرناً لممارسة السياسية، أما إذا دخل المعترك السياسي ببنية أيديولوجية، يضعها فوق الوطن، فسيصل إلى لحظة تصطدم فيها مبادئه مع الواقع، ومع مصلحة الوطن الذي يتصدر لسياسته.

اقرأ أيضاً: كيف تسيست نساء التنظيمات الإسلامية في المغرب؟

هذا الصدام كان من نصيب جماعة الإخوان المسلمين في معظم تجاربهم في السلطة في الدول العربية، عقب أحداث الربيع العربي، والذي أدّى إلى قيام ثورات شعبية أطاحت بهم.

سعد الدين العثماني، وعبد الإله بنكيران

ويقدم إخوان المغرب، ممثلين في حزب العدالة والتنمية، حالة فريدة لصدام أيديولوجيا الإسلام السياسي بالواقع، في قضيتين أساسيتين؛ الأولى التطبيع مع إسرائيل، والثانية الموقف من القانون المقترح بتقنين القنب الهندي، عدا عن الكثير من المواقف التي كشفت ازدواجية الخطاب والممارسة لدى الحزب.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: إرباك في تركيا وتخبط في المغرب ومناورات في ليبيا والسودان

وفي الاختبار الأول تخلى إخوان المغرب عن مبادئهم المعادية لإسرائيل، وقبلوا بالتطبيع، وبقي أمامهم الاختبار الثاني، الذي يهدّد بقصم ظهر بعير القواعد والمتعاطفين، الذين سأموا مقايضة الإخوان لكلّ مبدأ في سبيل السلطة.

ازدواج الخطاب والممارسة

يعتنق الإسلام السياسي جملة من الأفكار والمبادئ التي تحكم رؤية أفراده للعالم، وتشتمل على تفاصيل محددة، أو مبادئ تحدد سلوك الفرد والجماعة في الحياة، تجعلهم يعيشون الواقع من خلال الفكرة المسبقة، وتهيئ تلك النظرة قراءة شاملة لكيفية سلوك أفراد الإسلام السياسي في جميع مناحي الحياة، وإذا خالف هؤلاء الأفراد هذه القراءة، يقعون في وصم الازدواجية، وهي المعضلة التي يسعى الإسلام السياسي إلى معالجتها بشكل لاحق فقهياً، دون تجديد حقيقي في البنى الفكرية.

عقب توقيع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، اتفاق التطبيع، تقدم العشرات من أعضاء الحزب بالاستقالة، احتجاجاً على مخالفة العثماني لمبادئ الحزب

وفي عام 2011، أثناء موجة الاحتجاجات التي شهدها العالم العربي، شهد المغرب حراكاً واسعاً، طالب بالإصلاح في جميع المناحي الحياتية، خاصة الإصلاح السياسي، واستجاب الملك لضغط الشارع، وأقرّ تعديلات دستورية واسعة، وعلى إثرها أُجريت أول انتخابات تشريعية وفق النظام الجديد، الذي أصبح الملك بموجبه هو من يختار رئيس السلطة التنفيذية من بين الكتلة النيابية الأكبر، بدلاً من تعيين الملك لرئيس حكومة.

قيادات من إخوان المغرب

وتصدر حزب العدالة والتنمية الإخواني (بيجيدي)، بزعامة عبد الإله بنكيران نتائج الانتخابات، بعد أن حصل على 27% من مقاعد البرلمان، بعدد 107 مقاعد، بينما جاء حزب الاستقلال، الذي شكّل الحكومة، قبل الانتخابات على 60 مقعداً، وشكل العدالة والتنمية حكومته الأولى، برئاسة بنكيران.

اقرأ أيضاً: "بذخ في زمن كورونا".. الانتقادات تلاحق "إخوان المغرب"

وفاز الحزب في الدورة التشريعية الثانية بزعامة بنكيران، معززاً حصته بالحصول على 125 مقعداً، وجاء بعده حزب الأصالة والمعاصرة، بعدد 102 مقاعد، وجرى استبدال بنكيران من تشكيل الحكومة بعد إخفاقه في التوافق مع الأحزاب، وتولى خلفاً له، سعد الدين العثماني، حتى اليوم، ومن المقرر أن تُعقد الانتخابات التشريعية خلال العام الجاري.

اقرأ أيضاً: لماذا يرحّب أردوغان باتفاق السّلام مع المغرب ويقترب من إسرائيل؟

وحول سلوك حزب العدالة والتنمية في السلطة، يقول الباحث المغربي في العلوم السياسية والكاتب الصحفي، نور الدين اليزيد، إنّ أعضاء العدالة والتنمية، "يرددون منذ تأسيس الحزب أنّه منظمة سياسية إسلامية، ويتباهون بهذه المرجعية إلى درجة يخال معها المرء أنّ الحزب هو الوصي على الدين الإسلامي بالمغرب، أو هو وحده من يتبنى المرجعية الدينية".

ويردف اليزيد، في حديثه لـ "حفريات"، بعد تجربة طويلة في الحكم، نجد أنّ "الحزب لم يعطِ أيّ انطباع يمت لصلة بحكم إسلامي، ويتبنى الأيديولوجية الإسلامية لتحقيق مكاسب سياسية فقط".

الأكاديمي رشيد لزرق لـ "حفريات": حزب العدالة والتنمية، على غرار باقي تنظيمات التدين السياسي، يتعامل بروح براغماتية، بين السلطة والكتلة الانتخابية

ويؤكد اليزيد، أنّ "تركيز العدالة والتنمية على المرجعية الإسلامية كدعامة ليس عفوياً، ولم يأتِ من فراغ، أو من باب الترف في التعبير والخطابة السياسية، لكنّه شيء مقصود لذاته، وورقة انتخابية لا يخفى على أحد مدى تأثيرها على الناخب، لا سيما في ظلّ انتشار وذيوع "صحوة دينية" اتخذت أبعاداً وزخماً شعبيين أكثر مع انطلاق موجة الربيع العربي في خريف 2010".

اقرأ أيضاً: لماذا بارك الإخوان تطبيع المغرب وشيطنوا تطبيع الآخرين؟

وذكر اليزيد موقفاً كشف إزدواجية الحزب، عندما ظهرت القيادية في الحزب، والنائبة البرلمانية، آمنة ماء العينين، دون حجاب في باريس، عام 2019، رغم أنّ الحجاب "يرمز للمحافظة والتدين وفق أبجديات الحزب"، ومع ذلك برّرت قيادات الحزب سلوكها، وحاولت النأي بالحزب عن سلوكها، وانتقدت شخصيات من الحزب "ازدواجية" النائبة، وأسقط آخرون الصلة على كلّ الحزب.

اختبار التطبيع

وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي؛ أعلن المغرب إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي مقابل ذلك اعترف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

الباحث المغربي في العلوم السياسية نورالدين اليزيد

ومثّل ذلك تحدياً كبيراً أمام إخوان المغرب، الذين يقودون الحكومة، وكان أكبر اختبار صريح للمفاضلة بين المبادئ أو الاستمرار في السلطة، ووفق ما هو معهود عن الحزب اختار السلطة على حساب المبادئ.

ويرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بالمغرب، رشيد لزرق، أنّ "العدالة والتنمية، على غرار باقي تنظيمات قوى التدين السياسي،  يحاول أن يتعامل بروح براغماتية، ما بين معادلة البقاء في السلطة والمحافظة على الكتلة الانتخابية".

ويتابع لزرق، في حديثه لـ "حفريات"، الحزب يعيش جدلاً كبيراً حيال خطوة البلاد نحو إسرائيل، و"سواء تعلق الأمر بالقياديين أو عبر البيانات والمواقف الصادرة عن حركة التوحيد والإصلاح، ما يطرح تساؤلاً حول الموقف الحقيقي للحزب، وخطورة ذلك على مصالح الوطن".

اقرأ أيضاً: الوزير المغربي إسماعيل العلوي لـ "حفريات: لهذه الأسباب فشل اليسار العربي

وعقب توقيع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، على اتفاق التطبيع، تقدم العشرات من أعضاء الحزب بالاستقالة، احتجاجاً على مخالفة العثماني لمبادئ الحزب، خاصة أنّه من أشدّ المنتقدين للتطبيع، وقال في تصريحات سابقة عن التطبيع؛ أنّه "أفضل أداة تفتق عنها المكر الصهيوني بهدف إقامة إسرائيل الكبرى، الحلم المعروف للصهيونية".

ويبدو أنّ الحزب نجا من هذا الاختبار على مستوى التماسك القيادي؛ إذ لم يتقدم الزعيم السابق، عبد الإله بنكيران، باستقالته، احتجاجاً على التطبيع، ربما مراعاة لجانب الملك، الذي ما يزال يمسك بكثير من خيوط العملية السياسية، إلى جانب أنّ السياسة الخارجية هي حصراً بيده.

اقرأ أيضاً: 3 سيناريوهات جزائرية للنزاع المغربي الصحراوي

لكن، وإنّ مرّ التطبيع بسلام على مستوى القيادات، فبالتأكيد ترك أثراً سلبياً على الكتلة التصويتية للحزب، ويؤكّد الخبير الدستوري والحزبي، رشيد لزرق، أنّ الحزب لديه آليات عديدة لتنفيس الغضب الشعبي، وامتصاص غضب قواعده الانتخابية، منها: "تكتيك  تبادل الأدوار، المحكم والمتفق عليه  بشكل مسبق، عبر الصراع بين كتلة البراجماتي رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وكتلة المزايدة السياسية، برئاسة الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، وتبادل الاتّهامات، وإلقاء اللوم على جهات خارجية".

رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، يوقّع اتفاقية إعادة العلاقات مع إسرائيل

وقسمت مسألة استئناف العلاقات مع إسرائيل قيادة حزب العدالة والتنمية إلى فريقين؛ الأول بقيادة العثماني، والوزير عزيز رباح، والوزير عبد القادر اعمارة، وينادي بمسايرة توجه الدولة في تدبير المرحلة الحكومية، خصوصاً أنّ الأمر يتعلق بقرار ملكي، وهو ما دفع الوزير الرباح إلى التعبير عن استعداده إلى زيارة تل أبيب في إطار مهمة رسمية.

اقرأ أيضاً: الإمارات تفتتح قنصلية في العيون المغربية.. ما الأبعاد الجيوسياسية لذلك؟

والفريق الثاني يضمّ رئيس المجلس الوطني للحزب، إدريس الأزمي، والمقرئ أبو زيد، وآخرين، يرون أنّ "التطبيع ضربة قاضية تعرّض لها الحزب، وأحرجه أمام القواعد والمتعاطفين"، بحسب ما نشره موقع "هسبريس" المغربي.

تقنين القنّب الهندي

ويواجه الحزب تحدياً خطيراً، دفع بالأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، إلى حدّ التهديد بالاستقالة، وهو مقترح قانون تقنين القنب الهندي (الحشيش) للأغراض الطبية والصناعية.

وفي 25 من الشهر الماضي، ذكرت الحكومة في بيان؛ أنّها تدرس مشروع قانون قدمه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، يتعلق "بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي"، على أن تستكمل دراسته والمصادقة عليه خلال المجلس الحكومي المقبل.

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بالمغرب، رشيد لزرق

وهدّد عبد الإله بنكيران، بالانسحاب من الحزب إذا ما صادق نواب "البيجيدي" على مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي (الكيف).

ويؤكّد الخبير الدستوري، رشيد لزرق، أنّ "قوى التدين السياسي مستعدة لتبرير كلّ شيء للحزب، وادّعاء  المظلومية، خاصّة أنّ آليات تصريف المواقف وتدبير الخلافات لا تكون من خلال الأجهزة الحزبية، بل تدبّر من داخل الجماعة الإخوانية، والأجهزة تقوم فقط بتسويق القرارات كي تظهر أنّها ديمقراطية".

ويتوقع الباحث نور الدين اليزيد، أنّ الحزب لن يحقق مكاسب كبيرة في الانتخابات التشريعية المقبلة، "بيجيدي اليوم ليس هو بيجيدي الربيع العربي عام 2011، وليس هو الحزب نفسه الذي تزعم انتخابات 2016، لقد فقد كثيراً من عنفوانه، بل ومن مصداقيته، وهذا هو الأهم والأخطر، لأنّ استعمال الدين دون تطبيق مبادئه أمر ممقوت من طرف أيّ كان، وبالأحرى في السياسة، وهذا ما أصبح المجتمع المغربي يعيه جيداً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية