مآلات التصعيد الحوثي والرد المتوقع للتحالف العربي

السعودية واليمن

مآلات التصعيد الحوثي والرد المتوقع للتحالف العربي


12/04/2018

يواصل الحوثيون التصعيد ضدّ المملكة العربية السعودية، بإطلاق الصواريخ الإيرانية على أهداف في الرياض، ومناطق جنوب المملكة. وفي تطور لافت، وللمرة الأولى في سير المعارك، أطلق الحوثيون قبل يومين طائرات مسيرة إيرانية الصنع، ومن الواضح أنّ قوات التحالف العربي، خاصة السعودية، ما تزال تملك زمام المبادرة للتعامل عسكرياً بإسقاط هذه الصواريخ والطائرات المسيرة، من خلال منظومات الدفاع الجوي.

أصبح ارتباط التصعيد العسكري الحوثي واضحاً بعاملين أساسيين؛ الأول: خسائر الحوثي المتتالية في جبهات القتال المختلفة، خاصة في مناطق الحديدة ومنطقة الساحل الغربي، واقتراب عمليات التحالف من محيط صنعاء.

الأهم لخلاص اليمن إنقاذه من قبضة إيران التي ما دخلت أرضاً إلّا أنزلت الخراب والدمار على رؤوس أهلها

والثاني: الأوامر الإيرانية المباشرة من الحرس الثوري الإيراني لجماعة الحوثي؛ إذ إنّ الغالبية من عمليات إطلاق الصواريخ التي تتم من قبل الحوثي تتزامن مع تصعيد ضدّ إيران، فلا يمكن عزل أسباب التصعيد الحوثي بإصابة باخرة نفط سعودية في عرض البحر قبل أيام، عن نجاحات زيارة ولي العهد السعودي إلى أمريكا وفرنسا، والزيارة المنتظرة لولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، إلى أمريكا، هذا إضافة إلى التصعيد الذي تشهده القضية السورية، والاحتمالات القوية بتوجيه ضربة عسكرية لقوات النظام السوري، والقواعد والمليشيات الإيرانية في سوريا.

وتطرح اليوم جملة من التساؤلات حول ردّ الفعل المتوقع من قبل قوات التحالف العربي، خاصة السعودية والإمارات على هذا التصعيد؟ ويبدو أنّ السعودية ليست بموضع ضغط، لتمارس ردود فعل متسرعة وانتقامية مباشرة، على كلّ صاروخ يطلق على المدن السعودية، في ظلّ قدرتها على التعامل مع المقذوفات الحوثية، وإفشالها في تحقيق أهدافها، خاصة أنّ ولي العهد السعودي أكّد في فرنسا، قبل أيام، قدرة التحالف على إنهاء سيطرة المليشيات الحوثية على صنعاء خلال أيام، إلا أنّ ذلك سيعمل على إزهاق أرواح كثير من المدنيين، وهو ما تحاول قوات التحالف تجنبّه، كما أنّ استمرار إطلاق الصواريخ الإيرانية على المدن السعودية، يراكم "تفهم" المجتمع الدولي، لأيّ ردٍّ عنيف قد تقدم عليه قوات التحالف في مراحل لاحقة.

السعودية ليست بموضع ضغط، لتمارس ردود فعل متسرعة وانتقامية مباشرة، على كلّ صاروخ يطلق على المدن السعودية

وعلى الصعيد السياسي؛ فإنّ تعقّد المشهد اليمني بين ثلاث قوى رئيسة هي:

أولاً: الحوثي المتمسك بنتائج الانقلاب، المطالبة بالتعامل معها باعتبارها واقعاً، والضغوط الإيرانية عليه من قبل الحرس الثوري، وطرح مبادرات لذرّ الرماد في العيون، وصياغة إستراتيجيته على أساس رفع لافتة أنّ الحصار الذي يفرضه التحالف غير قانوني، ويسهم في انتشار المجاعة والأمراض، مع قيامه بسرقة أيّة مساعدات إنسانية، وإخضاع عمليات توزيعها، للموالين له وحلفائه.

ثانياً: الحكومة الشرعية في عدن، وقد أصبح واضحاً أنّ هذه الحكومة تعاني جملة من المشكلات؛ منها ما هو داخلي مرتبط بتشكيلها، ومنها ما هو مرتبط بكثرة خصومها من غير الحوثيين، خاصة في عدن، وخوض معارك مع هؤلاء الخصوم لا تخدم مواجهة ودحر العدو المشترك لليمن، وهو تنظيم أنصار الله الحوثي.

ثالثاً: بقايا المؤتمر الوطني المتعثّر، والمنقسم على نفسه بين الحوثيين، إمّا باعتقال بعض قادته، أو محاولات تجميع بقاياه التي يقودها بعض أفراد عائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، يضاف إلى ذلك القاعدة وداعش التي تعدّ قوى هامشية، وجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بـ "الإصلاح"؛ حيث تؤيد تيارات في هذه الجماعة الحوثي، وتنسّق معه، وتخوض القتال إلى جانبه، في إطار ارتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع القيادة الإيرانية.

ومن الواضح أنّ التصعيد في المعارك سيبقى السيناريو الأكثر احتمالاً، على حساب المسار السياسي والتفاوضي، خاصة في ظلّ الانتصارات المتتالية على الحوثيين، في مناطق الساحل الغربي حول الحديدة، وتراجع سيطرة الحوثي على محيط صنعاء؛ إذ تشير تقارير دولية إلى أنّ قوات الجيش الوطني أصبحت على بعد بضع كيلو مترات من صنعاء، ومع ذلك فإنّه لا يمكن الوصول إلى معركة حسم ضدّ الحوثيين، في ظلّ خلافات الحكومة الشرعية.

احتمالات استمرار الحرب في اليمن، تبدو هي الأقوى، خاصة بعد الخسارات المتتالية للحوثي

ورغم ذلك، تبقى الفرصة مواتية، وإن بدت ضعيفة، للسيناريو الثاني، المتمثل بإمكانية تحقيق اختراق سياسي في المفاوضات التي يجريها المبعوث الأممي الجديد لليمن "غريفيث"، في ظلّ لقائه، للمرة الأولى، مع عبد الملك الحوثي، ووجود وساطة تقودها سلطنة عُمان بالتنسيق مع الإيرانيين، علاوة على الضغط الدولي لإيجاد حلّ سياسي في اليمن.

وفي الخلاصة؛ فإنّ احتمالات استمرار الحرب في اليمن، تبدو هي الأقوى، خاصة بعد الخسارات المتتالية للحوثي؛ حيث يدرك التحالف العربي أنّه كلّما طال أمد الحرب، يخسر الحوثي مزيداً من الأرض والحلفاء من القبائل، أو من بقايا المؤتمر الوطني، وممّن يراهنون على إمكانية نجاحه في قيادة اليمن، وهو ما يؤكد حقيقة عدم قدرة جهة وحدها على قيادة اليمن، وأنّه لا الحكومة الشرعية، ولا الحوثيون، لديهما القدرة على قيادة اليمن، وأنّ الأهم لخلاص اليمن، قبل كلّ شيء، إنقاذه من قبضة إيران، التي ما دخلت أرضاً إلّا أنزلت الخراب والدمار على رؤوس أهلها، ففي العراق وسوريا ولبنان وغزة عبرة.

*كاتب وخبير بالأمن الإستراتيجي

الصفحة الرئيسية