جماعة المسلمين ..بين السياسي والدعوي

جماعة المسلمين ..بين السياسي والدعوي


18/05/2020

كشأن الكثير من المصطلحات التى التبس معناها ومبناها بين أفق السياسة وأفق الدعوة تاريخياً، يأتي مصطلح أو مفهوم جماعة المسلمين، الذي تحول في وعي كثير من أبناء من يسمون بالحركة الإسلامية في إشارة لهذا الطيف اللوني الذي تدرج من جماعات سلفية إلى إخوان إلى جهاديين، إلى مصطلح مسكون بمفاهيم عقدية ودعوية، دون الانتباه إلى حقيقه معناه والمقصود منه في ظل دولة هي المآل الذي آلت إليه التجمعات البشرية، وتطور معناه في ظل الدولة الوطنية كمفوم للمواطنة بين أفراد متعددي الأديان يحيون في دولة واحدة تربطهم جماعة واحدة هي رابطة الوطن، فما معنى جماعة المسلمين في ظل الدولة الوطنية الحديثة؟ وهل تعني رابطة دينية أو طائفية تنهي صيغة الدولة الوطنية لحساب الدولة العرقية أو الدينية؟

المفهوم في وعي كثير من المسلمين ينطلق من أنّ لزوم الجماعة أصل من أصول الدين، وأنّ كدر الجماعة خير من صفو الفرقة، وأنّ هذه الفرقة حصلت في السنة السادسة من خلافة عثمان بن عفان؛ حيث بدأ الافتراق والخلاف في هذه الأمة في حديث حذيفة في الصحيحين قال "كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد الخير من شر؟ قال نعم، قلت فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه يارسول الله؟ قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". 

والحديث، كما هو واضح، يبين الرسول بعض مسيرة هذه الأمة بإجمال وبينها بالتفصيل في حديث آخر، يعرض مراحل الخلافة التي ستنتقل من نبوة إلى خلافة على منهاج النبوة ثم إلى ملك عضوض فملك جبري قبل أن تعود خلافة على منهاج النبوة، والحديثان يشكلان معاً تصوراً لواجب شرعي ألزمت به كيانات سلفية وإخوانية وجهادية نفسها وتصورت أن طريق استعادة جماعة المسلمين بين ثلاث طرق، فاختارت السلفية طريق الدعوة والتربية والتزكية الطويلة وتسربلت بالهدى الظاهر لباساّ واجتماعاً، في انتظار اللحظة المناسبة التي يصبح فيها المجتمع جاهزاً لقبول الخلافة على طريقة الماوردي وأبويعلى خلافة سلطانية، أما الإخوان فقد اختاروا أن ينشطوا من خلال نضال دستوري وقانوني وسياسي عبر الدولة الوطنية معتمدين على جيش من الأتباع المؤمنين بقيادتهم الملهمة المؤيدة وخطابها المزدوج الذي حافظ على التقية سلوكاً أثيراً أما الجهاديون فقد قرروا منذ البداية أنّ الجهاد بالسلاح والمفاصلة مع الأنظمة والمجتمعات أو العدو القريب والبعيد هو السبيل الوحيد ليميز الله الخبيث من الطيب وتعود الخلافة على أسنة الرماح ولاية تغلب وسيطرة.

اعتمدت جماعة الإخوان في عملها عبر الدولة الوطنية على خطاب مزدوج حافظ على التقية سلوكاً أثيراً

كل طرف من الأطراف الثلاثة تصور أنّه يتعبد لله باسترجاع الخلافة متقيداً بالمنهج النبوي المفترض، الذي يبدو الطرف المجني عليه والمظلوم في تلك المعادلة البائسة، فعندما سأل حذيفة رسول الله عن الشر بعد هذا الخير كان يقصد فكرة الدولة التي أسسها الرسول وكان قوامها الرئيس مسلمون، فسميت بجماعة المسلمين مع غيرهم من يهود ونصارى في دولة المدينة، هو يقصد فكرة الجماعة الوطنية مقابل الفوضى والجاهلية والاقتتال القبلي والقوي الذي كان يأكل الضعيف ويعتدي على حقوقه، يقصد حكم الغاب في مقابل حكم القانون الإلهي في دولة الرسول الذي يتصف بالعدل والرحمة مقابل الجور والتمييز قبل الإسلام.

فشلت التيارات الحركية الدينية من إقامة الدين أو حتى سياسة الدنيا، فلم يعد لديها من محرك سوى التشبث بالقراءات المتعسفة

تحول المفهوم لدى تلك الكيانات الحركية من حقيقته كمفهوم للدولة ولنظام عام قانوني واجتماعي إلى مفهوم عقدي يستبطن رابطة أبناء الدين الواحد، لم يأت الإسلام ليبني طوائف وكانتونات أو جيتو فكيف تحول واقع الكيانات الحركية إلى هذه الحال فأصبحوا طوائف دينية تؤسس لعزلة شعورية ووجدانية مع الآخر حتى لو كانوا أبناء دين واحد وهو ما نعيشه اليوم.
لم يكن أمام من أداروا الدولة الإسلامية بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يستبطنوا في إدراتها معنى إقامة الدين وسياسة الدنيا، وقد نجحوا في ذلك بشكل نسبي، لكن ما فشلت فيه كل التيارات الحركية وحتى من رفعوا لواء الدولة الوطنية هو إقامة الدين أو حتى سياسة الدنيا، لذا لم يعد لديهم من محرك سوى التشبث بالقراءات المتعسفة في فهم جماعة المسلمين والتسربل بحمولة فقهية ثقيلة يختبئون خلفها  بالحال، وأحياناً بالمقال، ليدعوا أنّهم جماعة المسلمين أو على الأقل يسعون لإقامتها دون وعي حقيقي بالمفهوم هل هو سياسي أم دعوي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية