هل ساهمت قطر في تعزيز ثقافة التطرف؟

هل ساهمت قطر في تعزيز ثقافة التطرف؟


06/01/2018

استعرض المحلل السياسي المختص في شؤون الشرق الأوسط والحركات الجهادية، كايل أورتن، في تقرير له نشرته جمعية هنري جاكسون اللندنية، أسباب الأزمة الخليجية، ودور قطر وقدراتها المالية والإعلامية في احتواء المتطرفين ومن ثم دعمهم وتوجيههم بما يخدم السياسة القطرية الخارجية.

وقد استعرض التقرير، البعد التاريخي لارتباط الإرهابيين بحكومة قطر، وكيف سخّرت من أجلهم كل قواها الناعمة، ليصبحوا قوتها الخارجية في التأثير على أحداث الربيع العربي.

التقرير الأصلي المنشور بعنوان “Qatar and the Gulf Crisis” طويل جدًا، لأنه ينقل التفاصيل الصغيرة عن الأزمة الخليجية للمواطن الغربي، وقد رأينا أن من الأفضل اختصار تلك التفاصيل، لصالح الأحداث المهمة.

تعزيز التطرف

مع بداية أحداث الأزمة الخليجية في عام 2017، نشرت الدول الأربع المقاطعة لقطر الكثير من الاتهامات القديمة والحقائق حول قطر، وعلاقتها مع جماعات متطرفة مختلفة، بما فيها المتورطين في أحداث 9/11، وأبرزهم “خالد شيخ محمد”، الذي عمل في وزارة المياه القطرية 1996، حيث كان يخطط وقتها للنموذج الأولي للفظائع التي تجري الآن في الشرق الأوسط؛ وما سميّ بعملية “مؤامرة بوجينكا“.

ونقلًا عن صحيفة “ذي هيل” فإن الشخص “أ” وهو عضو العائلة المالكة القطرية الذي لم يكن له منصب رسمي في الحكومة، زعم أنه استضاف في قطر، مؤسس “دولة التوحيد والجهاد” في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، بعد طرده من أفغانستان في عام 2001.

كما ونشرت وكالة الاستخبارات الأمريكية، رسائل لأسامة بن لادن، يعتقد فيها أن قطر تشكل ملجأً مناسبًا لأسرته. وفي أعقاب مقتل بن لادن في عام 2011، لجأ أبناؤه، عثمان ومحمد، إلى دولة قطر، لينضما إلى أخيهما عمر بن لادن، الذي ترك القاعدة عام 2000. وكانت استجابة الحكومة القطرية –إلى حد بعيد- هي المشجّع لذهاب المتهمين إليها.

في 9 يونيو 2017، نشرت الدول الأربع المقاطعة لقطر، قائمة من 12 كيانًا و 59 شخصًا اعتبروا إرهابيين. وتزعم اللجنة أن معظم هؤلاء الذين ينتمون إلى تسعة بلدان (البحرين ومصر والأردن والكويت وليبيا وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واليمن)، تلقوا دعمًا من الحكومة القطرية. وتضمنت القائمة أسماء الأفراد الإرهابيين، الذين لا تعرف، على وجه الدقة، طبيعة صلتهم مع قطر. كما وتضمنت القائمة، بعض الجماعات الإسلامية، والأشخاص المتورطين في تمويل إرهابيين.

ومن أبرز هؤلاء “يوسف القرضاوي”، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين. القرضاوي، رجل دين إسلامي له تأثير لا مثيل له، وهو مصري بالولادة ومقيم في قطر، وينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، كما يشغل أيضًا في الغرب رئاسة “المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث”.

لسنوات عديدة، ظلّ القرضاوي الضيف الأبرز على قناة الجزيرة، واضعًا نفسه داخل تيار ديني، وتحت إطار الديمقراطية. لكن القرضاوي دعم المواقف السياسية المتطرفة؛ إذ ساعده الجمع، بين السلطة الدينية السائدة والتطرف السياسي، على ترسيخ الأفكار المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة. والمثال الأكثر شهرة على ذلك هو فتوى القرضاوي التي أجازت الهجمات الانتحارية، لأن الانتحار، بحسب القرضاوي، عملية “بطولية”، ليست نابعة من اليأس، ولكن لحاجة الصالحين إلى “إلقاء الرعب والخوف في قلوب الظالمين”، حسب قوله.

الإسلام الكلاسيكي يحرّم الانتحار، ويؤيد رجال الدين التقليديون هذا التحريم. في الواقع، جاءت رخصة القرضاوي بالتفجير الانتحاري، ردًا على عبد العزيز بن باز، المفتي العام في المملكة العربية السعودية، الذي أفتى بأن التفجیر الانتحاري غير متوافق مع تعاليم الإسلام.

القرضاوي توسع في فتواه عام 2014 للسماح بالهجمات الانتحارية كجزء من الحرب في سوريا، شريطة أن يتصرف المنتحر ضمن حدود الجماعة التي ينتمي إليها وليس بقرار فردي.

وأهم من ذلك، أن القرضاوي قد خرق حاجزًا تقليديًا لم يعد من الممكن الآن إصلاحه، بعدما أجاز التفجيرات الانتحارية، بطريقة لم يكن من الممكن أن تكون بدون دعم شخص له مكانة القرضاوي.

يتفق الفكر السياسي والثوري للدين الذي يروج له القرضاوي مع سياسة قطر الخارجية، خاصة مع اجتياح الثورات العربية للمنطقة في عام 2011. وتلك الرؤية -جنبًا إلى جنب مع فتاوى القرضاوي- شملت دعوة المسلمين في عام 2013، للجهاد في سوريا، عبر استخدام أكثر المصطلحات الطائفية صرامة.

وهذا يعني أن القاعدة، التي ازدادت قوة وانتشارًا نتيجة أحداث الربيع العربي، واستغلالها للفراغ الأمني، انسجمت رؤيتها مع رؤية القرضاوي، كما كشفت وثائق بن لادن المسربة.

رجل آخر مدرج في القائمة من قبل الدول الأربعة هو وجدي غنيم، واعظ مصري آخر مؤيد للإخوان المسلمين. غنيم أقام في الولايات المتحدة حتى عام 2005، عندما طرد بسبب تجاوزات التأشيرة الخاصة به، ثم منع من العودة بسبب دعواته التحريضية وجمعه التبرعات لمتطرفين. وقد شجع غنيم الكراهية ضد الأقباط المصريين المسيحيين، واحتفل بوفاة بابا الأقباط عام 2012، من خلال دعاء الله “للانتقام” من “المجرم” الذي كان “رئيس الكفر”.

في أبريل 2017 قال تنظيم داعش: “كانت تفجيرات الكنائس القبطية في طنطا والإسكندرية مجرد عقاب للمسيحيين بسبب دعمهم للطاغية عبد الفتاح السيسي”.

وثق غنيم بعض “الخلافات” الفكرية مع داعش، لكنه رفض تأييد التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضدهم: “لن أتكاتف أبدًا مع الصليبيين لمهاجمة إخواني المسلمين”، قال غنيم، بعد أن ندد بـ”أمريكا المجرمة” لقيامها بقتل “البطل” أسامة بن لادن ورمي جثته في البحر.

انتقد غنيم داعش في ليبيا بسبب قتالها مسلمين آخرين، بدلًا من توحيد القوات لشن حرب ضد غير المسلمين، الذين يعتقد غنيم أنه يسمح لهم بالعيش في الدول ذات الأغلبية المسلمة، شريطة أن يكونوا خاضعين.

في سبتمبر 2014 غادر غنيم قطر ظاهريًا، من أجل تجنب “عدم ارتياح بعض الإخوة”، لكنه في الواقع غادر تحت الضغط السعودي، فيما يواصل غنيم الظهور على قناة الجزيرة القطرية، ويواصل الظهور على شبكة الإنترنت من منفاه التركي.

في أغسطس 2017، قامت الحكومة التركية بمحاكمة غنيم بسبب تعطيله العلاقات الدبلوماسية التركية، بعد أن وصف غنيم رئيس تونس بـ”الكافر”.

على قائمة الإرهاب أيضًا، المصري طارق الزمر، وهو الأمين العام لحزب البناء والتنمية، الجناح السياسي للجماعة الإسلامية، المسجلة في الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب.

بعد أن كان في السجن منذ عام 1981، عقب اغتيال الرئيس أنور السادات، أطلق سراح الزمر كجزء من الثورة المصرية في 2011.

فرّ الزمر من مصر بعد الانقلاب العسكري العنيف ضد الإخوان المسلمين في عام 2013، والتجأ إلى قطر، وظهر الزمر على قناة الجزيرة لإدانة النظام المصري.

