في بريطانيا ..زواج أكثر من نصف المسلمين "شرعي" ولكن "غير قانوني"

في بريطانيا ..زواج أكثر من نصف المسلمين "شرعي" ولكن "غير قانوني"


10/12/2017

في شوارع" برادفورد" الضيقة، سادس أكثر المدن البريطانية ازدحاماً والواقعة غرب يوركشاير، من السهل معرفة لماذا يطلق بعضهم عليها اسم "باكستان الصغرى". فحوالى 30 في المئة من سكانها من أصول آسيوية، وخصوصاً باكستانية. وبالتالي من المألوف جداً سماع اللغة الأردية والموسيقى الباكستانية في الأسواق المحلية والشوارع العامرة بالسكان والألوان. كما توجد في برادفورد أعلى نسبة حجاب بين المسلمات في بريطانيا، وفيها يلعب الدين والأسرة الممتدة والعادات والتقاليد دوراً رئيساً في تعريف ماذا يعني أن تكون بريطانياً مسلماً في القرن الـ21. الموائمة بين الإثنين دائماً ما واجهت تحدّيات. ولا شيء يدعو للعجب هنا. فالمسلمون، بالذات من أصول باكستانية وهندية وبنغلادشية، يعيشون في بريطانيا في مجتمعات- غيتوهات تماثل مجتمعاتهم الأم في كل شيء تقريياً. فالزواج المرتّب عبر الأسرة، لا يزال الطريقة الأولى للاقتران.
ووسط تحديات الحياة اليومية والمواءمة الصعبة بين تقاليد وأفكار وهويات مختلفة، يتلقى «مجلس المرأة المسلمة» في برادفورد، عشرات الاتصالات يومياً من بريطانيات مسلمات تطرح سؤالاً رئيساً: هل زواجي قانوني؟
وللسؤال ما يبرره. ففي أكثر من 90 في المئة من زيجات المسلمين يُعقد على يدي إمام مسجد. إذ تجتمع الأسرتان في فندق ويحضر الإمام بأوراقه ليجد العريس في غرفة مع أفراد عائلته، والعروس في غرفة أخرى مع أفراد عائلتــها. يدخل الإمام ليســـأل العروس إن كانت توافق على الزواج، ثم يأخذ توقيعها ويتوجّه إلى غرفة أخرى ويخبر العريس بموافقة العروس ويأخذ توقيعه، ثم يلتقي الزوجان والأسرتان في قاعة الاحتفالات. لكن هذا الزواج الشرعي لا يُعتدّ به في بريطانيا. فالدولة لم تتدخّل فيه.
زواج المسلمين في بريطانيا طرح للواجهة مع مسح أجرته «القناة الرابعة» البريطانية أظهر أن 61 في المئة من زيجاتهم، «شرعية» لكنها «غير قانونية». بمعنى أن الأسر توثّق الزواج عبر عقد شرعي بحضور إمام من مسجد والأهل والأصدقاء، لكنها لا توثق أو تسجّل الزواج لاحقاً في السجلات المدنية، ما يعني أن نحو ثلثي زيجات المسلمين «غير قانونية» أو «غير معترف بها أمام القانون»، وبالتالي في حالات الطلاق أو الموت أو تقاسم الميراث تكتشف كثيرات أن حقوقهن القانونية في مهب الريح.
لم تتغير قوانين الزواج في إنكلترا على مدار مئتي سنة ماضية، لكن المجتمع تغيّر جذرياً مع تعدد الهجرات وتنوّع السكان والديانات واللغات والثقافات.
ففي بريطانيا اليوم حوالى 3 ملايين مسلم، ثاني أكبر الديانات في البلد، أي نحو 5 في المئة من السكان.

