حكايات عشر نساء يغلفها الصمت

حكايات عشر نساء يغلفها الصمت


08/03/2018

في كل مرة يقرأ فيها المتلقي العربي رواية من الأدب اللاتيني، فإنّه يقف بامتنان للمترجم الفلسطيني صالح علماني، الذي تصدّى لهذا الجانب منذ عقود خلت، وباقتدار بالغ.

تتجاوز أهمية الأدب اللاتيني لدى القارئ العربي معايير الجودة الأدبية المتحراة بعناية، إلى كون هذه المنطقة من العالم مصنفة بالرتبة الثالثة، تماماً كما الوطن العربي، ما يجعل القضايا مشتركة رغم البعد الجغرافي؛ إذ ما يزال قمع النساء في أوجه، وكذلك الطغاة في أوساط السياسة، والفساد، وتغوّل الدين في الحياة اليومية بشكل معيق في مرات كثيرة.

قدّمت سيرانو رواية نسوية بامتياز، في ظل خلط ما يزال قائماً بين مصطلح نسوي ونسائي

ولعل رواية "عشر نساء"، للمؤلفة التشيلية مارثيلا سيرانو، واحدة من بين هذه الروايات التي نقلها علماني للعربية، لتصدر نسختها المترجمة عن دار "بلومزبري".

تناولت الرواية، التي تزيد صفحاتها على المئتين وسبعين، من القطع المتوسط، حكايات أقرب للمَشاهد المنفصلة، عن عشر نساء، يتحدثن إلى طبيبة نفسية عمّا مررن به خلال حياتهن، بأسلوب سلس لا افتعال فيه؛ بل محبوك بعناية وشمولية، إلى حد يخال فيه القارئ أنّ سيرانو جمعت نساء العالم كلهن تحت سقف روايتها، ذات الغلاف الوردي الأنيق.

المؤلفة التشيلية مارثيلا سيرانو

صهرت نساء سيرانو الهموم الوطنية والعاطفية والاجتماعية والدينية معاً، إلى جانب هموم الأمومة وكسب الرزق، والاعتلال النفسي والوجداني في مرات، ما جعل قمع الرجل والعائلة يسير بالتوازي مع قمع الساسة في بلدان العالم الثالث، ليكون الصمت هو الحل؛ إذ جميع الإناث في "عشر نساء" صامتات، بالكاد يبُحن للدكتورة ناتاشا بما حلّ بكلّ واحدة منهن، وكيف خاضت معركتها بسرية تامة؛ إذ هنالك من عانت من الاستغلال الجنسي من أقرب الناس إليها، وهناك من تكبّدت عناء تربية أطفال في ظل غياب الزوج المعتقل لأسباب سياسية، وثالثة تتظاهر على الشاشة بحيوية وسعادة تفتقر إليها على أرض الواقع، ورابعة عانت من قلة مسؤولية زوجها حتى في أحلك اللحظات مثل الولادة.

كثيرين يهاجمون، لعدم دقتهم اللغوية، الأدب النسوي ظناً منهم أنه لتمييز جنس الكاتب

تجربة الكاتبة نفسها، والتي ألقت السياسة ظلالها عليها منذ الطفولة، كان لها عظيم الأثر في مناقشة هذا الجانب وأثره على حياة النساء، وباقتدار بالغ كالذي ظهر في الرواية، بالإضافة لثقافتها السياسية الواسعة فيما يتعلق بقضايا العالم الثالث الخطيرة من قبيل القضية الفلسطينية، والتي للجالية الفلسطينية في التشيلي عظيم الأثر في تثقيف الشعوب اللاتينية بشأنها هناك، ما جعل مناقشتها لهذا الجانب وافية ومنصفة وعادلة، كما ظهر في حكاية الفلسطينية التشيلية ليلى، الصحافية التي ذهبت إلى فلسطين لمعاينة الواقع في أرض الأجداد، ليعتدي عليها ثلاثة مجندين إسرائيليين هناك، وليصبح ابنها ثمرة لهذا الاعتداء، رغم كونها لم تبُح بالسر إلا لنتاشا؛ فيما بقيت هي تفرّ، من خلال إدمان الكحول، من جدلية أن يكون طفلها ابن العدو.

وحتى حين تطرّقت الكاتبة لحكاية الطبيبة ناتاشا، الناجية وشقيقتها حنة من المحارق النازية، فإنها تناولتها بحس إنساني بالغ، ولم تبرر للكيان فعلته ولو بجملة عابرة، ولم تجعل المحارق قميص عثمان حين يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني الذي لم تكن له ناقة ولا جمل فيما حدث؛ بل تناولتها بعقلانية وحيادية، وقدّمت الشأن الفلسطيني العالق والمظلم على الحديث عن المحارق التي، على فداحتها، باتت جزءاً من الماضي؛ بل لشدة تأثرها بالقضية الفلسطينية فقد استشهدت بقول للمفكر الراحل إدوارد سعيد، كما أتت على ذكر اسم فلسطين مراراً، حتى في حكايات أخرى غير حكاية ليلى الفلسطينية.

قدّمت سيرانو رواية نسوية بامتياز، في ظل خلط ما يزال قائماً بين مصطلح نسوي ونسائي؛ إذ إن الأدب النسوي هو ما يناقش قضايا نسوية عالقة في العالم كله، والتي قد يترافع عنها رجل وليس امرأة، فيما "النسائي" هو التصنيف الضيق الذي لا يتماشى وآفاق الأدب الواسعة، والذي يجعل كثيرين يهاجمون، لعدم دقتهم اللغوية، الأدب النسوي ظناً منهم أنه لتمييز جنس الكاتب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية