عدنان أوكتار صاحب نظرية "حوريات الأرض" دجال أم مفكر إسلامي عصري؟!

عدنان أوكتار صاحب نظرية "حوريات الأرض" دجال أم مفكر إسلامي عصري؟!


27/01/2018

لا نكاد ننتهي من داعية متشدد يحلل ويحرّم على مزاجه، حتى يخرج لنا داعية آخر يفتي بنقائض ما أفتى به سابقوه. لتبقى المجتمعات الإسلامية والأجيال القادمة رهينة فكر السلطة الدينية، الذي يتوارثه الدعاة، دون أن يحملوا معهم ميزاناً منصفاً ما بين العقل والنقل والحداثة. وأمامنا اليوم رجل يروّج لنفسه على أنّه داعية إسلاميّ، وعالم مُستنير يهدف إلى نشر قيم تعاليم الدين الإسلامي والتسامح بين الشعوب دون استثناء أو حتى التوقف على ديانة معينة. ويوسِّع في رؤيته وكأنّه يُقدِّم خطابًا بديلاً يحتوي الآخر، وهو الخطاب الذي لاقى تسويقًا بعد موجات العنف والإرهاب التي أحرقت العالم مؤخِّرًا.

يثير حالةً متواصلة من الجدل في المجتمع التركيّ وكذلك العالم الإسلامي. ومرجع هذا ليس لغرابة فكره فقط، وإنما للمقام الغرائبي الذي يُقدِّمُ فيه هذه الآراء والتي يتناول معظمها قضايا دينية وفقهية حسّاسة. وهو ما جعل فريقًا آخر ينظر له على أنه مُهرجٌ كبيرٌ أو دجّالٌ ماكِرٌ.

ضد العلمانية

هارون يحيى أو عدنان أوكتار، اسمان لشخص واحدٍ، لكن وللمسافة الهائلة بين الاسمين، لا يمكن للمراقب أن يستوعب حجم التغيُّرات أو التحوُّلات التي طرأت عليهما معاً، فكلّ اسمٍ مِنهما كان مدخلاً لشخصية مختلفة وإنْ كان يحملهما شخصٌ واحدٌ.

ثمّة أسماء أُخرى يُعرف بها؛ فبين الأتراك يُعرف بعدنان خوجه، أي “المعلِّم عدنان” وإن كان عند مريديه وأنصاره الذين يلتفون حوله، وهم دائمًا من الطبقة المخمليّة الذين يُحيطون به في جولاته في المراكز التجارية بملابس من ماركات عالمية، ينادونه بعدنان آغاباي أي “الأخ الكبير عدنان” وهي صفة للتوقير سائدة في المجتمع التركي. وإن كانت آغا قديمًا قرينة بـ”الفتوة” كما تجلّت في شخصيات روايات نجيب محفوظ، أو “القبضاي” كما في روايات يشار كمال.

الظهور الفعلي لظاهرة أوكتار كان عقب أحداث العام 1980، حيث استطاع أن يتسرب وسط الفوضى وعدم الثقة التي خلفها انقلاب سبتمبر. فقد تعرضت تركيا عقب الانقلاب إلى موجة من عدم الاستقرار السياسي وصلت حدتها إلى العنف الدموي بين القوى السياسية المتصارعة؛ الكماليين العلمانيين والمتشددين الإسلاميين. ومن هنا بدأ يدافع عن المبادئ الإسلامية، وراح يُمرِّر خطابه بين الشباب وردّد في أول كتبه “أن اليهود والماسونيين هم وراء منع تركيا مِن بناء نفسها كدولة إسلامية تركيّة”. بل زاد أن “اليهودية والماسونيّة هما سبب التآكل في الروح الدينيّة والقيّم الأخلاقيّة للشعب التركيّ”.

كان لكتابه ذاك أثره المدوِّي في نشر أفكاره في المجتمعات التي ركّز خطابه عليها، في حين كان له أثره السّلبي على أوكتار نفسه الذي تمّ اعتقاله بتهمة الترويج لثورة دينيّة وهي تهمة ضدّ العلمانية. وبالفعل تمّ حبسه لمدة 19 شهرًا قضاها في عيادة السجن، تمّ تحويله بعدها إلى مستشفى الأمراض العقلية في “باكير كوي”. بعد إطلاق سراحه بدأ أوكتار في ترتيب اللقاءات والاجتماعات في المقاهي والمنازل الخاصة بضواحي إسطنبول الفاخرة حيث يوجد الكثير من الشباب الأغنياء. محور هذه اللقاءات كان حول الحديث عن الصلاة وإن كانت تتخللها نقاشات حول المؤامرة اليهودية لتدمير العالم، وإن كان يُبقي دور محاربة اليهود على المسلمين الصالحين.

قطط أوكتار

ذكاء الرجل دفعه لأن يعي جيّدًا أنّ المال هو الطريق لنشر أفكاره، ومن ثمّ عمل بالتجارة حتى صار ثريًا من أصحاب الشركات وأيضًا قنوات التلفزيون، والأخيرة كانت الأداة المهمة في ترويج أفكاره؛ فهو يمتلك محطة فضائية تعرَف بـ(إيه 9)، يظهر فيها عبر برنامج يفتتحه بالتفسير ثمّ ينتهي إلى التسلية عبرفتياته أو “قططه” كما يسميهن.

ذهنية أوكتارمزيج من الالتباس الحاصل بين الديني والسياسي والأيديولوجي. ولد في الثاني من فبراير عام 1956 في أنقرة. وعاش بها حتى المرحلة الثانوية، وهي المرحلة التي غذّى فيها عقله بالأفكارعبرقراءاته في الكتابات الإسلامية. وفي العام 1979 كان واحدًا من ثلاثة أشخاص استطاعوا الدخول إلى كلية الفنون بجامعة معمار سنان في إسطنبول كما يقول.

معظم كتاباته انتقدها أكاديميون أتراك وآخرون يعملون في مؤسسات جامعية عالمية. وقالوا إنها بعيدة عن العلم، وهناك من ذهب إلى أنها ترجمات غير دقيقة لكتب غربية.

كان أوكتار ذا ملكة خاصة في الرسم منذ الصغر، وهو ما قاده إلى التأمُّل في الكثير من مخلوقات الله، وكان يرى صورًا لتجلّي الله عبر هذه المخلوقات الصغيرة كالحيوانات والأزهار والأشجار وغيرها. في الجامعة بدأت ثمار هذه التأمّلات والأفكار تأخذ صورة التبشير. وبالفعل بدأ نشاطه بين الطلاب إلى الدعوة، والالتزام بأخلاق الرسول.

لم يستطعْ إكمال دراسته في قسم الفنون، فغادره إلى الدراسة في قسم التاريخ والفلسفة بكلية العلوم والآداب إلا أنه أيضًا لم يستطع الانتهاء من الدراسة فيه. تأثر بالعلّامة سعيد النورسي مؤسِّس جماعة النور ذائعة الصيت في تركيا، وصاحب “رسائل النور”، وهو يقول إنه ينتهج نهج النورسي، حيث لم يتزوج حتى الآن اقتداءً بأستاذه النورسي.

بات أوكتار يعرف في الإعلام وعناوين الصّحف بـ”أوكتار صاحب الهريرات”، في إشارة إلى برنامجه التلفزيوني الذي يجمع فيه الفتيات الجميلات من حوله وهن يرقصن بعد أحاديثه الدينية. هذا المشهد يصعب أن تتقبله عين المشاهد العادي، خاصّة وأنتَ تسمع آيات القرآن والأحاديث وسيرة الرسول، وهي تتردد في أجواء الموسيقى والرقص، حيث أمام المتحدِّث الرئيسي مائدة صغيرة تحوي العديد من المشروبات الروحية، علاوة على حشود من الفتيات شبه العاريات واللاتي تحرص كل واحدة منهن على أن تَحظى بإعجاب أوكتار.

ثمة حكايات كثيرة تروي أن ولاء هذه الفتيات له يرجع إلى أن أوكتار يستقدمهن ويجري لهن عمليات تجميل على حسابه الشخصي، ويدفع أموالاً طائلة من أجلهن. ومن ثمّ تتبارى الفتيات في إظهار هذا الولاء له. اللافت أنه يبرّر سبب ظهور الفتيات غير المحجبات في برنامجه وأثناء حواراته وأحاديثه، بأنَّ “المحجبات غير لائقات دينيًا لاستقبال المهدي” ومن وجهة نظره يعتبر “أن المسلمات لسن بحاجة إلى الاحتجاب”.

يُعرِّفُ أوكتار نفسه بأنه “مفكر إسلامي عصري” مناهض للإلحاد والمادية والداروينية، كما يدعو إلى قيم التسامح أثناء شرحه وتفسيره للشريعة في برنامجه. ويزيد بأن كل الأمراض الأخلاقية مثل عدم التسامح، والغرور، والغطرسة، والمبالغة في تقدير الذات، والأنانية، سوف يتمُّ القضاء عليها بالقيم الأخلاقية للدين.

أطلس الخلائق

ويواجه أوكتار عن موجة الغضب والاستياء التي تلاحقه بأنه من أبرز المدافعين عن نظرية “الخلق” في مقابل نظرية التطور والارتقاء التي أعلنها داروين. لذلك كتب كتابًا في هذا الشأن يدحض فيه آراء النظرية بعنوان “أطلس الخلق” وهو الكتاب الذي اعترضت فرنسا على تسويقه ومنعت تداوله في المدارس عندما سعى لإرساله إلى المدارس. وفيه يربط بين الداروينيّة والفاشيّة والشيوعيّة والإرهاب. وقد عبر عن هذا بصراحة أكبر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. أفكاره ربما تبدو في سياقها حيث أنها ذات أهداف نبيلة لا غبار عليها إلا أن وراءها أسبابا غير مفهومة، خاصة أنه يختار توقيتات مختلفة لترويجها.

ضد الإسلام المعتدل

أوكتار يقول إنَّ الإسلام دين سلامٍ، ويضيف إنَّ الإرهاب لا يتوافق مع معتقداته. لكن الغريب أنه يخلط بين موضوعات مهمة بطريقة عجيبة. فمثلا ينادي بـ”أنَّ العلم والدين ليسا عدوين، كلاهما مبحث فعّال للوصول إلى الحقيقة وكلاهما متوائم مع الآخر”. أما كتابه “دعوة للوحدة” فيعتبره مساهمة مهمّة للحوار، ويتحدث موضوعه الأساسي عن أنَّ اليهود والمسيحيين والمسلمين، متوحدون في إيمانهم بإله واحد، وبحبهم لنفس الرسل. يتمادى أوكتار في إثارة الرأي العام ضده وتأليب الأوساط المحافظة عليه بأفعال تزيد من ضراوة الاحتقار لأفعاله، على نحو ما فعل باستضافته لشخصيات لا تلقى قبولاً في المجتمع التركي كما فعل في إحدى ليالى رمضان باستضافة الحاخام اليهودي المتطرف يهودا غليك المعروف بمهندس اقتحامات الأقصى.

الداعية غريب الأطوار يرى أن صيغة الإسلام المعتدل التي راجت مؤخرًا سلبية بالمرة، فهي تحمل في باطنها النقيض، وكأن ثمة إسلامًا متوحشًا. فهو، يعتبر أن التعصب انتشر في الفترة الأخيرة حتى تمت مساواته مع الإسلام. والكتاب كما يقول في المقدمة جاء “استجابة وردّاً على المطالبات التي أدلى بها بعض المعارضين الغربيين للإسلام الذين جاؤوا في الواقع على الساحة من خلال انتقادهم للتطرف”.

ألَّف أوكتار العديد من المؤلفات وصلت إلى أكثر من ثلاثمئة كتاب، وفي بعض الروايات على موقعه أكثر من سبعمئة كتابٍ، ترجم منها حوالي 70 كتابًا إلى لغات أخرى، إلّا أن بالسؤال عنها وسط الأكاديميين الأتراك وغيرهم من المثقفين يقولون بكل ارتياح إن هذه الكتابات ليست من تأليفه، وهو ما أكده المفكر عدنان إبراهيم في حوار له وهو يتحدث عن خطر ظهور مَن يُعرِّفُون أنفسهم بأنهم “دُعاة إسلاميون” في حين أن جهات أخرى تقف خلفهم وتدعمهم، وهو ما دفعه بأن يوجّه صرخة احتجاج عن حالة تزييف الوعي التي يقوم بها أوكتار. وقد وصف ما يفعله في كتاباته كلها بأنه “يقوم باجتزاء من كتابات علماء ملحدين بتشويه مخل ليثبت نظرياته”.

لم تمر أفعال أوكتار دون ملاحقات قضائية، فلقد تعرَّض للمحاكمة أكثر من مرة بتهم عديدة من بينها أنه يتعاطى الكوكايين، إلا أنّه برر الاتهام بأن أعداءه هم مَن دبروا له هذه الجريمة، وفي عام 1999 أكّدت النيابة العامّة أن “مؤسسة التكوين” التابعة لأوكتار تتوسل شابّات لجذب باحثين إلى احتفالات “تكوينية” مقابل خدمات جنسيّة. أما عارضة الأزياء الشهيرة أبرو سيمسك فقد اتهمته بأنه ابتزها بنشر صور لها وتوزيعها على وسائل الإعلام بغرض إقامة علاقة معها. آخر هذه الدعاوى ما رفعها أب يعيش في ألمانيا، حيث اكتشف وجود ابنتيه اللتين ادعت الأم فقدانهما من قبل، في برنامج أوكتار.

قد يكون عدنان أوكتار مجنوناً فعلاً، وقد يكون صاحب فكر غريب، وقد يكون أي شيء آخر. لكن يبقى السؤال عن التراث الفكري الذي قام بتأليفه وانتشر انتشاراً واسعاً في أنحاء العالم الإسلامي، كيف سيؤثر بالشباب؟ وكيف يمكن تطويق تأثيرات مشابهة لدعاة ومفكرين هم في النهاية “قد ينطقون عن الهوى” فهم بشر يصيبون ويخطئون؟

عن"العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية