كيف نظر سيد قطب إلى المرأة؟

كيف نظر سيد قطب إلى المرأة؟


14/03/2018

حين تناولنا من قبل المرأة في مخيلة حسن البنا أدركنا أنّ ثمة مخيلة لدينا تصنع قداسة لكلّ ما سلف، وتحيطه بطهرانية زائفة؛ إذ كانت ردة الفعل كما شاهدناها عُصابيّة لدرجة العمى؛ حيث أنكر كثيرون أنّ يقول حسن البنا ما كتبنا رغم وضوح المرجع وتوفره وسرعة الحصول عليه!. وفي هذا المقال، ونحن نعيش أيام يوم المرأة ونتذكر حقوقها المستلبة في سياقنا؛ الثقافي والمعرفي، نتناول سيد قطب ونظرته لمكانة المرأة ودورها .

ذريعة اختلال الوظائف

يرى سيد قطب، في كتابه الأشهر "معالم في الطريق"، أنّ عمل المرأة، ودورها الأساسيّ في الحياة، هو التربية تماماً مثل؛ حسن البنا، إلا أنّ الأخير يستخدم تعبيرات أدبية راقية ليبرر بها مواقف بالية، غير قابلة للتمثل كونها تنتمي إلى فضاء ثقافي واجتماعي وفقهي جرت عليه سنن التاريخ في الاستمرار والتجاوز.

ويبرر سيد قطب حصره وظيفة المرأة في التربية والرعاية بحجة اختلال الوظائف إذ يقول: "حين تتخلى المرأة عن وظيفتها الأساسية في رعاية الجيل الجديد وتُؤثِر هي أو يُؤثِر لها المجتمع أن تكون مضيفة في فندق أو سفينة أو طائرة، حين تنفق طاقتها في "الإنتاج المادي" و "صناعة الأدوات" ولا تنفقها في "صناعة الإنسانية".. لأن الإنتاج المادي يومئذ أغلى وأعز وأكرم من "الإنتاج الإنساني"، عندئذ يكون هنا هو "التخلف الحضاري" بالقياس الإنساني أو تكون هي "الجاهلية" بالمصطلح الإسلامي"

بهذه الصورة يرى سيد قطب أنّ خير ما يمكن أن تبدع فيه المرأة في هذا العالم هو أن تكون محض مربية تنتج بطبيعة الحال جيلاً ذكورياً؛ إذ إن الشق الأنثوي من الإنسانية الذي تربيه سيكون دوره منحصراً في التربية وهذا ما نسميه لازم القول أو الذي يترتب على هذا التصور ليكون الشق الذكوري هو المنفرد بالفعل الحضاري والمادي والسياسي.

ليس ثمة سبب مقنع وراء حبس النساء في المنازل إلا أنها جاهلية يعاد صياغتها في ثوب إسلامي

لم يدرك سيد قطب أنّ الأثر التربوي للمرأة لم يعد هو الأثر المركزي والبائن فاليوم وباتساع الفضاء وبالانفتاح الثقافي ثمة أدوات لها الدور الأكبر في التبادل الثقافي والمعرفي لها أثر مباشر في عملية التربية؛ إذ يتلقى الفرد بضغطة زر معارف متنوعة من اتجاهات عدة ويكاد وجوده في حياة أمه يقل، خصوصاً في حالة وجود الأم في فضاء ثقافي مغاير ونشأتها في زمن لم يكن العالم فيه بهذا التواصل وهذا الإغراء والزخم.

إن اكتفاء الكثير من النساء في ثقافتنا بعملية التربية فقط جعلهن في عزلة عن فهم عالم اليوم، وقلة منهن يتقنّ التعامل مع التكنولوجيا الحديثة وهذا يحدث تراجعاً حتى في ذلك الدور الذي يريد سيد قطب حصرها فيه؛ أي إننا نستطيع القول بأننا نشهد نتائج فاشلة لما دعا إليه سيد قطب بتلك الطريقة المثالية الحالمة والتي تنطوي على تصور قاصر عن رؤية المرأة كإنسان كامل القدرة على المشاركة في الحياة الإنسانية بكافة ضروبها والشواهد على ذلك كثيرة؛ فالمرأة الأم  ليست مضيفة طيران وحسب؛ بل صانعة وقائدة وقاضية ومحامية ورئيسة وزراء..، ولطالما كان يحطم التاريخ تلك الحدود التي نضعها ونتصور أنّها نهائية وحاكمة لحركة الإنسان حتى نهايته كما يتصور سيد قطب.

حياة عامة بلا نساء

يرفض سيد قطب خروج المرأة من منزلها بلا حاجة ضرورية وهذا ما قاله من قبل حسن البنا ويعتبر الخروج "جاهلية معاصرة" ومصطلح الجاهلية الذي وظفه سيد قطب ليكون سلاحاً في وجه المخالفين ينطبق على كل ما تصوره هو عن المرأة كون الجهل هنا هو جهل بماهية الإنسان كونه ينتمي إلى جنس واحد بشقيه الأنثوي والذكوري، الأمر الذي يجعل الوظيفة الكبرى لكليهما؛ ذكوراً وإناثاً هي إثراء هذه الحياة تربية وإنتاجا حضارياً وأخلاقياً وتخلي أي واحد منهما عن دوره في هذه الحياة يجعل الإنسانية تسير عرجاء .

يدعو قطب المرأة المسلمة إلى استعلاء زائف على الزمن الذي تعيش فيه كونه عبارة عن درك مقابل الحياة المتخيلة والمتعالية في ذهنه

ليس ثمة سبب مقنع وراء حبس النساء في المنازل إلا أنها جاهلية يعاد صياغتها في ثوب إسلامي يعد المرأة بجنة عدن على الأرض مقابل تخليها عن دورها كإنسان .

الدعوة الى استعلاء زائف

يدعو قطب المرأة المسلمة إلى استعلاء زائف على الزمن الذي تعيش فيه كونه عبارة عن درك مقابل الحياة المتخيلة والمتعالية في ذهنه، فعلى المرأة المسلمة انتظار ذلك المتخيل القطبي ليصبح حقيقة وهو متخيل انتهت معالم طريقه إلى تيه منعزل عن الزمن والحياة؛ فالدعوة إلى الاستعلاء هي دعوة إلى النكوص عن الزمن الذي تعيش فيه المرأة، فتقعد دون بلوغ ذلك الحلم القطبي الذي لاتتجاوز مكانتها فيه جدران المنزل ودون الانخراط في الحياة وإنجاز ما يمكنها عقلها وفكرها من إنجازه.

أخيراً، قبل أيام احتفل العالم بيوم المرأة، والذي يجب أن يكون هذا اليوم مناسبة لتفكيك التصورات البالية عن المرأة والتي كتبت وأصبحت حياة نعيشها تقعدنا عن التقدم،  كما يجب التذكير بحقوقها كإنسان كامل له الدور في اجتراح لحظتنا الحضارية القادمة فمهمة البناء والخروج من التخلف تقع على عاتق الرجل والمرأة معا كما يقول مالك بن نبي في كتابه "مشكلات الحضارة".

الصفحة الرئيسية