ويعد الزمر حالة معقدة؛ فمن ناحية، توصف بعض تصريحاته بالتطرف وربما التحريض على العنف ضد النظام المصري. ومن ناحية أخرى، فالزمر لديه خوف من الاضطهاد في وطنه الأم.

ومن الناحية السياسية، ليس من الواضح لماذا يُسمح للزمر بنشر آراءه الأيديولوجية السامة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى، وزعزعة استقرار البلاد بشكل دائم.

التطرف في وسائل الإعلام

من بين مطالب الكتلة التي تقودها السعودية، أن تتوقف قطر عن استخدام المنابر الإعلامية، وأن تتوقف الدوحة عن تقديم الدعم المالي من أجل تعزيز الفكر المتطرف والتهديدات التي تؤثر على استقرار الدول الأربع. وعلى وجه التحديد، طلب من قطر إغلاق قناة الجزيرة الفضائية، وإغلاق المواقع التي يعتقد أن قطر تدعمها بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد رفضت قطر هذا الطلب باعتباره مطلبًا يمس “سيادتها وسياساتها الخارجية”.

هذه المنصات التي تظهر على الانترنت تختلف في المظهر، وبالكاد تظهر علاقة قطر بها، ويديرها علنًا المتعاطفون، إن لم يكونوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى أن سياسة التحرير فيها تنسجم مع الحكومة القطرية والإخوان المسلمين.

تأسست الجزيرة في 1996، وقامت بمناقشة مفتوحة وحيوية بشأن مسائل كثيرة، مثل العلاقات الحكومية مع الغرب، والفساد المحلي، والقمع السياسي – باستثناء عدم مناقشتها لتلك الأشياء التي تحدث على قطر، مثل وجود قاعدة أمريكية أمريكية ضخمة، على بعد مسافة قصيرة من قناة الجزيرة في الدوحة، التي لا تشكل موضوعًا يتحدث فيه موظفو الجزيرة وضيوفها.

الأحداث في مصر، من سقوط الحاكم المصري حسني مبارك في عام 2011 حتى انتخاب مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي رئيسًا، لاقت معارضة شديدة من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في كل مرحلة. وعلى النقيض من ذلك، احتضنت قطر الثورة المصرية، حتى ارتقاء الإخوان المسلمين لحكم أكبر دولة عربية. كان حكم الإخوان واحدًا من نجاحات الدوحة في “الربيع العربي”. الانقلاب العسكري العنيف ضد جماعة الإخوان المسلمين، كان مضرًّا جدًا لقطر، وقد عكست تغطية الجزيرة ذلك، التي أشارت في تغطيتها إلى عدم شرعية النظام الجديد في مصر، وووفرت مساحة للمعارضين المصريين، بما فيهم أعضاء أو أنصار جماعة الإخوان المسلمين؛ الأمر الذي كان مهيّجًا رئيسيًا لهذه الجولة من النزاع.

ومع بدء الأزمة الخليجية، نشرت قناة الجزيرة تقريرًا ركز على الحرمين الشريفين، ودعا التقرير للفصل بين السياسة والمساجد. بعد يوم واحد من التقرير -وبما يثبت ارتباط الجزيرة بالسياسة القطرية- تقدّم القطريون بشكوى إلى الأمم المتحدة تتهم السعودية بتسييس الحج. فسرت الحكومة السعودية هذا على أنه دعوة إلى تدويل جزء من أراضيها، وهو ما اعتبرته عملًا عدوانيًا وإعلان حرب ضد المملكة.

وكانت الجزيرة قد استحوذت على اهتمام الغرب إلى حد كبير في أعقاب الفظائع التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر. وأشار أحد الخبراء، بعد مشاهدة واسعة للقناة في أكتوبر 2001، أنه في حين أن قناة الجزيرة “قد لا تكون رسمياً قناة أسامة بن لادن.. فمن الواضح أنه نجمها الأول”.

كانت الجزيرة دائمًا حذرة من الناحية المعجمية: أفغانستان في ظل حكم طالبان كانت تسميها “الإمارة الإسلامية أفغانستان”، وأيضًا فإن حركة “داعش” في العراق كانت حركة “مقاومة”.

تقارير الجزيرة عن الربيع العربي، أكسبت القناة بعض الإعجاب الضخم حتى من النقاد السابقين، في الشرق والغرب. وبالتأكيد لعبت دورًا في عدوى الثورة التي انتشرت من بلد إلى آخر. كانت تغطية الجزيرة جزئية، وفضلت بوضوح المعارضة على الحكومات.

نشأت المشكلة في ثورات أولية موجزة في كلّ من تونس ومصر، تتألف في معظمها من مظاهرات في الشارع، وفيما بعد صار المجال مهيأً أمام المسلحين في ليبيا وسوريا. في تلك المرحلة، بدأت تغطية قناة الجزيرة تحيك الخيوط داخل هذه الحركات المسلحة، تحديدًا الإسلاميين، مثل حركة أحرار الشام في سوريا، وفي ليبيا ركزّت على أفراد مثل عبد الحكيم بلحاج.

كما رأت جماعات مثل تنظيم القاعدة في تلك الأحداث ميزة يمكن أن تستفيد منها. أسامة بن لادن في مذكرات وجدت معه في أبوت آباد، كتب: “الجزيرة، الحمد لله، تحمل راية الثورات”.

في نوفمبر 2014، تعهد حسين محمد حسين، وهو عالم دين إسلامي، بالولاء لداعش على برنامج الاتجاه المعاكس لفيصل القاسم. وفي أيار 2015، نظم القاسم استطلاعًا للرأي يسأل فيه، عما إذا كان العلويون، الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد، جلبوا الإبادة الجماعية لأنفسهم، ثم تحول إلى ضيوفه واقترح أن السؤال يجب أن يكون: “مسح هؤلاء العلويين عن الأرض، بما في ذلك أطفالهم”.

في أواخر عام 2016، عاد فيصل القاسم إلى موضوع سابق بتشجيع الهجمات على العلويين والتطهير العرقي لجيوب الأقليات، ولا سيما الشيعة، داخل المناطق التي يحتفظ بها التمرد السني. ورغم ذلك يبقى فيصل القاسم موظفًا لدى قناة الجزيرة.

التقى زعيم جبهة النصرة، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) أول جمهور له في مقابلة مع أحمد منصور في عام 2015، والتي بثتها قناة الجزيرة. وعلى سبيل المثال، تحدث الجولاني عن القرابة الأيديولوجية لجبهة النصرة مع سيد قطب، أهم مفكّر للإخوان المسلمين بعد مؤسسها حسن البنا.

وقال الجولاني في اللقاء، إن أعمال قطب تدرس في مدارس النصرة وغيرها من مراكز إعداد الأعضاء الجدد للنصرة.

وفي المقابلة، بدا أحمد منصور حريصًا على تقديم صورة إيجابية عن جبهة النصرة، قبل أن تزعم جبهة النصرة أنها انشقت عن تنظيم القاعدة، عندها صدرت تعليمات إلى موظفي قناة الجزيرة، وأوقفت الإشارة إلى النصرة أو الترويج لها.

إن بعض أعضاء قناة الجزيرة أعضاء في تنظيم القاعدة أو في غيرها من التنظيمات الإسلامية، وقد أجريت أول مقابلة مع الجولاني في أواخر عام 2013 من قبل تيسير علوني، الذي أدين وسجن في إسبانيا بتهمة تقديم الدعم المالي للقاعدة.

منصور، الذي يعتبر من أكثر المتعاطفين مع الإخوان المسلمين، له تاريخ طويل من تحريض الجهاديين. وحتى الآن، لا يزال منصور “يتطرف”، مثل قوله أن المستبد المصري عبد الفتاح السيسي “صهيوني” يجب محاربته.

تعطي قناة الجزيرة نقاطًا كثيرة لصالح الإسلاميين وغيرهم من المستأجرين، سواء في الحكومة أو في المجال غير الحكومي. هذا العمل مزدوج، فهو لعبة تخفي، خلف مناقشة قضايا حساسة، قيامها بالترويج للإرهاب، الأمر الذي ترك الغرب في حيرة من أمره في محاولته تصنيف قناة الجزيرة.

وفي كثير من الأحيان، يتم ذلك الازدواج تحت بند حرية الصحافة، وهذا خطأ، لأن قناة الجزيرة لا يمكن التفكير فيها ببساطة كمنصة إعلامية: وهي موجهة وممثّل قوي لمصالح الدولة القطرية، وجزء من قطر؛ باعتبار أن الحكومة القطرية وحدها مسؤولة عن إنتاج قناة الجزيرة.

عن"كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية