سوريا إذ تتحول إلى ساحات مفتوحة لحروب بالوكالة

سوريا والحرب

سوريا إذ تتحول إلى ساحات مفتوحة لحروب بالوكالة


19/04/2018

ما تزال الحرب السورية، تتمخض عن فصول صعبة، وأحداث مأساوية، فضلاً عن مسارات مطردة، تراوح بين التعقيد والغموض؛ الذي لا يسفر سوى عن مزيد من القتل والتوحش والإبادة والتهجير لآلاف للسوريين، بسبب ما تعيشه المدن السورية، تحت وطأة جحيم الآلة العسكرية للنظام وحلفائه الإقليميين والدوليين.

بيْد أن واقع ومآلات الأحداث في سوريا، قد حولتها إلى ساحة حرب إقليمية، ومنطقة صراع على النفوذ، بين اللاعبيين الدوليين، بالشكل الذي يضع المنطقة، في لحظة توتر شديدة، تنبعث معها عناصر الخوف والقلق، من احتدام مواجهة عسكرية، بين أطراف الصراع، وذلك منذ استدعى "الأسد" ميلشيات حزب الله اللبناني، المدعومة من إيران؛ سياسياً وعسكرياً، لقمع الثورة ومساندة نظامه.

ونتج عن ذلك الاستدعاء للحليف الإيراني، تطييف الاحتجاجات الشعبية من قبل النظام، الذي فتح جيوباً من الصراعات السياسية، على أسس هوياتية ودينية، وبث صورة طائفية ومذهبية، لعناصر الصراع ومكوناته في سوريا، بغية إخفاء جذوره الحقيقية، وهو ما سمح لنظام الأسد، بهامش واسع، للمناورة، وطرح دعاية طوال الوقت، عن كونه يحارب الإرهاب والتطرف السني، المدعوم من قوى إقليمية. ومنذ أواخر عام 2011، تطورت الميلشيات الشيعية، في سوريا، التي عرفت بـ"اللجان الشعبية"، مدفوعة من النظام، الذي ساهم في خلق اصطفافات طائفية، بين السكان المحليين، فتكونت أول جماعة مسلحة، عرفت باسم "لواء أبو الفضل العباس".

الحرب المتوقعة في سوريا حرب طاحنة بالوكالة بين جيوش نظامية، وهو ما يفتح أبواب الصراع على مصراعيها من جديد

ميلشيات إيران في سوريا

وتتابعت الألوية بعد ذلك، كما تضاعف أعداد المسلحين المنضوين، في تلك التشكلات؛ حيث بدأت أعدادها في أيام الحرب الأولى، لا تتجاوز الـ5 آلاف مقاتل، إلى أن أصبحت الأعداد ترقى اليوم إلى نحو 30 ألف مقاتل، جميعهم يخضعون لهيمنة الحرس الثوري الإيراني. واستضافت إيران العديد من المقاتلين، خلال سنوات الحرب، مثل، فاضل صبحي، ويكنى بـ"أبو هاجر"، والذي لقى مصرعه في مدينة درعا، في أيلول (سبتمبر) 2013.

ولئن باتت سوريا تنكمش خرائطها وتتمدد، وفقاً لمصالح القوى الإقليمية، فلم يعد الموقف من "الأسد"، والتفاوض حول مسار سياسي، للخروج الآمن لنظامه من عدمه، يحتل أولوية في النقاش السياسي، بقدر ما يتجاوز الأمر ذلك، إلى الدور الذي تؤديه وتقوده إيران، في المنطقة، سواء في سوريا والعراق، أو اليمن ولبنان، والنفوذ المتنامي لها، الذي يجعل من الأسد مجرد تابع وهامش لوجودها.

وحملت الضربة العسكرية، التي وجهتها الولايات المتحدة، بالتعاون مع فرنسا والمملكة المتحدة، للمواقع العسكرية السورية، متغيراً جديداً في السياسة الأمريكية، التي اتخذت موقفاً، نأى بها عن الانخراط عن المجريات السورية، إلا بالحد الأدنى الذي وضعه الرئيس السابق أوباما؛ حيث فرضت الإستراتيجية الأمريكية رؤيتها، باتجاه قيادتها جهود التحالف الدولي، لمحاربة تنظيم "داعش"، وتكوين مظلة لهيمنة قوات سوريا الديمقراطية، على منطقة شرق الفرات.

الميليشيات الإيرانية في سوريا تسبب قلقاً لجميع الأطراف

الضربة الغربية الثلاثية

حدد الثالوث الغربي ضربته التكتيكية المحدودة، وانحصر نطاق أهدافها في دمشق؛ حيث استهدفت بصواريخ أطلقت من فرقاطات وقاذفات، نحو 3 منشآت رئيسة، للأسلحة الكيماوية، من بينها، مركز للبحوث الكيميائية، في حي برزة الدمشقي، ما أدى إلى تدمير مبنى، يحتوي على مركز تعليم ومختبرات، يستخدمه النظام في تطوير أسلحة كيماوية وبيلوجية، بالإضافة إلى قاعدة جوية، في غرب دمشق، بالقرب من الحدود اللبنانية. وفي الوقت الذي تبدو فيه السيناريوهات مفتوحة، على عدة ترجيحات، لكن، تشير جميعها إلى مواجهة إقليمية محتملة، وذلك في ضوء استمرار تمدد نفوذ إيران، وترسيخ وجودها لخلق هيمنة على "الهلال الشيعي"، الممتد على طول البحر المتوسط.

وسيدفع ذلك الوضع إلى الضغط المستمر والاحتكاك المتواصل، الذي يبعث بتوترات إقليمية، ويرشح الأحداث للانفجار والمواجهة المباشرة، بين إيران وروسيا من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى خاصة، مع تزايد هذا النفوذ في الشمال السوري، من جانب محور إيران، المتمثل في حزب الله، تحت حماية ودعم روسي، ومحاولاتها تدشين قواعد وصواريخ دائمة، في سوريا ولبنان.

إسرائيل تمثل عائقاً أمام الوصول إلى تسوية، لا تحقق مصالحها في سوريا، وعلى رأسها، طرد إيران من المنطقة

إعادة رسم سياسات الشرق الأوسط

وتفصح عبارات مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في حوار له على قناة "فوكس" عن رؤية واشنطن الإستراتيجية والكلية، لمجريات الأحداث في سوريا، التي تتجاوز نظام الأسد، إلى إعادة رسم سياسات الشرق الأوسط، وتقليص النفوذ الإيراني مباشرة، وتصفية تهديداتها، على استقرار المنطقة. وقال: "أعتقد منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، منذ نحو سبع سنوات تقريباً، أنّ موضوع سوريا، للأسف، وعلى رغم أن الشأن السوري قد يبدو مأسوياً، إلا أنه مجرد مشهد ثانوي بالنسبة إلى الصورة الإستراتيجية الأكبر للشرق الأوسط".

الباحث السياسي محمد العجاتي، أكد في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الضربة الأمريكية بطبيعتها ضربة محدودة، ولمرة واحدة فقط، ولا تعنى اشتباكاً أمريكياً كاملاً مع الأحداث، وإنما هي محاولة شديدة المحدودية للخروج من العزلة، ولا توجد نية أمريكية للاشتباك المباشر مع إيران. وقال إن إسرائيل تمثل عائقاً كبيراً، أمام أي محاولة للوصول إلى تسوية، لا تحقق مصالحها في سوريا، والتى يأتي على رأسها، طرد إيران من المنطقة وضرب حزب الله، وعليه فإنّ إزاحة المطالب الإسرائيلية، يمكن أن يحقق إنفراجة في الأزمة، ويرضي كافة الاطراف.

هل تشكل الضربة الثلاثية مقدمة لتغيير السياسات الدولية في سوريا؟

وبحسب العجاتي، فإن أزمة ترامب الداخلية، قد تكون سبباً من ضمن الأسباب، التي دفعته إلى توجيه تلك الضربة، التي لا قيمة لها عسكرياً، وهي الأزمة الداخلية نفسها التي يواجهها نتانياهو، والتي تتحدث تقارير عديدة، وحاجته هو الآخر، لشن حرب إقليمية محدودة، لكن الأمر بالنسبة له أكثر تعقيداً، فلن يستطيع اكتساب أية شرعية الآن، تمنحه تبريراً لتوجيه ضربة لقطاع غزة، ولا يمكن أن يتورط في مغامرة أخرى، بتوجيه ضربة لحزب الله، داخل لبنان، بعدما استوعب درس 2006 القاسي، ولن يستطيع تبرير ذلك أمام العالم، وأي فعل غير محسوب، داخل الأراضي السورية، قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران أو روسيا، وهو الأمر الذي يعرض كيان إسرائيل للخطر، ونيتنياهو رغم دمويته، فإنه يتميز بالدهاء الشديد، فهو يدرك أن أي ضربات قد يوجهها لأهداف سورية، سوف تبقى في أضيق نطاق، بحيث لا ينتج عنها أي استفزاز للقوى الفاعلة، وعلى أي حال فإن التدخل الإسرائيلي المباشر سوف يقلب الأمور رأساً على عقب، ويؤدي إلى أزمة دولية تتورط فيها كل القوى المتناحرة، لكنها لن تكون حرباً عالمية، وإنما حرب طاحنة بالوكالة بين جيوش نظامية، وهو ما يفتح أبواب الصراع على مصراعيها من جديد.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية