إكراهات الزواج والطلاق لدى الأقباط المصريين

أقباط مصر

إكراهات الزواج والطلاق لدى الأقباط المصريين


06/12/2017

حالة التأزم في الخطاب الديني وهيمنة المؤسسات الكهنوتية، من خلال فرض الطاعة القسرية لتأويلاتها وتفسيراتها الدينية على أتباعها، لا ينفرد به دين محدد، فتنميط السلوك والفكر الديني أمر شائع في المسيحية كما في الإسلام؛ لتثبيت مرجعية شمولية تتمدد على أطراف الحياة وأجزائها، بغية تكريس الانصياع لرؤيتها ومقولاتها في الجانبين الروحي والدنيوي؛ فكلاهما يضع شروطاً للإيمان وممارساته، بحيث لا يمكن الخروج عليها، ومن ثم، يجري التصدي لكل محاولات فض نزعة التحرر وتصفية أغلالها وقيودها.

لا يمكن لعقد الزواج المسيحي أن يسلك  قنواته الشرعية والقانونية إلا من خلال الكنيسة

تتجدد طوال الوقت الصراعات داخل المجتمع المسيحي وفئاته المتعددة مع الكنيسة المصرية، خاصة في قضيتي الزواج والطلاق، وذلك منذ تشديد إجراءات الطلاق منذ عام 2008، بعد قرار البابا شنودة (3 أغسطس 1923 - 17 مارس 2012)، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، عندما ألغى لائحة 1938، التي كانت تتضمن ثمانية أسباب للطلاق، وهو ما يكشف عن تصدعات كبيرة وشروخ تتسع بين الشباب المسيحي والكنيسة، مع رفضها حل تلك المعضلة ورفضها المستمر لعملية الطلاق سوى لـ"علة الزنا"،  وتزايد حالات الطلاق والاتجاه للزواج المدني وتغيير الطائفة الدينية.
لا إحصاء لطلبات الطلاق
ولا تتوافر إحصاءات رسمية حول عدد طلبات طلاق المسيحيين، والموجودة في وزارة العدل ولدى الكنيسة قط،. لكن نستدل من خلال ما أوردته الكاتبة الصحفية، كريمة كمال، في كتابها "طلاق الأقباط"، الصادر عام 2006، على ضخامة عدد طلبات الطلاق، التي بلغت نحو 300 ألف قضية منذ 1971.
الزواج المسيحي يقوم على عقد زواج ديني/ كنسي، حيث لا يمكن للعقد أن يسلك  قنواته الشرعية والقانونية في سجلات الدولة لتوثيقه وإثباته، إلا من خلال الكنيسة، وبالتالي لا يتم إلغاؤه بسهولة، فهو رابطة إلهية وأحد الأسرار الكنسية المقدسة التي لا يملك المسيحي، أي مسيحي، حله أو التحرر منه.

ثمة حيل أجرتها الكنيسة لمواجهة معضلة الطلاق ومحاصرة الأزمة من خلال تجربة دورات المشورة الأسرية

وبينما أضافت الكنيسة الأرثوذكسية في تعديلاتها الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية، التي قامت بصياغة مواده، أسباباً إضافية مع إثبات الزنا مثل الهجر لمدة خمس سنوات، وتغيير الملة، تقابلها على النقيض الكنيسة الكاثوليكية التي لا تعترف بالطلاق من الأساس، فالانفصال لديها "انفصال جسدي"، ويتجلى في حالة وحيدة وهي الموت وانفصال الروح عن الجسد، وتتفرد الطائفية الإنجيلية بتمسكها بشرط "الزنا" بإعتباره الشرط الوحيد لإتمام عملية الطلاق. كما يعاني الكاثوليك والأرثوذكس من تشدد كنائسهم التي ترفض منح أعضائها وسائل تغيير الملة، للحصول على رخصة بالزواج الثاني، وعلى العكس تماماً توفر الكنيسة الإنجيلية لأفرادها إجراءات تغيير الملة بمرونة.
استحدث مشروع قانون الأحوال الشخصية للأقباط الصادر خلال العام الجاري 2017، وتأسيس "لجنة تسوية المنازعات الأسرية المسيحية، والتي تضم عدداً من رجال الدين المسيحي والأخصائيين القانونيين والاجتماعيين والنفسيين، حيث اشترطت المادة 20 من القانون عدم زواج من طلق لعلة الزنا أو الانضمام إلى طائفة غير معترف بها من الكنائس المصرية.
ويمنح القانون الحق للمجلس الإكليريكي في كل كنيسة في الاستئثار بقرار إصدار تصاريح الزواج الثاني للمسيحيين، ولا يجوز الطعن على ذلك أمام القضاء لكونه "قرارًا دينيًا كنسيًا".

ثمانية أسباب لبطلان عقد الزواج

رسخ القانون ثمانية أسباب لبطلان عقد الزواج منها: "إذا لم يتوافر فيه رضاء الزوجين، إذا لم يتم بالمراسم الدينية علناً بحضور شاهدين مسيحيين على الأقل، إذا لم يبلغ الزوجان السن القانونية للزواج، إذا كان بأحد الزوجين مانع من موانع قرابة الدم أو المصاهرة، إذا كان أحد طرفيه، وقت انعقاده، مرتبطاً بزواج صحيح قائم، إذا تزوج القاتل عمداً أو شريكه بزوج قتيله متى ثبت أن القتل كان بالتواطؤ بينهما بقصد الزواج، إذا تزوج المسيحي بمن ينتمي إلى دين آخر غير مسيحي أو إلحاده، وإذا كان لدى أحد الزوجين مانع من موانع الزواج، شرط أن يكون ذلك قبل الزواج".

الكنيسة الكاثوليكية التي لا تعترف بالطلاق من الأساس، فالانفصال لديها "انفصال جسدي"، ويتجلى في حالة وحيدة وهي الموت وانفصال الروح عن الجسد

وشمل القانون إجراءات بطلان عقد الزواج بأنه لا يجوز الطعن على الزواج إلا من الزوجين أو الزوج المتضرر من وقوع غش مثل ادعاء "البكارة"، حيث لا تقبل دعوى البطلان إلا إذا رفعت الدعوى خلال ستة أشهر من وقت علمه بالبطلان، وشهر واحد في حالة وقوع الغش في شأن بكارة الزوجة.
وألزمت الكنيسة بعدم الاعتداد بالطلاق لعلة الزنا بناءً على الاعتراف بالخطأ، بل يستلزم إيجاد الأدلة القانونية على ذلك، وأن لا تقبل دعاوى الطلاق لعلة الزنا إلا بناءً على طلب الزوج المتضرر أمام المحكمة المختصة مع تقديم الأدلة القانونية أو الضمنية إذا كانت مكتوبة أو مقروءة أو مسموعة أو مرئية بالوسائل التقليدية أو التكنولوجية.
وتوسع القانون ليشمل الزنا الحكمي وهو: "أي فعل من أحد الزوجين يشير أو يدل على وجود خيانة زوجية من طرف ثالث، رجل أو امرأة".
ثمة حيل أجرتها الكنيسة لمواجهة معضلة الطلاق ومحاصرة الأزمة داخل جدرانها، وذلك من خلال تجربة دورات المشورة الأسرية التي بدأت في يوليو العام الجاري، حيث دعت الشباب المسيحي المقبل على الزواج، للخضوع لدورات تأهيل نفسي وديني وجنسي بغرف المشورة في الأبرشيات، بغية تعزيز مهارات وسبل التواصل الأسري بين الزوجين ومنحهما الخبرات التي تساعدهم في ذلك، وفرضت قبل التقدم للزواج تقديم شهادة خلوّ موانع للزواج.
وتتنوع محاضرات كورس المشورة الكنسية بين محاضرة أساليب اختيار شريك الحياة، وأخرى باسم "حل لغز الناس"، التي تساعدهم على تحديد شخصية شريك الحياة المناسبة لكل فرد منهم، بالإضافة إلى محاضرة عن الثقافة الجنسية في المسيحية، ويشارك في إعداد مواد المحاضرات وإلقائها مجموعة من الكهنة المتخصصين وأخصائيين نفسيين ومدربي مشورة أسرية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية