ماذا يستبطن فرح الولي الفقيه بنتائج الانتخابات اللبنانية؟

لبنان

ماذا يستبطن فرح الولي الفقيه بنتائج الانتخابات اللبنانية؟


13/05/2018

يتجدد السجال في المشهد اللبناني، بعد كل حدث، وعند كل منعطف. وآخر الأحداث كان الانتخابات البرلمانية، بعد توقف تسع سنوات، وحملت نتائجها فرحاً لطهران التي اعتبرت فوز أنصارها "انتصاراً للمقاومة ضد العدو الصهيوني".

الانتخابات جرت وفق قواعد انتخابية جديدة؛ حددها قانون ما عرف بـ"النسبية"، والذي تم إقراره، بهدف تفادي التصويت الطائفي؛ حيث يجري التصويت، على البرامج السياسية واللوائح الحزبية، بدلا من انتخاب شخصيات محددة، ويعتمد القانون على التنافسية بين التكتلات السياسية، في دوائر انتخابية كبرى، بحيث تفوز كل لائحة متقدمة، بعدد من المقاعد النيابية، يتساوى والنسبة المئوية، التي تنالها اللائحة من مجموع عدد المقترعين.

القانون الانتخابي اللبناني لا يغير من التوزيع الطائفي سياسياً ويراعي الأحزاب والطوائف، بينما لا يراعي الافراد

ولئن تعتبر هذه الآلية الانتخابية، وسيلة مثالية لتحقيق التنافسية، بشكل يضمن حظوظاً عادلة، بين المرشحين، لكن، في الحالة اللبنانية، وصفها منتقدوها، بأنها مجرد "عصرنة لـ"الطائفية". وذلك في ضوء عدة اعتبارات مهمة، تحكم النظام السياسي، من بينها، غياب الدولة المدنية الديمقراطية، وترسيخ القوى السياسية والحزبية، للبيروقراطية الطائفية، التي تشمل ناخبيها. كما تتوزع بيئات الناخبين والمرشحين معاً، وتمثيلهم المناطقي، على أساس مذهبي.

عكست نتائج الانتخابات اللبنانية، التي جاءت بنسبة مشاركة، نحو 49.20%، حقائق كثيرة، على المستويين المحلي والإقليمي؛ بتعقيداتهما والتباساتهما، وصراعات القوى المختلفة، التي تحاول الهيمنة وفرض نفوذها، وقلق المستقبل الذي يشحن الأجواء ويجعلها مفتوحة على كافة السيناريوهات.

إعلان طهران دعمها للثنائي الشيعي في لبنان

كشفت النتائج الرسمية، تقدم الثنائي الشيعي؛ حزب الله وحركة أمل، وتراجع تيار المستقبل، الذي يتزعمه رئيس الوزراء، سعد الحريري. واعتبر علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، أنّ "هذا الانتصار وتصويت الشعب اللبناني للائحة المقاومة (يقصد حزب الله)، ناتج عن تأثير السياسات اللبنانية الراهنة، في الحفاظ على استقلال ودعم سوريا أمام الإرهابيين"، بحسب تعبيره.

ووصف ولايتي نتائج الانتخابات اللبنانية بأنّها "جاءت استكمالاً للانتصارات العسكرية اللبنانية، بقيادة حزب الله، في مواجهة الكيان الصهيوني".

وفي الوقت، الذي قال فيه، رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري إن حركة تيار المستقبل، التي يقودها، قد فقدت نحو ثلث مقاعدها، في أول انتخابات برلمانية، في لبنان منذ 9 سنوات. وجاء أول تعليق، من الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بأنها "نصر سياسي ومعنوي لخيار المقاومة".

واعتبر الأمين العام لحزب الله، أن "تركيبة المجلس النيابي الجديد تشكل ضمانة وحماية وقوة كبيرة لحماية خيار المقاومة". بحسب رأيه.

ردد أنصار الحزب هتافات حملت مقولات طائفية صريحة؛ مثل: "بيروت صارت شيعية"

لبنان على تخوم الصراع الديني والطائفي

الحريري عزا نسبة الإقبال المنخفضة، في الانتخابات، إلى القانون الانتخابي الجديد، الذي يبدو أنّه تسبب بإرباك وإحباط الناخبين، وقال: "المشكلة في هذه الانتخابات أن الكثير من الناس لم يفهموها".

منذ خروج الجيش السوري من لبنان، فرض "سلاح" حزب الله، المطعون في شرعيته وقانونيته، هيمنته الميدانية، وجعل العديد من المناطق اللبنانية، عبارة عن مربعات مذهبية تحكمها ميلشيات أمنية، تابعة للحزب، تفرض سلطتها وهيمنتها، على المواطن والدولة، وتتحكم في مفاصل الدولة، وتعتمد على اقتصادياتها الخاصة، ناهيك عن الدعم السخي بالمال والسلاح، من الحكومة الراعية، في طهران.

وليس ثمة مشهد أدل على القوة التي عني بإيضاحها حزب الله، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات، غير الرسمية، وفوزه فيها، من خروج عناصر تابعة له، في ظاهرة الموتوسيكلات، التي يقودها شباب مراهقون، تجوب شوارع بيروت في مظاهر احتفالية، لم يخل منها السلاح، وممارسات عنف عديدة، شهدت الاعتداء على الممتلكات العامة، والاشتباك مع بعض المواطنين، الذين حاولوا الاعتراض أو تصوير الفعاليات.

طائفية حزب الله

وبلغ المشهد ذروته ودلالته، عندما تم رفع علم حزب الله ليغطي تمثال رفيق الحريري، وهو ما يمثل في الحساب الطائفي انتهاكاً لوجدان الجماعة السنية. وردد أنصار الحزب هتافات حملت مقولات طائفية صريحة؛ مثل: "بيروت صارت شيعية".

وتخدش هذه الحوادث في بيروت، ذاكرة اللبنانيين، التي تتماثل مع حادث نفذته العناصر الميلشياوية، لحزب الله، ، منذ عشرة أعوام، ويصادف أنها تتزامن في نفس التاريخ، مع اجتياح قوات الحزب في السابع من أيار (مايو) 2008، العاصمة اللبنانية، بسبب إصدار مجلس الوزراء اللبناني، قراراً مفاده مصادرة شبكة الاتصالات التابعة للحزب، وإقالة العميد، وفيق شقير، قائد جهاز أمن مطار، رفيق الحريري، الدولي في بيروت ولجأ الحزب إلى سلاحه، في مواجهة الحكومة لإرغامها على العدول عن القرارين.

وتحركت يومها قوات "حزب الله"، الذي وصفه حسن نصر الله بـ"اليوم المجيد"، من مربعاتها الأمنية، في الجنوب اللبناني، لتسيطر على العاصمة، بشكل كامل، ونفذت سلسلة اعتداءات، على الأهالي والمرافق الاقتصادية والخدمية، فضلاً عن إغلاق مطار رفيق الحريري.

 

 

استثمار الساحة اللبنانية في الصراع الإيراني الإسرائيلي

"لن أزعم أن فوز الله، ليس مفاجئاً، لفئات عديدة. لكن، الأهم هو فهم العوامل، التي أدت إلى هذا المآل، والمتحكمة في استمراره، وفحص تداعياته الكثيرة، على الواقع اللبناني السياسي المحلي، وتداخلاته العميقة والمؤثرة، التي تتقاطع والقضايا الإقليمية، لا سيما في سوريا، واحتمالات نشوب حرب مع إسرائيل، في ظل تمدد نفوذ حزب الله". يقول عمار أيوب، الباحث في العلوم السياسية.

ويؤكد في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الخيار الذي فرضه الناخبون، في تصويتهم، يكرس للطائفية المتجذرة في وعيهم، والتي تعمل على تثبيتها الخطابات السياسية، بعناصرها، التي تستمد شرعيتها ومقوماتها، من الصراع المذهبي، والاستقطاب الديني الأقلوي، بدون استثناء. وسوف يؤدي، على كل حال، إلى استثمار الأرض اللبنانية، كساحة حرب بين إيران وإسرائيل، عبر وكلائها، في حزب الله، واستمرار الحرب في سوريا، وعودة الوصاية السورية، التي حل مكانها الحزب بميلشياته، منذ خروج الجيش السوري، في عام 2005.

نتائج الانتخابات ستؤدي إلى استثمار الأرض اللبنانية كساحة حرب بين إيران وإسرائيل عبر وكلائها في حزب الله

ويضيف، الباحث في العلوم السياسية، أن تقسيم الدوائر، وفق القانون النسبي الجديد، يصب في غالبيته لصالح حزب الله. على سبيل المثال: جرى دمج بيروت في دائرتين هما: الأشرفية، والرميل والصيفي، مع المدور والمرفأ والباشورة، حيث يتواجد فيهما نحو ثلاثين ألف شيعي، يقررون مصير الدائرة.

من جهته، يقول الكاتب الصحافي اللبناني، بشير اللقيس، لـ"حفريات" إنّ القانون الانتخابي النسبي، لا يمكن أن يؤخذ بمعزل عن السياقات السياسية، التي سبقت اتخاذه، وخصوصاً، الأحداث التي وقعت بسوريا، وانعكاساتها علي الساحة اللبنانية؛ مثل، تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، التي سميت "حكومة حلب"؛ وهذا شيء يعني أن الحكومة جاءت عبر توازنات لها علاقة بالساحة السورية.

ويؤكد، أنّ الفترة الماضية، عاش لبنان حالة تفكك، بين القوى التقليدية؛ وذلك ناتج عن المرجعيات، التي تنتمي لها هذه الجماعات، إقليمياً ودولياً، والتي تعيش حالة استنزاف قوي، في ظل الصراع الإقليمي التي تشهده المنطقة.

وأردف، اللقيس، أنّ القانون النسبي، الذي اتفقت عليه، كل الكتل السياسية، الأساسية في لبنان، حمل اتفاقاً شبه رسمي بقبوله، كنظام انتخابي، لكن، في الوقت ذاته، هناك اتفاق ضمني، ألا يغير ذلك القانون، من التوزيع الطائفي في لبنان سياسياً. مع الأخذ في الاعتبار، أن القانون يراعي الأحزاب والطوائف، ويخدم لوائحها الانتخابية، بينما لا يراعي الافراد، وبالتالي، لا يمكن لفرد مستقل، أن يدخل الانتخابات، إلا إذا انضم للائحة أو كتلة من "البيوتات السياسية"، التقليدية والعريقة، التي تملك مناصرين وكتل تصويتية مؤثرة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية