التأسيس الثاني للإخوان المسلمين 4/4: صناعة هيكل تنظيمي هرمي

التأسيس الثاني للإخوان المسلمين 4/4: صناعة هيكل تنظيمي هرمي


25/02/2018

بخروج قيادات الإخوان من السجون، وتزامناً مع قيام الدولة الرسمية بتدشين خطاب إسلامي شعبي يعبّر عنها، أُتيحت للإخوان فرصة لإعادة تأسيس الجماعة من جديد، فاستغلّ الوعاظ الإخوان (الرسميون)، فرصة اعتلائهم منابر المساجد الشهيرة، التي تكتظّ بالشباب، وما أتاحه لهم السادات من حريات، فدسّوا أفكارهم التنظيمية بداخل خطبهم المنبرية، وكان من نتيجة ذلك؛ أن تجاوَب عدد كبير من الشباب مع تلك الأفكار، وتجاوُب الشباب كان على شكلين: الأوّل التزام ظاهري (الهدى الظاهر) فقط؛ أيّ ظهور الالتزام في الشكل، وفي الملبس، وفي إحياء لسنن فردية، دون الوصول إلى أبعد من ذلك، والشكل الثاني: الالتزام بالهدى الظاهر، والانضمام لجماعة إسلامية، ومن هنا تكونت المجموعات الإسلامية التي كانت النواة للتنظيمات الإسلامية الكبرى، تعدّدت الجماعات الصغيرة على الساحة المصرية في مطلع السبعينيات، وتميّزت هذه المجموعات بأنّها ليس لها اسم أو لائحة، أو قواعد منظّمة للعضوية تقريباً، كان أكثر ما يميز هذه المجموعات أنّهم يمتلكون عاطفة قوية، ورغبة جامحة، نحو تطبيق ما فهموه على أنّه إسلام؟ لكن مع اقترابهم من الفكر التكفيريّ، وتقبّلهم لفكرة استخدام العنف للتغيير، أصبح وجود هذه المجموعات منفردة دون راعٍ يمثّل خطراً كبيراً على الدولة وعلى المجتمع المصري، أدرك هذا الأمر الرئيس الأسبق، محمد السادات، وأدرك أنّ ما يحدث لن يكون في صالحه، ولن يحقق الهدف الذي من أجله صنع الخطاب الإسلامي، ولعلّ أقرب مثال على ذلك قضية الفنية العسكرية، وعن طلال الأنصاري أنّه قام بتنفيذها مع صالح سرية بصفتهم أعضاء في جماعة الإخوان؟! وهو ما أنكره الإخوان على طول الخط، وبات واضحاً أنّ على الدّولة والإخوان توضيح العلاقة التنظيمية بين الأفراد والجماعة، وبين الأفراد والتنظيمات الأخرى، حتى لا يحدث لبس لدى أي أحد اتصل بالإخوان، أو التقى بأي من قادتهم، فيتوهّم أنّه بهذا قد قدم بيعة للإخوان أنّه أصبح فرداً منهم، لهذا قام السادات بالسماح للإخوان بالعمل بشكل علني، لضمّ هؤلاء الطلاب، أو تلك الجماعات الصغيرة إليهم، وفي الوقت نفسه، قام قادة الإخوان بوضع لائحة تنظم عضوية الشباب القادم من جماعات أخرى، فتمّ ضمّ أمراء هذه الجماعات أولاً، وإقناعهم بالعمل تحت مظلّة تنظيم الإخوان المسلمين، على أن يتمّ ضمّ باقي الجماعات لاحقاً، وفعلاً تمّ لهم ما أرادوا عام 1975، وهو العام الذي تولّى فيه عمر التلمساني منصب المرشد العام بعد وفاة حسن الهضيبي، وعندما تمكّن تنظيم الإخوان من السيطرة على هؤلاء القادة (الأمراء)، سُمِح لبعضهم بتبوّؤ بعض المناصب الإدارية العليا في التنظيم، لكن اكتشف قادة الإخوان أنّ آليات عمل التنظيم متيبسة كثيراً، لابتعادهم في السجن فترات طويلة، فقد كانت الجماعة وقتها تسير على لائحة 1951 التي أقرّها مكتب الإرشاد في اجتماعه، في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1951، ورغم أنّ هذه اللائحة لا بأس بها إلّا أنّها تناسب تنظيماً كبيراً وقوياً، أفراده معروفون، لكن ما يحتاجه الإخوان هو وعاء تنظيمي جديد، يسمح بقبول الأعداد الجديدة القادمة من تنظيمات شتى، ومن أفكار مختلفة، فأدركوا حاجة الجماعة لبناء قوي منظم يجدد شباب الجماعة، ويعيد لهم الحيوية، لتكون الجماعة قادرة على مواجهة التحديات، والقيام بالمهام الجديدة، والاستعداد لاستيعاب الأعضاء الجدد الوافدين من الجماعة الإسلامية، أو نتاج الدعوة الفردية في غير الجامعة (التجنيد).

أدرك الإخوان حاجة الجماعة لبناء قوي يجدد شباب الجماعة، فعمد التلمساني لإعادة ترتيب التنظيم؛ واختار له أن يكون هرمياً

لهذا عمد عمر التلمساني إلى إعادة ترتيب وتنظيم الجماعة؛ فكان بحاجة إلى هيكل إداري محكم وواضح، واختار له أن يكون هرمياً يعتمد على القاعدة الإخوانية، ويتدرّج بها إلى القمة، وحدّد شروط العضوية التي تضمن تمايز الفرد الإخواني عن باقي أعضاء التيار الإسلامي السائد، فلم يعد يكفي أن يلتزم الفرد بأفكار الإخوان ليكون عضواً في الجماعة؛ بل أصبح عليه أن يجتاز فترة اختبار، وكان يحتاج إلى آلية مقبولة لانتقال أعضاء الإخوان من درجة عضوية إلى أخرى، وقواعد لعضوية المكاتب الإدارية الجديدة التي حرص أن يكون بها نسبة من الأعضاء الجدد، وكذلك قام عمر التلمساني بتحديد الأقسام الرئيسة التي لا غنى عنها في مكاتب المحافظات، لهذا قام عمر التلمساني، في 10 أيار (مايو) 1978، بإصدار اللائحة الجديدة للإخوان، التي تعدّ قانون النظام الأساسي للجماعة، ولعلّ اللّافت للنظر أنّ اللائحة ركزت على شروط العضوية للفرد بشكل دقيق؛ ففي المادة الرابعة من اللائحة (أ- يقضي المرشح لعضوية الجماعة مدة ستة أشهر، على الأقل، تحت الاختبار، فإذا ثبت قيامه بواجبات العضوية مع معرفته بمقاصد الدعوة ووسائلها، وتعهّد بأن يناصرها ويحترم نظامها، ويعمل على تحقيق أغراضها، ثمّ وافقت الجهة المسؤولة عنه على قبوله عضواً في الجماعة، فيصبح أخاً منتظماً لمدة ثلاثة أعوام.

حدّد التلمساني شروط العضوية التي تضمن تمايز الفرد الإخواني عن باقي أعضاء التيار الإسلامي السائد

ب-إذا ثبت خلال الأعوام الثلاث، الآنفة الذكر، قيام الأخ بواجبات عضويته، فللجهة المسؤولة أن تعدّه أخاً عاملاً، ويؤدّي العهد الآتي: (أعاهد الله العظيم على التمسك بأحكام الإسلام والجهاد في سبيله، والقيام بشروط عضوية جماعة الإخوان المسلمين وواجباتها، والسمع والطاعة لقيادتها في المنشط والمكره، في غير معصية، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأبايع على ذلك، والله على ما أقول وكيل) كان قسم الطلبة هو القسم الأساسي الذي اعتمد عليه الإخوان في ملء فراغات التنظيم، مع إعادة الاعتماد على الأسرة التربوية، باعتبارها الخلية الأولى للتنظيم، والأسرة التربوية الإخوانية هي مجموعة من الأعضاء المتناسبين إلى حدٍّ ما، في العمر والثقافة، ويرأسهم مسؤول، أو أمير، يتم تلقين الأفراد فيها بعضاً من الثقافة الإسلامية، مثل: (دارسة الفقه الإسلامي من كتاب فقه السنة لسيد سابق، كما يتم تلقينهم بعضاً من سيرة الرسول من كتاب فقه السير للغزالي، أو السباعي، أو البوطي، وبعضاً من الرقائق والروحانيات، والعقيدة الإسلامية من كتاب الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين، وبعضاً من التفسير للقرآن الكريم من كتاب ابن كثير، مع الإلزام بحفظ آيات قرآنية معينة، لم يكن الدور الحقيقي للأسرة هو التحصيل الثقافي، إنّما كان دورها، الأول والأخير، هو ضبط الأفراد تنظيمياً، وتجهيزهم لأن يكونوا جنوداً، عبر غرس مبادئ السمع والطاعة، والتنازل عن الرأي الفردي مقابل الرأي الجماعي، وفي الأسرة يتمّ فرز من يصلح للعبور للمرحلة التالية من الأعضاء، ومن يبقى في دائرة المحبين، ونظراً إلى اقتراب الأعضاء الجدد من الفكر السلفي، تمّ تغيير بعض المناهج التربوية لتناسب هذا التغيير، فاختاروا مجبرين بعض القضايا الغريبة على الجيل الأول من الإخوان، مثل: قضية اللحية، وإطالة الثوب، وقضية زيّ المرأة، وما هو المقصود بحجاب المرأة، وقضية فصل البنات عن البنين في الجامعة، والصلاة في المساجد التي بها قبور، وعدّوها مدخلاً للعمل الإسلامي الشعبي في هذا الوقت، كما كانت قضية استخدام العنف في التغيير مقبولة جداً لدى هؤلاء الطلاب، أو على الأقل، لا تجد رفضاً منهم، ولم يكن الأمر محسوماً، وكان الخلاف فقط حول التوقيت والأسلوب والجدوى منه، كانت أفكار الطلاب مزيجاً غريباً من السلفية والجهادية والتنظيمية الإخوانية، وفي نهاية المطاف؛ استطاع الإخوان ضمّ كثير من أمراء وأعضاء الجماعات الإسلامية الطلابية، في القاهرة والإسكندرية والبحيرة والشرقية، وكثير من مدن ومحافظات الوجه البحري، لكنّهم فشلوا مع أمراء الجماعة الإسلامية وأعضائها في وجع قبلي (الصعيد)، الذين أصرّوا على موقفهم من عدم الانضمام إلى الإخوان، وعندما تمكّن الإخوان من بناء تنظيمهم القوي تماسكت لبناته، بدأوا العمل لضمّ أعضاء جدد من داخل المجتمع، ليعدّ العدة للوصول إلى الحكم، عبر التوغّل في النقابات المهنية المختلفة، ومحاولات التحوّل إلى حزب سياسي، أو أن يكون لهم حزب يعمل كظهير سياسي، والدّخول في انتخابات البرلمان والتحالفات مع الأحزاب السياسية القائمة، والدخول في المجالس المحلية للقطر المصري، إضافة إلى العمل من خلال الجمعيات الخيرية المختلفة، لنشر فكرة وسطية الإخوان، وامتلاكهم حلّ مشكلات مصر، إنّ ما نشاهده الآن من قادة الإخوان هو نتاج هذا التأسيس، والله أعلم.

 

الصفحة الرئيسية