تأملات في شبهات الحرب على الإرهاب

تأملات في شبهات الحرب على الإرهاب


25/03/2018

إنّ تأمل مجريات ما يسمى "الحرب على الإرهاب" في غير مكان من العالم العربي والعالم الإسلامي، ولا سيما في سورية، يبعث في ذهن المتأمل غير قليل من الشكوك، تثيرها سلاسل من الوقائع المتشابكة والمتناقضة وغير المفهومة، والتي قد لا تفهم قبل مضي وقت طويل. كما يثيرها استهداف جماعات "إرهابية" بعينها، والسكوت عن أخرى، لا تقل عن الأولى خطراً وهمجية، أو التحالف معها. من أبرز هذه الشبهات:

من أهم معايير الديمقراطية حل التعارضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالطرق السلمية وإنصاف الفئات الاجتماعية

1 -  تحول "الحرب على الإرهاب" إلى نوع من إدارة الأزمات، و"إدارة التوحش"، في النظام العالمي، الذي فقد توازنه، ودخل في حال أقرب ما تكون إلى الفوضى، منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي وما كانته دول المنظومة الاشتراكية، ما يعني أنّ "الخطر الخارجي"، الفعلي أو المفتعل، أو التحدي الخارجي، كان، ولا يزال هو الذي يشد عصب النظام الرأسمالي العالمي، ويشد عصب كل دولة على حدة. ولعلّ انتشار الإرهاب أو نشره على الصعيد العالمي من أبرز ملامح حالة الفوضى، غير الخلاقة بالطبع، علاوة على عطالة الأمم المتحدة ومؤسساتها. فإنّ حاجة أي دولة ديمقراطية إلى عدو خارجي، علامة على هشاشة نظامها الديمقراطي وعدم توازنه؛ هذا لأن ثمة علاقة وثيقة بين الديمقراطية والسلم الاجتماعي والسلام العالمي، ولأن من أهم معايير الديمقراطية حل التعارضات الاجتماعية – الاقتصادية والسياسية بالطرق السلمية، وإنصاف الفئات الاجتماعية، التي عانت ولا تزال تعاني من غبن تاريخي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، والتدخل الفعال للحيلولة دون نشوب حرب في أي مكان، إذ الديمقراطية والحرب ضدان لا يجتمعان معاً.

النظام الإيراني بعقيدته التكفيرية والثأرية والاستئصالية وبنيته التسلطية هو من أخطر النظم المولدة للإرهاب منذ عام 1979

2 – غالبية الدول المشاركة في ما تسمى الحرب على الإرهاب، والدول التي تؤيد هذه الحرب العبثية، إنما تغطي أزماتها الداخلية، بهذه الحرب، أو تصدِّرها إلى الخارج؛ إذ نفترض أنّ هذه الدول تعلم علم اليقين أنّ القوى الاجتماعية الأقل فالأقل حظاً، والتي ترزح تحت مظالم النظام والميول السلطوية، وقد سُدَّت في وجهها آفاق النمو الديمقراطي، في كل بلد على حدة، لم تعد تجد لنفسها تعبيراً سياسياً فعالاً سوى الأحزاب اليمينية المتشددة وذات الميول العنصرية، التي تنمو نمواً مطرداً على حساب الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والليبرالية المعتدلة، التي خسرت طاقتها الاحتجاجية، فلم تعد هناك من فرصة للاحتجاج على النظام سوى بالتطرف والعنف. فإن من أبرز ما يجري تغطيته بالحرب على الإرهاب هو تآكل الديمقراطية في مواطنها الأولى: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، واتساع الفجوة بين الفئات الفقيرة والأكثر فقراً وبين الفئات الغنية والأكثر غنى، وانتكاس معظم هذه الدول إلى ماضيها القومي وما كان يكتنفه من نزعات عنصرية وميول استعمارية.

حزب الله إيراني العقيدة والتمويل والتسليح ويمارس إرهاباً في لبنان وسوريا والعراق ومصر واليمن وفي غيرها

3 – الدول الكبرى كلها متكيفة مع نوع من الإرهاب الذي يتولى النظام الإيراني إنتاجه وتمويله وتسليحه وتدريبه ونشره حيثما كان لهذا النظام وحلفائه مصلحة في ذلك. فالنظام الإيراني بعقيدته التكفيرية والثأرية والاستئصالية وبنيته التسلطية وطموحاته الإمبريالية (الإمبراطورية) .. هو من أخطر النظم المولدة للإرهاب والراعية له منذ عام 1979، ونحسب أن هذا النسق الإرهابي مسكوت عنه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي؛ أي من قبل الدول الديمقراطية، علاوة على سائر الدول الأخرى، بحكم الحاجة إليه في الهندسة الإمبريالية.

فحزب الله الإيراني العقيدة والتمويل والتسليح، والذي يمارس إرهاباً موصوفاً في لبنان وسوريا والعراق ومصر واليمن وفي غير مكان من العالم لا يصنف إرهابياً، من قبل معظم دول العالم، وإن كانت بعضها صنفت تنظيمه العسكري إرهابياً. وكذلك الحرس الثوري الإيراني والجماعات الشيعية العراقية و"الحشد الشعبي" العراقي وغيرها. جميع دول العالم تقيم علاقات طبيعية مع الحكومة اللبنانية، التي يسيطر عليها حزب إرهابي. ووفود الدول الديمقراطية التي تزور لبنان لا بد أن تزور حسن نصر الله، متعهد الإرهاب في المنطقة، وهذه الوفود تعرف ذلك جيداً. هذه المفارقة، التي تدير الرأس، وتديم سيطرة حزب الله على لبنان، لا يمكن تفسيرها إلا بكون هذا الحزب حاجة موضوعية لهذه الدول، مثلما هو حاجة موضوعية لليمين الإسرائيلي الحاكم، وعامل من عوامل عدم الاستقرار في لبنان والمنطقة يتيح للدول ذات المصلحة فرص التدخل كلما أرادت ذلك.

يتبدى بوضوح أن للجماعات الإرهابية وظائف أيديولوجية وسياسية وعملية، لا تخرج عن السلطوية القائمة والعلاقات الدولية الناظمة لها

4 - في سوريا، كما في غيرها، يتبدى بوضوح أن للجماعات الإرهابية وظائف أيديولوجية وسياسية وعملية، لا تخرج عن نطاق البنى السلطوية القائمة والعلاقات الدولية الناظمة لهذه البنى، في مراكز النظام العالمي وأطرافه على السواء. ولكن، منذ إعلان "الإسلام" عدواً للحضارة الغربية، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول التي كانت تسمى اشتراكية، وتفكك حلف وارسو، كان الإسلام السني هو هذا العدو. فقد تبينت، حتى الآن نتيجتان أساسيتان من نتائج الحرب على الإرهاب في سوريا، الأولى تقاسم المغانم والنفوذ بين كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، (وإسرائيل حاضرة بالضرورة)، والثانية إنقاذ نظام بشار الأسد ومساعدته في إعاة إنتاج نظامه وإعفائه من العقاب، على الرغم من كل ما ارتكبه من جرائم. وهاتان فضيحتان للدول الديمقراطية وما تدعيه من مبادئ وقيم. والفضيحة الثالثة هي موقف الدول الديمقراطية من النظام الإيراني الأكثر خطراً على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية