الدلالات السياسية للموازنة الإيرانية لعام2018

الدلالات السياسية للموازنة الإيرانية لعام2018


12/02/2018

أقرّت السلطات الإيرانية موازنتها المالية للعام 2018؛ حيث تبدأ السنة المالية في آذار (مارس)، بمبلغ 341 مليار دولارٍ، بزيادة بلغت 30 ملياراً عن العام السابق، وقد جاءت موازنة العام الحالي في سياق محدِّدين اقتصاديين، هما: سعر صرف يبلغ 35 ألف ريال للدولار، و55 دولاراً كسعرٍ ترجيحي لبرميل النفط، فيما كانت هناك محدّدات سياسية مرتبطة بعاملين، هما: تجاهل مطالب الانتفاضة الشعبية، المتواصلة منذ أواخر عام 2017، على خلفية الغلاء وتفشّي مظاهر الفساد، والمطالبات بالإصلاح، وتأكيد القيادة الإيرانية، من خلال هذه الموازنة، سياساتها الإقليمية بتصدير الثورة، ودعم امتداداتها وأذرعها في الإقليم، بما يؤكّد مقولة الدّور الإقليمي لإيران.

الموازنة الإيرانية وتقسيماتها من حيث أوجه الصّرف والقطاعات التي شملتها عكست وبصورة فظّة زيادة مهولة للمؤسسة العسكرية

إنّ بنود الموازنة الإيرانية وتقسيماتها، من حيث أوجه الصّرف والقطاعات التي شملتها، عكست، وبصورة فظّة، مفارقة بين زيادة مهولة للمؤسسة العسكرية، وعنوانها الحرس الثوري الإيراني، ذراع القيادة الإيرانية في المنطقة، ومن ضمنه فيلق القدس، برئاسة الجنرال قاسم سليماني (بزيادة بلغت 86%)، إضافة إلى المؤسسات الدينية الموالية للنظام، بالتّوازي مع قرارات تستهدف الطبقة الوسطى والفقراء، بإلغاء رواتب الدعم الحكومي، التي تشمل أكثر من عشرين مليون موظف، وزيادة أسعار المحروقات والسلع الإستراتيجية، في ظلّ استمرار وتوسّع مستويات الفقر والبطالة؛ إذ تتحدّث أرقام رسمية عن بطالة بحدود ( 12%)، فيما تشير مصادر إلى أنّ البطالة في الأقاليم المشكوك في ولائها للنظام الإيراني، بمناطق الأكراد، والأحواز العرب، وفي بلوشستان، وغيرها، تتجاوز (60%)، وهو ما أشار إليه الرئيس حسن روحاني، خلال حملته لانتخابات الرئاسة العام الماضي، في معرض حديثه عن التمييز ضدّ السنّة.

لقد كشفت الموازنة الإيرانية حجم الفجوة بين النظام الإيراني وتطلعاته، وبقية شرائح الشعب الإيراني، سواء التي انتخبت الرئيس حسن روحاني، وبنسبة تجاوزت (57%) ، استناداً إلى برنامجه وإصلاحاته الموعودة، أو التي خرجت، متحدّية الموت في شوارع طهران، و(70) مدينة وبلدة إيرانية، تهتف بالموت لقائد الثورة ورئيس الجمهورية، وهو ما يطرح تساؤلات جادّة، حول موقف الشعب الإيراني من قيادتها، بتيارَيّ: المتشدّدين والإصلاحيّين، بعد أن ثبت أنّ الخلافات بين الجانبين محدودة جداً، وأنّ أيّ رئيس إصلاحي يتوافق مع المتشدّدين على سياسات إيران الخارجية، ويختلف معهم حول تجميل صورة القيادة الإيرانية؛ داخلياً وخارجياً، بإجراءات صورية، مع الحفاظ على مبادئ الثورة ونهجها، ورسم كافة الإستراتيجيات، السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما يضمن الحفاظ على النظام، وهو ما يطرح شكوكاً عميقةً حول تصريحات روحاني ومحمد خاتمي، ومن بعدهما الرئيس السابق، أحمدي نجاد، حول ضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين.

زيادة الضرائب وأسعار المحروقات والسلع إجراءات تتخذها دول العالم الثالث في إطار إعادة هيكلة اقتصادياتها

زيادة الضرائب وأسعار المحروقات والسلع الإستراتيجية، إجراءات تتخذها دول العالم الثالث، في إطار إعادة هيكلة اقتصادياتها، خاصة الدول غير النفطية، واتخاذ القيادة الإيرانية هذه الإجراءات يتناقض مع الصورة التي ترسمها لنفسها، بأنّها دولة نووية وصاروخية، والدور الإقليمي الذي تطالب به، هذا إضافة لغياب مقاربات حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وتكافؤ الفرص.

الموازنة الجديدة، وروح التحدّي التي رسمتها للشعب الإيراني، و"لقوى الاستكبار العالمي"، تؤكّد -في تفاصيلها- أنّ الدوافع الحقيقية لاندلاع الانتفاضة الأخيرة ما زالت قائمة، وأنّها ساهمت في بناء المزيد من الجدران، بتهيئة الظروف لمواصلة الانتفاضة، وبما يشكّل تهديداً جادّاً للنظام الإيراني، بتطورها إلى ثورة؛ حيث تجاوزت الشعارات التي رفعت برفض التدخل الإيراني في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، وأنّ تفسير القيادة الإيرانية لهذه الانتفاضة، بأنّها مؤامرة صنعتها قوى دولية وإقليمية (أمريكا وإسرائيل والسعودية ومنظمة مجاهدي خلق)، إضافة إلى الإجراءات القمعية ضدّ المتظاهرين، الذين ثبت أنّ غالبيتهم مستقلّون، لن تفيد في حال اندلاع ثورة جديدة.

وفي الخلاصة، إنّ تساؤلات كثيرة تطرح اليوم، في أوساط الخبراء بالشأن الإيراني، حول قدرة النظام الإيراني على تحمّل ثورة، وقدرته على الاستجابة لمطالب الشارع، ومدى نجاعة إجراءاته القمعية ضدّ المتظاهرين، وإنكار أنّ المتظاهرين، إنّما خرجوا للشّارع في إطار نظرية المؤامرة، بتوجيهٍ من جهات دولية وإقليمية معادية للثورة، وفقدان النموذج إلّا بتكرار إجراءات شاه إيران، عام 1979، ومن المرجَّح أنّ مفاعيل وتداعيات مخرجات الموازنة مفتوحة على احتمالات لن تكون، على الأغلب، في صالح النظام الإيراني، خاصة عند تطبيق قرارات رفع الأسعار، ووقف الدّعم.

الصفحة الرئيسية