هذه هي خريطة الحل مع النظام الحاكم في دمشق

هذه هي خريطة الحل مع النظام الحاكم في دمشق


24/12/2017

ها هي جنيف الثامنة تنتهي كما انتهت "الجنيفات" السابقة، وهذا ما كان متوقعاً، هل الجماعة الحاكمة مؤهَّلة لحلٍّ وطني- ديمقراطي؟

ها نحن ندخل السنة الثامنة من الثورة دون أن يستطيع النظام القضاء عليها

كان الجميع يعرف أنّ النظام الحاكم في دمشق، سيستخدم أقسى درجات العنف لسحق الحراك الشعبي، لكن لم يكن من المتوقع أن يُترك لممارسة عنفه المدمِّر، الذي وصل حدَّ استخدام السلاح الكيميائي المحظور عالمياً، دون أيّة مواجهة.
وها نحن ندخل السنة الثامنة من الثورة، دون أن يستطيع النظام القضاء عليها، وها هي سوريا الآن في حالةٍ يُرثى لها: أربع دول تتقاسم النفوذ فيها: إيران، تركيا، روسيا، أمريكا، بوجود جيوش هذه الدول، وقواعدها، وطائراتها. 170 ألف ميليشياوي طائفي شيعي من العراق، وأفغانستان، ولبنان، وإيران، وسوريا. وأكثر من سبعين ألف ميليشياوي طائفي سنّي.

هل يمكن لسلطة فشلت في أن تقي البلاد من الحرب أن تكون طرفاً فاعلاً في استعادة الأمن والسلام؟

جنوب سوريا، وشمال شرقها، وريف حماه ودمشق، خارج سيطرة النظام، ونسبة الجيش النظامي إلى القوى المقاتلة معه لا تتجاوز (20%)، وعدد الضحايا يفوق المليون؛ حيث قضى ما يفوق الـ 200 ألف شاب علوي، والـ 500 ألف شاب سنّي، في هذه الحرب. وباقي الضحايا هم أطفال ونساء وكهول. إعادة الإعمار تحتاج إلى 200 مليار، وعدد اللاجئين خارج سوريا خمسة ملايين. الشرخ الطائفي يحتاج إلى عقودٍ حتى يزول، وإلى نمطٍ جديدٍ من الدولة، وإنتاج السلطة، ووسط كل ذلك يحتفل النظام وروسيا وإيران ومثقفو الوسخ التاريخي بالنصر!
هذه الحالة، من وجهة نظر فلسفة التاريخ، هي هزيمة مطلقة، لسلطةٍ لم تستطع أن تقي البلاد والعباد شرّ الحرب.

بدأت السلطة باستخدام القوة العسكرية بما فيها الطيران الحربي فألقت آلاف البراميل على المدن والقرى

السؤال: هل يمكن لسلطة كهذه، فشلت في أن تقي البلاد من الحرب، أن تكون طرفاً فاعلاً وجدياً في استعادة الأمن والسلام للبلاد؟
  لنعد إلى سلوك الجماعة الحاكمة، وردود فعلها تجاه الحراك الشعبي السوري:
منذ الأيام الأولى، أطلقت القوى الأمنية النار على المتظاهرين السلميّين، وزجت عشرات الآلاف منهم في السجون، وقامت بتصفية أكثرهم، وحاولت أن تقوم بإصلاحات شكلية، فصاغت دستوراً جديداً للبلاد، أبقت فيه على السلطة المطلقة بيد الرئيس المستفتَى عليه، بأقل من خمسة بالمائة من السكان، وحاولت خداع المجتمع الأهلي باجتماعات بينه وبين "الرئيس"، وكل ذلك مع استمرار ممارسة الحل العسكري الأمني.

يجب أن تعيد القوى الوطنية تنظيم الإرادة الوطنية مسلّحةً بالمشروع الوطني الديمقراطي لمستقبل سوريا

مع ردود الفعل الشعبية، وتكوّن الجيش الحرّ، وتمرّد أكثر المدن والقرى؛ بدأت السلطة باستخدام القوة العسكرية، بما فيها الطيران الحربي، فألقت آلاف البراميل على المدن والقرى، واستدعت مئة وسبعين ألفاً من الوسخ التاريخي الميليشياوي الطائفي، من لبنان، وإيران، والعراق، وأفغانستان. خلقت شروط ظهور الوسخ التاريخي المضاد القادم من بلدان كثيرة، واستدعت إمبراطورية عسكرية للحفاظ على وجودها في السلطة، فقدت السيادة على أجزاء مهمّة من أرض الوطن، واشتركت، بضغطٍ دوليٍّ، بمباحثات مع المعارضة، وأفشلت، حتى الآن، ثماني جولات من مباحثات جنيف.
في ظنّي؛ إنّ سلطة كهذه لا يمكن أن نتوقع منها التخلي عن أيّ عنصر من عناصر سلطتها، في مباحثات يرأسها شخصٌ، لا يملك من أمره سوى توجيهٌ واحدٌ من سيّده: عدم القبول بأيّ شيءٍ مهما كان صغيراً وبسيطاً.

إنّ من ينتظر حلّاً سريعاً يأتيه على طبق من ذهبٍ فهو واهم

والاحتمال الوحيد لحمل النظام على تطبيق قرارات الأمم المتحدة؛ هو استخدام القوة، بناءً على البند السابع، لأنّ بيان جنيف لعام 2012؛ الذي نص على تكوين هيئة حكم انتقالي، بصلاحياتٍ كاملةٍ، تتولى إدارة البلاد، والذي أكّده قرار مجلس الأمن رقم (2254) لعام 2015، لا يمكن أبداً أن تقبل به الجماعة الحاكمة، إلّا إذا حُملت على قبوله بالقوة.
غير أنّ قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية، ليس بمقدورها ترك الأمر، وانتظار أن يحدث ذلك بمرور الزمن، وقد لا يحصل. لهذا يجب، أجل يجب، أن تعيد القوى الوطنية تنظيم الإرادة الوطنية، مسلّحةً بالمشروع الوطني الديمقراطي لمستقبل سوريا.
أجل، وحدهم الديمقراطيون الوطنيون، هم الذين سيصنعون النصر لسوريا؛ لأنّهم وحدهم الذين يعبّرون عن آمال الشعب، وهم المتصالحون مع منطق التاريخ وروحه؛ لأنّهم صورة المستقبل الضروري.
بقي أن نقول: إنّ من ينتظر حلّاً سريعاً يأتيه على طبق من ذهبٍ فهو واهم؛ لأنّ تحول سوريا إلى مسألةٍ سوريةٍ، ودخولها لعبة الأمم، مع العجز الداخلي، ومحاولات تزييف الحل الذي تسعى له روسيا، كلّ هذا سيطيل مدة الكفاح الوطني السوري، وسيزيد تضحياته.

 

الصفحة الرئيسية