99 في المئة منهم يتزوجون زواجاً دينياً، أي بعقد شرعي على يدي إمام مسجد، وحوالى 40 في المئة فقط من هؤلاء يتزوّجون لاحقاً وفقاً للقوانين المدنية البريطانية.
وكما تقول رئيسة «مجلس المرأة المسلمة» في برادفورد، بنا جورا، لـ «الحياة»: «تعتقد الغالبية من المسلمات أن عقود الزواج الشرعي أو الزواج الديني هي قانونية. وبالتالي، تكون مفاجأة صادمة عندما يعلمن أنه وفقاً للقوانين المحلية يجب تسجيل الزواج مدنياً كي يكون معترفاً به قانوناً لدى السلطات».
وعلى رغم أن 66.5 في المئة يعلمون لاحقاً أن زواجهم الشرعي ليس له صفة قانونية، فإن 66.3 في المئة من هؤلاء، أي نحو الثلثين، قالوا إنهم لا يعتزمون الزواج المدني أو تسجيل الزواج في السجلات المدنية وفقاً للقوانين المرعية.
وهناك عوامل مركّبة تلعب دوراً في عدم تسجيل المسلمين عقود زواجهم الشرعي في السجلات المدنية، منها:
- العامل المالي: فمعدلات الفقر وسط الأقليات الدينية والعرقية أعلى مرتين من المتوسط الوطني على مستوى البلاد. ولأن الزواج والطلاق المدنيين يكلفان آلاف الجنيهات، يفضل كثر الزواج الشرعي فقط لأن تكلفته المالية أقل.
- الجانب العملي: الزواج والطلاق المدنيان يستغرقان أشهراً وربما سنوات، فيما الزواج والطلاق الشرعيان سهلان ولا يأخذان وقتاً ولا يحتاجان إلى تعاملات مع مؤسسات الدولة.
- ظاهرة تعددية الزوجات. فبعض مسلمي بريطانيا يمارس تعددية الزيجات، وهذه جريمة في القوانين البريطانية. والزواج الشرعي من دون توثيقه مدنياً، هو الوسيلة الوحيدة إلى تعدّد الزوجات من دون مساءلة قانونية. وبالتالي، المسلمون الذين لا يجدون غضاضة في مبدأ التعدد، يعتبرون الزواج الشرعي أفضل وسيلة لتعدد الزوجات من دون مواجهة أخطار المساءلة القانونية.
وفي مسح «القناة الرابعة»، ظهر أن 11 في المئة من عقود الزواج الشرعي كان فيها تعدد زوجات، 37 في المئة من هؤلاء الزوجات لم يوافقن على التعدد أو لم يعلمن به إلا لاحقاً.
مشكلة الفجوة بين العقد الشرعي للزواج والعقد المدني هي مشكلة فريدة في بريطانيا. ففي فرنسا مثلاً، لا يُجري أئمة المساجد مراسم الزواج الشرعي من دون أن يكون الزواج موثق مدنياً. وكثر من هؤلاء في فرنسا مؤهلون رسمياً للتوثيق الشرعي والمدني في الوقت عينه. لكن أئمة المساجد البريطانية يأتون من كل أنحاء العالم، والغالبية منهم ليسوا بريطانيين ولا يعرفون حتى اللغة الإنكليزية جيداً، ويتم اختيارهم من بلادهم الأم على أساس المذهب أو اللغة. لكن الأخطر من كل هذا أنهم لا يعرفون القوانين الوضعية البريطانية، وليس لديهم معرفة أن عقد الزواج الشرعي وحده لا يكفي لاعتبار الزواج قانونياً في بريطانيا.
كما أظهر مسح «القناة الرابعة» أن 12.4 في المئة فقط من النساء اللواتي تم استطلاع آرائهن أبلغهن الأئمة الذين عقدوا زيجاتهن الشرعية بضرورة تسجيل عقودها في السجلات المدنية. كما أن 90 في المئة من المساجد في بريطانيا لا تسجّل الزواج الشرعي في السجلات المدنية، مع أن 78 في المئة من العينة التي تم مسحها، قالت إنها تريد أن يكون عقد الزواج الشرعي معترفاً به بموجب القوانين البريطانية.
ولا تقتصر مشكلة الزواج الديني- الشرعي في بريطانيا لا تقتصر على المسلمين. فلدى البريطانيين الهندوس والبوذيين مشكلة مماثلة. إذ أن كثراً منهم يتزوجون وفقاً للتقاليد الدينية الهندوسية والبوذية من دون تسجيل عقود الزواج مدنياً وفقاً للقوانين البريطانية.
والخطورة في الأمر أن القضية ليست قضية جيلية- عمرية، بمعنى أن الجيل الأكبر يعاني منها بسبب عدم الاختلاط أو صعوبة الاندماج. فقد أظهر المسح أن 80 في المئة ممن هم بين الـ20 والـ40 سنة سجلوا زواجهم شرعياً وليس مدنياً، أي أن 20 في المئة فقط من هذه الفئة العمرية صغيرة السن سجلت الزواج وفقاً للقوانين.
وهذا يتعلّق بأنماط الحياة لدى الأجيال الأصغر سناً. فشباب كثر بين الـ18 والـ24 سنة ممن يودّون الدخول في علاقات مع الجنس الآخر يفضلون الزواج الشرعي لأنه «حلال» ومقبول اجتماعياً من دون أن يترتب عليه التزامات قانونية.
وهناك حديث دائم في بريطانيا عن اندماج المسلمين أو عدم اندماجهم والتعايش الصعب بين أنماط حياة وثقافات وتقاليد قد لا تصطدم بالضرورة لكنها لا تتلاقى تلقائياً أيضاً بالضرورة. ومع الإحصاءات الجديدة حول الفجوة بين زواج المسلمين «شرعياً» و «قانونياً»، تُطرح الأسئلة مجدداً حول «الغيتوهات» المغلقة.
لكن وفق رئيسة «مجلس المرأة المسلمة»، بنا جورا، فإن «الكرة لا يجب أن ترد دوماً إلى ملعب الأقليات الدينــية والعرقـــية في بريطانيا».
وتوضح جورا: «الحل بسيط. ففرنسا وبلدان أوروبية عدة أخرى وحّدت بين الزواجين الشرعي والمدني. وبالتالي، فإن كل عقود الزواج الشرعي التي تتم في مسجد وبحضور إمام تُسجّل آلياً مدنياً. هذه المواءمة هي ما تحتاج إليه بريطانيا. فالحل قانوني هو في يد الدولة قبل أن يكون ثقافياً- اجتماعياً وفي أيدي الأفراد».

منال لطفي - عن "الحياة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية