أشهر المجاعات في التاريخ الحديث

تاريخ المجاعات

أشهر المجاعات في التاريخ الحديث


20/03/2018

عرفت البشرية عبر تاريخها العديد من الكوارث؛ من الأوبئة، والحروب، والزلازل، والأعاصير، وتعتبر "المجاعات" من أخطر هذه الكوارث وأشدّها، التي حصدت، وما تزال، حياة الملايين من البشر قديماً وحديثاً.
ولم تتوقف أسباب المجاعات عند العوامل الطبيعية، كالجفاف، والفيضانات، وإنما لعب العامل البشري (السياسي بالأساس) دور المسبب الرئيس، كالحروب، أو سياسات الاستبداد.

سياسات بريطانيا التجويعية
ترجع أولى المجاعات الكبرى في العصر الحديث إلى منتصف القرن التاسع عشر، حين أصابت آفة محاصيل البطاطا في إيرلندا، وهي السلعة الأساسية التي كان يعتمد عليها آنذاك حوالي ثلث الشعب الإيرلندي كمصدر رزق رئيسي، عُرفت هذه المجاعة باسم "مجاعة البطاطا"، واستمرت في الفترة (1845 – 1847).

لم تتوقف أسباب المجاعات عند العوامل الطبيعية وإنما لعب العامل البشري دور المسبب الرئيس

كان للسلطات البريطانية دور أساسي في استمرار المجاعة وتفاقمها؛ حيث منع الأسطول البريطاني وصول المساعدات الخارجية إلى الأراضي الإيرلندية، وقد أدت المجاعة إلى مقتل حوالي 1.5 مليون إيرلندي، إضافة إلى هجرة حوالي مليوني شخص إلى أمريكا الشمالية، وهو ما تسبب بانخفاض عدد سكان الجزيرة الإيرلندية بنسبة 25% خلال أقل من ثلاثة أعوام.

تماثيل في إيرلندا تجسّد فلاحين يحملون محاصيل البطاطا الفاسدة

كانت بريطانيا قد تسببت أيضاً في سلسلة مجاعات خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وذلك في شبه القارّة الهندية، بدايةً من مجاعة البنغال العام 1770، التي كانت شركة الهند الشرقية المتسبب الأول فيها؛ حيث رفضت خفض الضرائب المفروضة على المزارعين، وهو ما أدى إلى فقدان المزارعين القدرة على ممارسة عملهم، وقد وصل عدد ضحايا المجاعة إلى 10 ملايين بنغالي، وهو ما كان يعادل ثلث السكان آنذاك.

ترجع أولى المجاعات الكبرى بالعصر الحديث إلى منتصف القرن 19 وتسببت بمقتل 1.5 مليون وهجرة مليوني إيرلندي

وعبر القرن التاسع عشر حصلت عدّة مجاعات في مناطق مختلفة من الهند البريطانية، كمجاعة "بيهار" (1873 – 1874)، ومجاعة "أغرا" (1837 – 1838)، ولكن المجاعة الكبرى كانت في الأعوام (1876 – 1878) التي أدت إلى موت 5.5 مليون هندي، وكان المتسبب الأساس فيها تصدير بريطانيا معظم كميات الطحين المُنتجة في الهند إلى بريطانيا.
ومع نهاية هذا القرن وقعت مجاعة  كبرى أخرى في العامين (1899 – 1900)، قُدِّرَ عدد ضحاياها بحوالي 1.25 مليون شخص، وكان السبب وراءها هو إصرار الحكومة البريطانية على زراعة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بالقطن الذي تحتاجه صناعة النسيج البريطانية، بدلاً من زراعة الموارد الغذائية.

من المجاعة الهندية الكبرى (1876 – 1878)..الانتظار للحصول على مساعدات غذائية

مجاعات الاتحاد السوفيتي
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، جاءت أولى المجاعات الكبرى في القرن العشرين، التي وقعت في روسيا عامي 1921 - 1922، وذلك في أعقاب اندلاع الحرب الاهلية الروسية (1918 – 1921)، التي جاءت بعد انتهاء ثورة 1917، حيث كانت القوات البلشفية تعمد إلى مهاجمة الفلاحين ونهب المحاصيل لتوفير حاجاتها من الغذاء، وهو ما أدى إلى سقوط من 5 – 6 ملايين ضحية، وذلك بعد أن كانت روسيا قد فقدت حوالي 20 مليوناً خلال الحرب العالمية الأولى.

ضحايا من المجاعة الروسية

وبعد حوالي 10 أعوام، في أوكرانيا، أكبر جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وقعت ثاني المجاعات الكبرى في القرن العشرين، وذلك في الأعوام (1932 – 1933)، وهي المجاعة التي اشتهرت باسم "الهولودومور" (وتعني: وباء الجوع، بالأوكرانية)، وتتراوح تقديرات الضحايا ما بين 3 إلى 12 مليوناً، وكان السبب الرئيس وراءها سياسياً؛ حيث حوصرت أوكرانيا خلال سنوات المجاعة من قبل السُلُطات السوفيتية، وذلك بهدف قمع الحركة القومية الأوكرانية التي كانت تسعى للانفصال عن الاتحاد السوفيتي آنذاك، وكانت أوكرانيا قبل المجاعة بلداً زراعياً توصف بأنها سلة خبز أوروبا، واليوم تصر الحكومة والبرلمان الأوكرانيان على اعتبار هذه المجاعة بمثابة إبادة جماعية متعمدة.

ضحايا أوكرانيون من "الهولودومور"

مجاعات الحرب العالمية الثانية
حملت الحرب العالمية الثانية مجاعات قاسية، وكان في مقدمتها مجاعة البنغال العام 1943، التي راح ضحيتها حوالي 7 ملايين بنغالي، وجاءت قبل نهاية الحكم البريطاني بـ4 أعوام، كان السبب وراء المجاعة هو سيطرة الإمبراطورية اليابانية واحتلالها المناطق التي كانت تعرف آنذاك باسم "الهند الشرقية الهولندية"، ومن ضمنها الأراضي البورمية المجاورة للبنغال، التي كانت بنغلادش تعتمد عليها في توفير أغلب مواردها من الطعام، ولكن اليابان قامت بتعليق التجارة والتصدير من بورما، ما أدى إلى تدهور في مخزون الغذاء البنغالي، وتفاقمت الأمور في العام 1943 بعدما ضرب إعصار البلاد، وتبعته فيضانات مدمّرة قضت على المحاصيل الزراعية، كما أدى تراجع اليابان والشعور بقرب هزيمتها في الحرب إلى لجوء ملايين الفارين من بورما نحو بنغلادش، وهو ما فاقم من شدة المجاعة، وضاعف من أعداد ضحاياها.

تسببت بريطانيا بسلسلة مجاعات خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في شبه القارّة الهندية بدايةً من العام 1770

وأما المجاعة الكبرى الثانية من مجاعات الحرب فكانت في فيتنام، ووقعت العام 1944، وبلغ عدد ضحاياها مليوني شخص، وكانت اليابان أيضاً المتسبب الأول فيها، إضافة إلى فرنسا؛ حيث احتلّت الإمبراطوريتان فيتنام، وقامتا بالسيطرة على الموارد واستخدامها لتلبية متطلبات الحرب العالمية المشتعلة آنذاك، وقد ترافق ذلك مع وقوع فيضانات دمرت أجزاء واسعة من المحاصيل الزراعية، إضافةً إلى ذلك كانت اليابان قد أجبرت المزارعين الفيتناميين على إنتاج موارد يحتاجها الجيش الياباني، كالمطاط، بدلاً من الغذاء.

ضحايا من المجاعة البنغالية العام 1943

مجاعة الصين الكبرى
جاءت المجاعة الكبرى التالية في الصين، في الفترة (1959 – 1961)، التي تتراوح تقديرات عدد ضحاياها من 20 إلى 30 مليون إنسان، لتكون بذلك أكبر المجاعات من حيث أعداد الضحايا.
كانت المجاعة قد بدأت بعد فيضانات واسعة في العام 1959، تبعتها موجة جفاف واسعة العام 1960، ولكن السبب الأساس في وقوع المجاعة كانت السياسات المفروضة من قبل الحزب الشيوعي الحاكم، الذي كان قد وضع خطة اقتصادية عرفت باسم "القفزة الكبرى إلى الأمام"، التي هدفت إلى تحويل البلاد من دولة زراعية إلى دولة صناعية؛ حيث اجتُثّ الفلاحون من أراضيهم الزراعية وأُرسِلوا إلى المصانع، لتوجه بذلك كامل الجهود إلى القطاعات الإنتاجية الصناعية (وبالأخصّ الحديد والصلب) دون الزراعية الغذائية.

اجتثاث المزارعين من أراضيهم ونقلهم إلى المصانع كان أحد أسباب المجاعة الصينية

إفريقيا.. ضريبة الطبيعة والصراعات
شهدت القارة الأفريقية وقوع سلسلة من المجاعات الكبرى، ولا يزال الملايين من سكانها يعانون إلى اليوم سوء التغذية ونقصاً حاداً في الغذاء، وجاءت أولى هذه المجاعات في إفريقيا، في شرقها، وتحديداً في أثيوبيا؛ حيث شهدت البلاد مجاعة قاسية في الفترة (1983 – 1985)، راح ضحيتها حوالي مليون أثيوبي، وكان لموجة الجفاف تأثير كبير في وقوع المجاعة، ولكن السبب الذي أدى إلى تدهورها هو سياسات الحكومة الأثيوبية التي هدفت إلى حصار المناطق المتمردة آنذاك.

وقعت أولى المجاعات الكبرى في القرن العشرين في روسيا عامي 1921 – 1922 وذهب ضحيتها 6 ملايين

وغير بعيد عن أثيوبيا، وفي العام 1992، وقعت أكبر المجاعات في الصومال، وذلك في أعقاب اندلاع الصراع المسلّح العام 1991، الذي ترافق مع موجة جفاف واسعة اجتاحت البلاد، وقد وصل عدد ضحايا المجاعة الصومالية إلى 300 ألف خلال عام واحد.
وفي العام 1994، وفي ذروة الحرب الأهلية السودانية، شهدت مناطق واسعة من جنوب السودان، وتحديداً منطقة "بحر غزال" في الجنوب الغربي، مجاعة شديدة، راح ضحيتها حوالي 100 ألف إنسان، وفي هذه المجاعة التقط "كيفين كارتر" صورته الشهيرة، التي صورت طفلاً سودانياً يحاول الاقتراب من مركز توزيع معونات بينما يترقب موته نسر جائع.

صورة "كيفين كارتر" الشهيرة التي حصل عنها على جائزة بوليتزر

مجاعة كوريا الشمالية
أما أحدث وآخر المجاعات الكبرى، فكانت مجاعة "كوريا الشمالية"، التي وقعت في الفترة (1994 – 1998)، وقُدّر عدد ضحاياها بـ 2.5 – 3 مليون ضحية. وكان المسبب وراء المجاعة موجة من الفيضانات والأمطار الغزيرة التي أتلفت المحاصيل الزراعية، ولكن، وبسبب سياسة الانعزال التي تتبناها الجمهورية، لم تصل أيّة مساعدات إغاثية من الخارج إلى الشعب الكوري الشمالي المنكوب، وما فاقم من المجاعة وضاعف في عدد الضحايا اتباع الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ الثاني"، سياسة "الجيش أولاً"، التي منعت الحصص الغذائية عن الشعب من أجل توفيرها للجيش.

فاقمت السياسات الانعزالية من آثار المجاعة الكورية الشمالية

وبالرغم من كل الوفرة الغذائية اليوم، والتطورات الكبيرة في قطاع انتاج الغذاء عبر العالم، إلا أنه لا يزال حوالي 800 مليون يعانون من نقص الغذاء، وما يزال سلاح التجويع معتمداً في العديد من الصراعات حول العالم.

الصفحة الرئيسية