كيف نفهم الدولة السعودية الجديدة؟

كيف نفهم الدولة السعودية الجديدة؟


19/12/2017

شهدت السعودية في الآونة الأخيرة عدداً من التغييرات النوعية التي لم تشهدها منذ تاريخ إنشائها، ورغم صعوبة التكهن بمآل هذه التغييرات، إلا أن الشواهد الأولية، وخاصة قرارات توقيف عدد من الأمراء والوزراء، تشير إلى أن السعودية في طريقها للقطيعة مع الماضي، عبر الإطاحة بثوابت عديدة استقرت في سلوك الدولة والمجتمع. ويذهب المحللون إلى أن ما يحدث من تغيير منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، لا يعدو كونه صراعاً على السلطة بدأ بتنحية الأمير مقرن بن عبدالعزيز عن ولاية العهد. بينما يرى البعض أن هذه التغييرات باتت ضرورية للحفاظ على وجود المملكة، ونقل القيادة إلى جيل جديد من الشباب. وأياً كانت حقيقة وطبيعة هذا الصراع، فإننا في هذا المقال، ندعي أن هذه التغييرات تجاوزت مرحلة الصراع السياسي إلى مرحلة تغيير شامل في بنية المجتمع السعوي من كافة النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

أولاً- المحددات السياسية والدينية للدولة السعودية

قليلة هي الكتابات والدراسات التي تناولت بنية المجتمع السعودي، تناولاً حراً مستقلاً وموضوعياً، فهناك جملة من المشكلات تواجه الباحث في العلوم الاجتماعية والسياسية في المجتمع السعودي، فهو مجتمع يحاصره التوجس والحيطة، ويرفض المكاشفة ويخفي علاقاته، ويميل إلى التكتم والحذر. وتصبح مهمة الحصول على بيانات ميدانية من هذا المجتمع محفوفة دائماً بالمخاطر، ما يؤدي إلى ضعف المردود من هذه الكتابات والدراسات. ومع ذلك فهناك بعض الدراسات التي تجرأت على الوصف والفهم والتحليل، وهذه الدراسات أصبحت الآن محل قراءة من المتابعين للشأن السعودي، ومحل اهتمام أيضاً من قِبل صناع القرار. منها دراسة محمد بن صنيتان (السعودية الدولة والمجتمع، محددات تكون الكيان السعودي) الصادر في بيروت عام 2008 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

وهذا المقال يدخل في اشتباك وحوار مع هذه الدراسة الهامة من أجل فهم اللحظة التاريخية الحرجة والواعدة التي يمر بها المجتمع السعودي. ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول، يهتم الفصل الأول بالمحددات السياسية والدينية للدولة السعودية، بالتركيز على نشأة الدعوة السلفية الوهابية ومبادئها، ويتناول الفصل الثاني، خصائص الدولة الريعية في السعودية، ويستعرض الفصل الثالث التغيرات الثقافية في السعودية بالتركيز على التعليم ودور المرأة في المجتمع، ويقدم الفصل الرابع، تحليلاً للتحولات الاقتصادية الاجتماعية، والتقسيم الطبقي للمجتمع السعودي.

يتناول الصنيتان في الفصل الأول تمهيداً تاريخياً، يستعرض فيه نشأة الدولة السعودية بمراحلها الثلاث، منذ تحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والأمير محمد بن سعود عام 1745م، وحتى تأسيس الدولة السعودية بكيانها الحالي على يد الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1902م. الذي تمكن من انتزاع الاعتراف به وباستقلال دولته، واستطاع أن يوحد القبائل في الجزيرة العربية تحت لوائه. ويستعرض الباحث الأساس العقائدي الذي بُنيت عليه الدولة السعودية، محدداً، وشارحاً، المبادئ الأربعة التي قامت عليها الدعوة الوهابية: (التوحيد، الاجتهاد، محاربة البدع، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وكيف نمت هذه الدعوة في بيئة صحراوية منغلقة، ولم يرتبط ظهورها كباقي الحركات الدينية الإصلاحية في المشرق والمغرب العربي بالصراع الحضاري بين الشرق والغرب.

ونذهب إلى أن الدولة السعودية، بعد عام 2011، قد تولَّد لديها إصرار على تغيير العلاقة التاريخية التي جمعت بين النخبتين الدينية والسياسية، بمجموعة من القرارات والأوامر الملكية بدأت في نهاية عهد الملك عبدالله، بتسمية المنظمات الإرهابية: تنظيم القاعدة، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تنظيم القاعدة في اليمن، تنظيم القاعدة في العراق (داعش)، جبهة النصرة، حزب الله في المملكة، جماعة الإخوان المسلمين، جماعة الحوثي. ثم توالت بعد ذلك القرارات التي تنظم علاقة هيئة الأمر بالمعروف بالمجتمع والشارع السعودي، انتهاءً بالقرار الذي يسمح للمرأة بقيادة السيارات، بعد تأجيل وانتظار طويلين خوفاً من إثارة حفيظة النخبة الدينية والمحافظة في المملكة.

ويبدو واضحاً من هذا التوجه أن الدولة السعودية تعيد رسم حدود الحقل الديني داخل وخارج المملكة، بشكل غير مسبوق، مدشِّنة بذلك مرحلة جديدة من العلاقات الرسمية والشعبية السعودية مع العالمين العربي والإسلامي. فمن المعروف على المستوى الخارجي، أن الجماعات والتيارات الدينية الإسلامية، ظلت تتلقى دعماً من (1) الدولة السعودية في بعض الفترات ولبعض الجماعات - جماعة الإخوان المسلمين نموذجاً- (2) ومن رجال الدين والأثرياء السعوديين في كل الفترات.

وتبدو الأهمية البالغة لهذه القرارات، في أنها تمثل إطاراً جديداً، يعيد تشكيل نمط العلاقة بين الدين والسياسة، وبين الجهاد والدعوة، وهو إطار ملزِم للأفراد والجماعات والمؤسسات السعودية، بحيث يمكن القول باطمئنان كبير، إلى أن هذه القرارات، تمثل الضربة القاصمة لكل الجماعات التي تؤمن بنظرية التمكين بالقوة، ليستعيد الإسلام سمته الحضاري من جديد، بعد أن شوهت التنظيمات الإرهابية صورة الإسلام خلال العقود الماضية وحتى اللحظة الراهنة.

ثانياً- النفط والسلطة: تحالف العصبيتين التقليدية والحديثة

نعود إلى الفصل الثاني من كتاب الصنيتان الذي يستعرض فيه أثر اكتشاف النفط في عام 1938، في الدولة والبداوة والبيروقراطية، ومنها يمكن فهم المتغيرات السياسية والاجتماعية والإدارية التي ألمت بالمجتمع السعودي منذ تأسيس الدولة السعودية. ويذهب الباحث إلى أن الدولة استطاعت مع الوقت احتكار الريع النفطي، وزيادة حصة الدولة في الإنتاج الاستخراجي، وقد مرت هذه العملية بمرحلة طويلة من الشد والجذب مع الشركات الأجنبية العاملة في السعودية، إلى أن نجحت الدولة في عام 1976 في تملك شركة أرامكو.

وأصبحت السعودية نموذجاً للدولة الريعية، فقد اعتمد إنفاقها العام على ريع البترول بصورة شبه مطلقة، مع تهميش القطاعات الصناعية والزراعية. ويرى أن هذا الوضع الاقتصادي، يكرس مركزية الدولة، ويؤدي إلى خلق نخب أسرية أو بيروقراطية متحكمة في إدارة هذا الريع، ويفتح الباب على مصراعيه لاستشراء الفساد بين هذه النخب. ومن جهة أخرى، ساهم الريع النفطي في إيجاد سيولة ضخمة، لم يتم استخدامها في خلق بيئة صناعية غير بترولية، وإنما استخدمت في الاستهلاك بشراهة، وتورم الجهاز الحكومي. وتدهور قيمة العمل وانتشار الاتكالية، وانتشار الأمراض الاجتماعية والسياسية كالتطرف والرشوة، والمحسوبية القبلية، ..إلخ. ويرى الباحث إلى أن هذه الظواهر تتحول إلى أزمات طاحنة، عندما تقل الموارد المالية، وتضطر الدولة إلى تخفيض إنفاقها العام. كما حدث منذ تسعينيات القرن الماضي، مروراً بالأزمة الاقتصادية العالمية، والانخفاض الدرامي والمستمر في أسعار النفط.

ويبدو واضحاً للعيان أن الدولة السعودية بعد تولي الملك سلمان، تتخذ خطوات سريعة وجريئة في نقل الاقتصاد الريعي من الحالة الريعية إلى الانتاجية. وقد استقبلت الدوائر البحثية خطة 2030 بشيء من الخفة والنقد التعسفي، على أساس أن بنية المجتمع السعودي الحالية لا يمكن أن تنهض بهذه الخطة الطموحة. لكن يبدو أن صانع القرار السعودي وضع هذه الخطة، وهو على يقين بأن نجاحها يحتاج بالفعل إلى تغيير شامل في بنية المجتمع السعودي. ومن أهمها ما أشار إليه محمد بن صنيتان في عام 2008، كيف ذلك؟

(1) التنظيم الجديد لسوق العمل السعودي، والمحاولات الجادة لتغيير ثقافة العمل بين السعوديين، تلك الثقافة التي تحض على الكسل والاتكالية دون إحداث قيمة مضافة. ولا يخفى أن تغيير ثقافة العمل في السعودية أمر لازم ينقل خطة 2030 من حيز المثالية إلى حيز الإمكان. وعليه، فإن الإعلان عن المشاريع الضخمة في الفترة الأخيرة، يتسق مع هذا التنظيم، رغم أن جميع المتابعين للشأن السعودي، لم يتوقعوا أن تعلن  السعودية أو حتى تفكر في ارتياد مجال الصناعة، وخاصة العسكرية منها، كما لم يكن متوقعا إقدام السعودية على التفكير والتخطيط لإنشاء مشروعات سياحية غير دينية.

(2) الأهم من ذلك، وهو بيت القصيد، ومدار النقاش في الأيام الماضية، ونعني به مواجهة الفساد؛ لأن النخبة السعودية السياسية والاقتصادية والبيروقراطية كانت بكل تأكيد، ومنذ تأسيس المملكة، خارج نطاق المسائلة. هذا الوضع يثير غضب مكتوم ومستمر داخل الأوساط السعودية بمختلف شرائحها الإجتماعية. فالأمراء والوزراء وكبار المسئولين لا يمكن محاسبتهم كباقي أفراد المجتمع.

هذا الوضع المختل يولد عصبية بيروقراطية حديثة متحالفة مع العصبية التقليدية (القبلية والدينية)، ينتج عنها ثقافة متصالحة مع الفساد، وأضحت مؤسسات الدولة مستعمرة بالمعنى الحرفي من قِبل هذه العصبيات التقليدية والحديثة، بحيث تلتهم جزءاً معتبراً من موارد الدولة، وتعوق كافة جهود التنمية الشاملة، فضلاً عن أنها تقتل طموحات الأفراد من ذوي الكفاءة والجدارة. ولا شك أن قرارات التوقيف الأخيرة – وأياً كانت دوافعها السياسية- إلا أنها أنهت بشكل ثوري عهوداً طويلة من التمييز بين المواطنين السعوديين، فلم يعد بعد تاريخ 4 نوفمبر2017، أحداً فوق المسائلة، أو بتعبير الأمير محمد بن سلمان (لن ينجو متورط في الفساد أميراً كان أو وزيراً).

ثالثاً- التعليم السعودي: آفاق جديدة

وعودة مرة أخرى إلى الفصل الثالث من كتاب الصنيتان، عن أثر التعليم في تكوين الدولة والمجتمع السعودي، حيث يذهب الباحث إلى أن السياسات التعليمية، التي تركز جل اهتمامها على التربية والتوجيه الديني، أدت إلى ارتفاع متزايد في عدد المختصين في الإنسانيات والعلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، مقابل انخفاض نسبة المختصين في التخصصات العلمية الأخرى. ما يؤدي إلى وجود فوائض في بعض التخصصات لا يمكن استيعابها في سوق العمل، وبالتالي، تصبح أعداداً كبيرة من المتعلمين قوة عمل معطلة غير مفيدة للمشروع التنموي السعودي، بالإضافة إلى خلل آخر في القوة العاملة الوطنية، ويرتبط بالمرأة، فالوظائف المتاحة للمرأة السعودية، ما تزال محدودة، ومرتبطة بالمناخ الثقافي والديني، ولا ترتبط كثيراً بالكفاءة والخبرة.

ومع ذلك، فإن الباحث يرى أن التعليم السعودي، مثَّل فرصة أكيدة في الحراك الاجتماعي، وتأسيس شريحة اجتماعية كبيرة من التكنوقراط، فقد تكفلت الدولة بمجانية التعليم ومسئولية نشره رأسياً وأفقياً، دون تمييز بين فئة أو جهة، ما يعده الباحث أكثر المجالات التي تجسدت فيها العدالة الاجتماعية حتى نهاية السبعينيات. غير أن استشراء الفساد، واستغلال الوساطة والمحسوبية، حرم الكثير من الكوادر السعودية النابغة من  الابتعاث للخارج، أو في الالتحاق بالكليات المتميزة، وخاصة العسكرية منها.

والقارئ للتوجهات السعودية الجديدة، سواء المتعلقة بعلاقة الدين بالدولة، أو إعادة هيكلة النظام الاقتصادي السعودي، وقرارات المحاسبة والتوقيف الأخيرة، يمكن أن يتوقع انعكاس ذلك على حقل التعليم في المستقبل القريب، على معنى أن سياسات الحكم الجديدة، يمكن أن تؤدي إلى تغيير جذري في التعليم السعودي.

بحيث يستوعب نظام التعليم مناهج وبرامج حداثية كانت تعد سابقاً من المحظورات. فضلاً عن أن تغيير ثقافة العمل، وتدشين المشروعات الوطنية الكبيرة، سوف يساهم بشكل أكيد في إعادة هيكلة الجامعات السعودية بحيث تستوعب النمو النوعي والكمي في الاقتصاد. وأخيراً، فإن استمرار مناخ المحاسبة يضخ دماء جديدة في أجهزة الدولة، ويسمح بدخول شرائح من المتميزين وأصحاب الكفاءات إلى دوائر صنع القرار، بعد أن كانت حكراً على العصبية التقليدية. مع لفت انتباه القارئ إلى أن الجامعات السعودية تتمتع حالياً بسمعة عالمية جيدة، والتغيير المتوقع يمكن أن يرفع من سقف الطموحات لدى النخبة المثقفة السعودية.

رابعاً- الحراك الطبقي بعد القرارات السعودية الأخيرة

نعود مرة أخيرة إلى كتاب الصنيتان، وفصله الأخير عن التركيب الطبقي السعودي، ليقرر في البداية أن الحدود الطبقية في السعودية، تظل هلامية غير واضحة، فالمؤشرات الاقتصادية والتعليمية غير فاعلة في رسم حدود الطبقات في المجتمع السعودي. حيث يذهب الباحث، إلى أن البعدين السياسي والأيديولوجي، حاضران بقوة في التركيب الطبقي السعودي، فالنخبة الحاكمة هي المتحكمة في الريع النفطي، وشيوخ الحركة السلفية الوهابية، هم المسئولون عن تحديد شرعية أو عدم شرعية الأفعال الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، إلى جانب تحالفهم التاريخي مع النخبة الحاكمة.

ويذهب في نهاية هذه المناقشة إلى أن المجتمع السعودي يمكن أن ينتظم – مجازاً-  في ثلاث طبقات أساسية:

(1) الطبقة العليا: ويقسمها إلى ثلاث شرائح أساسية: (أ) النخبة الحاكمة: وتضم الأسرة المالكة، والوزراء، والقادة العسكريين، وكبار موظفي الدولة. (ب) النخبة الرأسمالية: أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، المستثمرة في البنوك والأسهم، والسندات. (ج) النخبة المشاريعية: العاملون في القطاع التجاري والعقاري، والسماسرة ووكلاء الشركات العالمية. ويلفت الانتباه إلى أن الاقتصاد السعودي، يقوم على الفرص التي تمنحها الدولة للنخبة الرأسمالية والمشاريعية، وبالتالي فإن البيروقراطية السعودية متدخلة في توزيع هذه المشاريع، وهو الأمر الذي يتم من خلال استغلال النفوذ السياسي، وإبداء الولاء، والتماهي الأيديولوجي، كشروط مبدئية للاستفادة من المناقصات والعقود التي تبرمها الحكومة مع القطاع الخاص.

(2) الطبقة الوسطى: يعتبرها الصنيتان، من أهم طبقات المجتمع السعودي، نظراً لديناميكية حراكها الاجتماعية صعوداً ونزولاً، وكثرة فئاتها، والرهانات السياسية والاجتماعية التي تحيط بها، ويقسمها الباحث إلى ثلاث شرائح أيضاً: (أ) شريحة المنظمين: وهو العاملون في مجال البترول، المضاربات المالية والعقارية، والاستيراد والتصدير، والاستشارات، ونظم المعلومات، والمستفيدين من نظام الكفيل. (ب) شرائح المهن الحرة، وأصحاب المشاريع الخدمية الوسطى. (ج) البيروقراطيون: وتحظى كما يذهب الباحث، بسمعة سيئة لدى العامة والخاصة، وتضم الموظفين في الجهاز الحكومي التنفيذي والرقابية، وغالبتهم لا يعتمدون على رواتبهم الحكومية، ولكنهم يعملون كمنظمين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. 

(3) الطبقة الدنيا: يذهب الباحث إلى أن السعودية، شهدت خلال السبعينيات والثمانينيات انحساراً في حجم الطبقة الدنيا بفعل الطفرة النفطية، وتوافر السيولة النقدية لتمويل الخطط الإنمائية الأولى، غير أن هذه الطبقة بدأت في الظهور مرة أخرى، عقب أزمة الخليج، وتداعيتها الاقتصادية على السعودية، وتضم هذه الطبقة: البدو الرحل، والمشتغلين بالزراعة البدائية، ويدخل في هذه الشريحة صغار الموظفين والجنود الذين تراكمت عليهم الديون والأقساط الشهرية، بسبب الاستهلاك البزخي الشديد الذي لا يراعي مستوى الدخل.

ويمكن القول أن السياسات السعودية الجديدة، حال استمرارها، سوف تحدث حراكاً طبقيا مختلفاً، يعتمد على العصامية، أكثر من اعتماده على البيروقراطية الفاسدة والولاء السياسي والأيديولوجي. ما يفتح الباب على مصراعيه لتجديد النخب السعودية في كافة المجالات.

خاتمة:

مما سبق، يتضح للقارئ أهمية هذا الكتاب الصادر في 2008، الذي يمكن الاستفادة منه كأداة تفسير لفهم القرارات السعودية الأخيرة وأثرها في مستقبل الدولة السعودية، خاصة فيما يتعلق بالطبقة العليا، والطبقة الوسطى البيروقراطية سيئة السمعة، وكيف أن الاتهامات التي وجهت لعدد من الأمراء والوزراء وكبار المسئولين، ترتبط بممارسة الفساد واسع النطاق الذي أصاب أجهزة الدولة السعودية، وكبل حركتها، ومنعها من أداء دورها التنموي. كما ترتبط بمشكلات تاريخية ناتجة عن التباس العلاقة بين النخبة الدينية والنخبة الحاكمة، فضلا جمود في الفكر الاقتصادي لفترات طويلة.

بطبيعة الحال، فإن تغيير البنية الاجتماعية من فوق، كما يحدث الآن في السعودية، له مخاطر، فالهزات المتتالية التي تحدثها السياسات والتوجهات الجديدة، يمكن أن تؤدي إلى مشاكل سياسية واجتماعية وأمنية على مستوى الشارع السعودي. وخاصة بين أوساط المحافظين والمنتفعين بالفساد. وهو ما يستلزم حواراً مجتمعياً لمناقشة جدوى هذه القرارات الفوقية.

وأيا كان موقف القارئ وتفسيره للقرارات السريعة والكبيرة التي يتخذها صانع القرار السعودي في الآونة الأخيرة، فإن لها تأثيراً عميقاً على بنية المجتمع السعودي، في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وهذه القرارات إن تحولت إلى سياسات مستقرة، وصاحبها تفكيراً جدياً في تعزيز الديمقراطية، فلا شك أن العالم سيشهد ميلاد الدولة السعودية الجديدة.

د. أحمد موسى بدوي - عن "المركز العربي للبحوث والدراسات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية