عبد الكريم قادري: السينما العربية اكتفت بالسخرية من الإرهابي

عبد الكريم قادري: السينما العربية اكتفت بالسخرية من الإرهابي

عبد الكريم قادري: السينما العربية اكتفت بالسخرية من الإرهابي


04/02/2018

يرى الناقد السينمائي عبد الكريم قادري أنّ السّينما العربية لم تنخرط بعد في المفهوم والممارسة الحقيقيين للصّناعة السّينمائية، ما جعل تأثيرها العالمي هامشياً، وقدرتها على تصحيح الصورة المشوّهة للعربي والمسلم، نتيجة المدّ الإرهابي الطالع من الفضاء العربي والإسلامي محدودة.

وانتقد قادري، في حوار أجرته معه "حفريات"، الطريقة الهزلية التي تناولت بها أفلام عربية موضوع العنف والتطرّف والإرهاب؛ حيث هدفت لخلق حالة من السّخرية لا حالة من الوعي بخطورة هذا الخطاب كما هو مطلوب.

ويعدّ عبد الكريم قادري (1982)، من أكثر الأقلام الجزائرية متابعة للأعمال السّينيمائية الوطنية والعربية والعالمية، من خلال ما ينشره من مقالات في منابر مختلفة، وما يقدّمه من مداخلات في المهرجانات المختصّة، وما يصدره من كتب منها "سينما الشعر/ جدليّة اللغة والسّيميولوجيا في السّينما". و"سينما الرّؤى/ قراءات ودراسات في السّينما العربية".

وهنا نص الحوار:

كان "الإرهاب" من المصطلحات التي عرفت أكثر من تعريف، بحسب انتماء ومصلحة الجهة المعرِّفة. هل انعكس هذا التعدّد في التّعريف على حقل السينما في تناولها للموضوع عربياً وعالمياً؟

أعتقد أنّ السّينما؛ العربية والعالمية لم تواكب الأثر الكبير، الذي تركه "الإرهاب" في المجتمعات والبلدان كما ينبغي، والإنتاج الموجود محدود نسبياً، ولا يعكس توجهاً عاماً في السّينما. لهذا نجد بعض الأفلام تنقل هذا المفهوم بحسب انتماء ومصلحة الجهة "المنتجة"، ولن أقول الجهة "المعرِّفة"، ومن عادة المنتجين، خاصة الشركات الكبرى، أن تتريّث قبل التطرق إلى هذا الموضوع، الذي يرون أنّهم لم يطلعوا على معطياته كاملة. ففي حالة إنتاج فيلم أو اثنين وربما أكثر، وبعد فترة، تظهر معطيات تقف في وجه ما ورد في هذه الأعمال. هنا تصبح الجهة المنتجة في حرج، وأنا أقصد مؤسسات الإنتاج الكبرى التي تحترم نفسها وماضيها ومشاهديها، لذا فهم يأخذون وقتهم الكافي، من أجل التطرق لهذا الأمر الذي أصبح ظاهرة عالمية، بمعنى التريث للوقوف أمام التصوّر العام، بعدها ستطلق مؤسسات الإنتاج عجلاتها، لكن ليس بالشكل الذي ننتظره؛ لأنه مهما يكن فخراب ودمار "الإرهاب" لم يصل إليهم بالشّكل الكافي، ولم تمسسهم ناره كما مسّت البلدان العربية. لهذا سنرى إنتاجات محدودة.

ماذا عن السينما العربية؟

لقد قدّمت هي الأخرى أعمالاً، لكنها محدودة ومتسرّعة، لهذا لم تلق الاهتمام الكبير؛ لأنّها تعتمد على المبالغة الكبيرة، والمعالجة عن طريق المباشراتية والتلقين، ناهيك عن تشبّعها بالرّسائل السّياسية، التي تخدم الجهة المنتجة أو أيديولوجيتها، وهو المعطى الذي سقطت فيه أيضاً باقي السّينمات الأخرى.

إذاً يحقّ لنا القول إنّ السينما حقل سياسي بشكل ما؟

باتت السينما أكثر الفنون قرباً من المجتمعات، وتأثيراً فيها رغم حداثة هذا الفن مقارنة بالفنون الأخرى. فلقد تجاوزت المسرح والرواية والشعر وكل الفنون الأخرى، التهمتها وأصبحت شطراً منها؛ إذ يمكن أنْ نجد في الفيلم الواحد كل هذه الفنون، لهذا اتسعت رقعة مريديها في كل نقطة من العالم، ما أهّلها لأن تستعملها الدّول بصفتها أداة توصيل وتلقين الأفكار لدى الجمهور الواسع. من هنا كانت السّينما وما تزال وستبقى حقلاً مزروعاً بالأهداف السّياسية، التي يمكن توصيلها للجماهير بكل سلاسة وسهولة، خاصّة السّينما الأمريكية، التي باتت تروّج لسياساتها منذ أن اتسعت رقعة المشاهدين وكثرت، عن طريق الأفلام التي تنتجها. لهذا حذّرت العديد من الدول من بينها فرنسا من أن تذوب حضاراتها وعاداتها وتقاليدها وقيمها، وسط ما تقدّمه هذه السّينما، نتيجة تلغيمها بمواد وأهداف سياسية معدّة مسبقاً وسط مطابخ الأجهزة الحكومية. وليست أمريكا وحدها من تفعل هذا، فكل البلدان تفعله، باستثناء السينما المستقلّة التي تحرّكها اهتمامات وإيمان المخرج.

 

يصعب أن نقول إنّ هناك "سينما عربية" بالمفهوم النظري، وهذا ما غيّب مفهوم الصّناعة لديها

وهل تجد هذه السّينما المستقلّة، خاصّة من زاوية مقاربتها لسؤال العنف والتطرّف والإرهاب قدماً لها في السّوق؟ 

معظم إنتاجات السّينما المستقلّة يتم تلقفه من قبل النّخبة، ولا تصل إلى الجمهور العريض، كما تفعل السّينما التجارية، أو السينما ذات القوالب العادية؛ لأنّها لا تحتكم إلى شروط التسويق، لهذا يبقى تداولها في نطاق ضيّق. لكن هذا لا يقلّل من أهميتها؛ إذ قد يتمّ تناولها إعلامياً أكثر من غيرها. فالمهمّ أن تكون هناك إنتاجات ومقاربات مختلفة عن التي ألفناها وألفها الجمهور. وقد حقّقت الاختلاف في باب مقاربة معطى التطرّف والإرهاب.

انطلاقا من هذا، هل وظّفت المنظومة العربية السينما لتصحيح صورة العربي والمسلم المتّهمة بالنّزعة الإرهابية؟

لا تزال الأفلام العربية حتى اليوم، تبحث عن حيّز ما وسط السّينما العالمية. ويصعب أن نقول إنّ هناك "سينما عربية" بالمفهوم النظري، وهذا ما غيّب مفهوم الصّناعة لديها. بالتالي غيّب التأثير والتأثر، باستثناء السينما المصرية، التي تملك صناعة وشبّاك تذاكر، مع ذلك بقي تأثيرها محلياً فقط، وعليه فإنّ المنظومة العربية لم تستغلّ كما ينبغي السينما لتمرير رسائلها وتصحيح صورة العربي والمسلم، على جميع المستويات؛ لأنها لم تصل إلى التأثير المطلوب.

ما هو النموذج العالمي، الذي ترى أنّ السّينما العربية لم ترقَ إليه في باب تصحيح الصّورة؟

الفيلم الهندي/ الأمريكي "اسمي خان ولست إرهابياً"، الذي أخرجه كاران جوهر عام 2012، ولعب دور البطولة فيه نجم السّينما الهندية شاه روخ خان. وقد جاء هذا الفيلم رداً على نظرة الغربيين للمسلم على أنّه إرهابي، بعد أحداث 11 سبتمبر 2011.

لقد كابد بطل الفيلم "رضوان" لتصحيح صورة المسلمين والقول إنّ الإرهاب ليس ثمرتهم بصفتهم أمة وديناً وحضارة.

هو مسلم هندي يعاني من مرض التوحّد. انتقل بعد وفاة أمّه إلى الولايات المتّحدة الأمريكية ليقيم عند أخيه زاكر، فيتعرّف على فتاة هندوسية مطلقة ولديها ابن من زواج سابق تدعى مانديرا ويقع في غرامها. تتأزم أحداث الفيلم بعد انهيار برجيّ التجارة العالمية، بما انجرّ عن ذلك من اضطهاد للمسلمين. يسعى رضوان إلى مقابلة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لإقناعه بكون المسلمين ليسوا  جميعاً إرهابيين، فيتعرّض خلال مسعاه لمواقف مختلفة تكشف عن نظرة الأمريكيين للدين الإسلامي ومعتنقيه. ما قام به هذا الفيلم كان من المفروض أن تقوم به السينما العربية.

الفيلم الهندي- الأمريكي "اسمي خان ولست إرهابياً"

إلى هذه الدّرجة لم ننتج أفلاماً عربية منخرطة في تصحيح صورتنا المشوّهة؟!

لك أن تندهش. فالأفلام العربية التي صحّحت صورة العربي والمسلم المتهمة بالنزعة الإرهابية محدودة جدّاً. وأغلبيتها كوميدية موجهة للاستهلاك المحلّي والعربي، من بينها فيلما المخرج نادر جلال "أمن دولة" و"الإرهاب" الذي لعب دور البطولة فيه عادل إمام، هذا الأخير الذي كان بطلاً أيضاً للعديد من الأفلام التي نَحَتْ هذا النحو، مثل؛ فيلم "السّفارة في العمارة"، و"الإرهاب والكباب". لقد قزّمت هذه التناولات البسيطة خطورة الموضوع وأهمّيته.

كانت القضية الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا التي تعرّضت للتشويه سينمائياً، من زاوية تحديد مفهوم الإرهاب. هل هناك تكافؤ بين الرؤيتين العربية والإسرائيلية، من حيث الفرص المتاحة لكلتيهما؟

سيطرة اليهود والمتعاطفين معهم على معظم الشركات الكبرى للإنتاج السينمائي والإعلامي في هوليود وفي العديد من بلدان العالم معروفة. وهذا لم يأتِ من فراغ؛ بل هو ممتدّ زمنياً إلى ما قبل تأسيس كيانهم. لهذا نرى في العديد من الأفلام التي تناولت ثيمة فلسطين/ إسرائيل، أنّ الفرد الفلسطيني إرهابي. وبالنظر إلى قلّة الإمكانيات، فقد بقيت الأفلام الفلسطينية الجيّدة بعيدة عن الجمهور العالمي.

سيحفظ التاريخ الإنساني أنّ الإنسانية تعرّضت في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين لتجربة قاسية وسوداء تسمّى "داعش". وستكون الأعمال السّينمائية من بين الوثائق، التي سيعتمد عليها في حفظ هذه التجربة مستقبلاً. هل قامت السينما العربية فعلاً بما يجب أن تقوم به للقيام بهذه المهمّة؟

ثمّة بعض التجارب في التوثيق لهذه التجربة. معظمها أفلام سورية، مثل فيلمي "الأم"، و"الأب" لباسل الخطيب، و"الرابعة بتوقيت الفردوس" لعمر عبد العزيز، و"في انتظار الخريف"، أما الأفلام الحديثة جداً، فهي فيلم "حرائق"، وفيلم "طريق النحل" لعبد اللطيف عبد الحميد"، الذي سبق له أن أخرج فيلماً في الاتجاه نفسه، وهو فيلم "أنا وأنت أمّي وأبي"، كما أنّ هناك الفيلم التونسي "زهرة حلب" للمخرج رضا الباهي، والفيلم الجزائري "الطريق إلى إسطنبول" للمخرج رشيد بوشارب. هذه هي أهمّ الأفلام التي وثقت لتجربة "داعش". ومن المؤكد، ستكون جهداً توثيقياً مهمّاً مستقبلاً. خصوصاً الأفلام السورية، التي كان "ديكورها" حقيقياً، من مخلفات التنظيم، وما فعله في هذه الرّقعة الجغرافية من العالم.

الفيلم التونسي "زهرة حلب" للمخرج رضا الباهي

في المقابل، ومن المفارقات المثيرة للدهشة، اعتمد هذا التنظيم الإرهابي على التقنيات السينمائية المتطوّرة في تمرير خطاباته ورسائله وأفلامه الدّعائية، كما لو كان يملك إمكانيات هوليوود. كيف تقرأ هذا المعطى؟

من الصّعب أن أصدّق أن تلك الأفلام المصوّرة، هي صنيعة التنظيم وحده. فالسينما والدعاية والأفلام ذات التقنية العالية علم وفنّ يلزمهما مختصون وأجهزة متطورة وتقنية عالية وأيادٍ ذات خبرة في هذا الميدان.

بعد أن تمّ استرجاع الأرض من التنظيم في العراق وسوريا، وأغلب الظنّ أنّ الأمر نفسه سيحدث في بقية الدّول المبتلاة به مثل ليبيا ونيجيريا. أيّ دور للسينما مستقبلاً، في فضح خطاب هذا التنظيم والعودة إلى السّياقات التي تشكّل فيها؟

من واجب السينما أن تضع الناس، الذين لم يعايشوا هذه التجربة أمام هذه الصورة القاتمة، وتوصل لهم الألم والفقد الذي عايشه الضحايا وأسرهم، كي يعرف الكل هذه المعطيات، ويتذوقوا طعم الحزن عن طريق الشاشة على الأقلّ، حتى لا تتكرر التجربة مرة أخرى. وفي الوقت نفسه من حقّ الناس أن يعرفوا عن طريق السينما والأفلام ما لم يعرفوه واقعاً، لإعادة اكتشاف الألم وحبسه في الماضي حتى لا يتكرّر في الحاضر أو المستقبل.

لكنّ الأمر لم يتوقف عند معاناة الأشخاص والأسر؛ بل تعدّى إلى خراب الدّول والمؤسّسات.

بالضبط، هناك خراب عمراني كبير، طال العديد من الدول ومدنها ومؤسساتها ومعالمها الأثرية والتراثية، من بينها ما هو مصنف عالمياً. لم يحدث لها شيء على مدار قرون مضت، رغم الحروب التي تعاقبت عليها، لكن بمجرد مرور جماعات مشبعة بالتطرف الديني، تحولت هذه المعالم والمدن إلى أثر بعد عين.

من الفنون التي انبرت عفوياً لتشريح خطاب العنف والإرهاب فن الرواية، ما مدى استفادة السينما العربية من هذه المتون الروائية؟

أعتقد أنّ السينما العربية لم تستفد من الرواية إلا في حالات نادرة، خاصة السينما الحديثة، فما بالك بالروايات التي تناولت موضوع الإرهاب. في الجزائر مثلاً هناك العديد من الأعمال الروائية التي تناولت الإرهاب من زوايا عديدة، لكن المخرجين لم ينتبهوا إليها، ولم يستثمروها سينمائياً.

على ذكرك للجزائر، تعدّ فضاء سبّاقاً عربياً وعالمياً إلى المعاناة من العنف والإرهاب، مع ذلك ظلّت معالجة المأساة سينمائياً محتشمة وعابرة. ما هي خلفية هذا الخيار؟

لا أتّفق معك في صفة "محتشمة"؛ لأنه وحسب تصنيفي الخاص بأنّ الأفلام الجزائرية التي تناولت موضوع "الإرهاب" تأتي ثانياً من حيث التناول بعد "السينما الثورية"؛ إذ هناك العشرات من الأفلام التي تناولت هذا الموضوع. والسينما الجزائرية من أكثر سينمات العالم العربي تقديماً وتناولاً لهذه الـ "ثيمة"، وهذا عن طريق مخرجين كبار، مثل ثلاثية المخرج مرزاق علواش: "باب الواد سيتي" و"العالم الآخر" و"التائب"، وثلاثية نذير مخناش الشهيرة، وهي "حريم عصمان" و"تحيا الجزائر" و"بالوما اللذيذة"، والتي قارب فيها الأزمة ذاتها مغطّياً كل مراحلها الزمنية، ناهيك عن الفيلم الذي أثار جدلاً واسعاً، وهو فيلم "رشيدة" ليمينة شويخ، وفيلمي "يمّا" و"بركات" لجميلة صحراوي، وفيلم "البطلة" لشريف عقون،. إنّ هذه الأفلام وغيرها أنتجت واقع ذلك الزمن من منظورها الخاص، وذهبت مباشرة إلى مشاهد الأزمة وأعراضها، من دون أن تنقل المُسببات الحقيقية لها، متطرقة إلى الجانب الأمني من الأزمة، ومُتناسية، عن قصد أو غير قصد، الجانب السياسي المحرك للعملية برمّتها، والأسباب الحقيقية التي أدّت هذا الوضع.

الفيلم الجزائري: "رشيدة" ليمينة شويخ، الذي أثار جدلاً واسعاً

لكن ألا ترى أنّ معظم الأفلام التي ذكرتها هي ثمرة لمبادرات شخصية أو أجنبية. فالحكومة تتعمّد تحاشي موضوع الإرهاب في منابرها وإنتاجاتها، حتى لا تشوّش على مشروع المصالحة؟

الأعمال التي ذكرتها مدعومة بشكل كلي أو جزئي من المؤسسات الجزائرية، باستثناء قلة قليلة جداً، يعني الحكومة تعرف جيداً محتواها. نعم الدولة لا تريد أن تشوّش على مشروع المصالحة الوطنية لكن في الوقت نفسه لا تريد من الشعب أن ينسى؛ لأن ملف الأمن أهم ورقة يعتمد عليها النظام الحالي لضمان استمراريته، خاصة أنّه لم يعد هناك مال لشراء السلم الاجتماعي، فلم تعد هناك إلا ورقة الأمن والإرهاب، بمعنى آخر النظام يريد طي صفحة الإرهاب في الجزائر، لكنه في الوقت نفسه لا يريد حرق كتاب هذه الأحداث، وسأجلب دليلاً آخر، هو عرض المؤسسة الوطنية للتلفزيون الجزائري عن طريق إحدى قنواتها خلال الشهور الماضية، فيلماً وثائقياً عن الأحداث الدامية التي وقعت في الجزائر؛ حيث تم نشر صور دامية ومؤلمة جداً، تركت أثراً كبيراً في المشاهد الجزائري، وأعادت إحياء الألم عنده. وهي صور لم تبث حتى في أكثر أوقات الإرهاب فتكاً، وقد عرضها التلفزيون الجزائري، بإيعاز من قبل الحكومة، حتى لا تتكرّر التجربة مرّة أخرى.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية