لا إرهاب.. دونَ رعاية دول

لا إرهاب.. دونَ رعاية دول


05/12/2017

إسماعيل الشريف

"لن ينجو أحد من المقاتلين الإرهابيين الأجانب؛ لكي لا يعودوا إلى ديارهم في شمال أفريقيا وأوروبا وآسيا، لن نسمح لهم بذلك"، قال: جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي.

قبل سنوات طويلة، قرأتُ رواية يدّعي مؤلفها أنها من نسج خياله اسمها العملية هيبرون، أي الخليل، تتحدث الرواية عن قرار الصهاينة بإيصال رئيس صهيوني للبيت الأبيض، وتهيئة الأجواء لمرشحهم من خلال أحداث سياسية يخلقونها تصب في صالحه، وكيف تدعم الدول الجماعات الإرهابية لتنفيذ مخططاتها بحيث لا تعرف أبدا هذه المنظمات أربابها. كان ذلك قبل “الربيع العربي”، وأعرف أن هذه الرواية لم تكن أبدا من نسج الخيال، فأحداثها ترجمت على الواقع بدقة متناهية.
ظهرت دراسة مهمة في شهر حزيران الماضي تحت عنوان كيف تستغل الدول المقاتلين الجهاديين الأجانب، أعدها دانيال بايمان، وهو محلل استخباراتي أمريكي وباحث لدى مؤسستي راند وبروكينجز، وعضو في لجنة تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر، ونشرتها مجلة روتليدج لدراسات الصراعات والإرهاب.
تقول الدراسة أن النمو السريع لداعش ونجاحها في إلهام إرهابيين للقيام بأعمال إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة، كحادث الدهس في نيويورك، لم يكن ليحصل إلا برعاية دول، فهنالك دول عديدة حليفة للولايات المتحدة قد دعمت المنظمات الإرهابية في أوج حرب الأخيرة على الإرهاب!
وتتلقى المنظمات الإرهابية دعما ماديا مباشرا من دول فيما تقوم دول أخرى بتدريب المقاتلين وتسليحهم وتسهيل عبورهم وغيرها من الأنشطة التي تبقي هذه المنظمات على قيد الحياة.
وتتحدث الدراسة عن تسهيل سوريا لعبور المقاتلين إلى العراق ورعايتها لمجموعات سنية معادية للولايات المتحدة بما في ذلك تنظيم القاعدة، كذلك دعم إيران لحزب الله والمليشيات الشيعية في العراق.
ويكشف تقرير سري للبنتاغون رفعت عنه السرية عام 2012 أن الولايات المتحدة لم تكن على دراية بسياسة حلفائها في دعم بعض المنظمات الإرهابية فحسب، ولكنها وافقت عليها، وكان تتويج هذا الدعم ظهور داعش.
دعم بعض الدول لداعش
تركيا:
تشير دراسة بايمان أن تركيا حاربت القاعدة حتى عام 2012، ولكنها فيما بعد دعمت بعض الفصائل المسلحة المتشددة المعارضة لبشار الأسد لسببين الأول الإطاحة به والثاني منع ظهور قوة كردية، أما الولايات المتحدة فدعمت الفصائل الأقل تشددا ولكن جزءا من سلاحها “وقع” بأيدي داعش.
وبحلول عام 2015 سمحت تركيا للمقاتلين الأجانب باستخدام أراضيها كقاعدة لوجستية للحرب على سوريا، فوفرت الملاذ الآمن والرعاية الصحية والأسلحة للفصائل المتشددة، وغضت الطرف عن استخدام أراضيها للتسلل إلى سوريا، وفي هذا يقول السفير الأمريكي السابق في تركيا فرانسيس ريكياردون: لقد عمل الأتراك مع مجموعات مسلحة بما في ذلك جبهة النصرة التابعة للقاعدة.
ويقول أحمد سعيد يايلا رئيس شعبة الإرهاب والعمليات التابعة للشرطة الوطنية التركية بين عامي 2010-2012 ثم رئيس شعبة منع الجريمة عام 2014 إلى أن قدم استقالته، يقول: أنا كرئيس شرطة كنت مسؤولا عن حماية إرهابيي داعش!
وانقلبت تركيا على داعش عام 2016 وبدأت بحربها عندما أصبحت داعش تشكل تهديدا للأمن القومي التركي.
الباكستان: علينا أن نعي أولا أن الباكستان حليف استراتيجي للولايات المتحدة وثانيا أن جهاز مخابراتها جهاز قوي مستقل قريب من السي آي إيه ينسق معها دون العودة أحيانا إلى المؤسسة الرئاسية. ولطالما كانت سياسات الباكستان متضاربة؛ ففي ذات الوقت الذي كانت تحارب فيه القاعدة كانت تدعم المقاتلين الذين يقاتلون في الخارج بالسلاح، ومخابراتها قريبة جدا من المدارس الدينية المتشددة التي تخرّج الانتحاريين والإرهابيين.
دول عربية: سمحت بعض الدول العربية بحملات جمع التبرعات لتمويل الإرهاب بحجة حماية الإسلام، وتموّل بعض الدول المؤسسات الدينية المتشددة في عدد من الدول الأوروبية الإسلامية.
استراتيجية غض الطرف
لم تقم الولايات المتحدة بالضغط على أي حليف للتوقف عن دعم المنظمات الإرهابية، وتقول الدراسة أن الولايات المتحدة اتبعت سياسة غض الطرف تحقيقا لمصالحها، وفي مذكرة سرية  كشفها موقع ويكيليكس كتبتها وزيرة الخارجية كلينتون عام 2014 إلى مستشار الرئيس أوباما، جون بوديستا الذي أصبح مدير حملتها الانتخابية، كتبت فيها إننا نقدم دعما ماليا ولوجستيا سريا لتنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات السنية الراديكالية في المنطقة.
ويقول تشارلز شوبريدج وهو ضابط بريطاني سابق في الاستخبارات البريطانية ومكافحة الإرهاب أن بريطانيا فشلت في منع مواطنيها من الانضمام للجماعات الإرهابية ليس لضعفها وإنما لأنها بانضمامهم هذا تتحقق لها مصالح كبيرة؛ فسياسة غض الطرف هذه ستساعد في الإطاحة بكل من القذافي وبشار الأسد.
ويضيف أن الإرهابيين لم يخفوا أنشطتهم وتحركاتهم وآراءهم على مواقع التواصل الاجتماعية، واحتجّت الحكومات لعزوفها عن مطاردة مواطنيها الإرهابيين بعدم وجود تشريع قبل عام 2013 يسمح بملاحقة من يدعم العمليات الإرهابية، وهذا محض افتراء فتشريع عام 2006 يحظر المشاركة بأية أعمال إرهابية .
وعندما بدأت داعش بإلحاق الأذى بالمصالح البريطانية اتخذت الحكومة البريطانية إجراءاتها للقبض على مواطنيها المتعاطفين مع داعش أو الذين شاركوا في الاقتتال معها.
أخبار وتحقيقات
وحتى تكتمل الصورة لدى القاريء الكريم، وللاستدلال على أن الإرهاب يقوم على رعاية دول له، فهنالك تحقيق مهم للغاية قامت بإعداده قناة البي بي سي بعنوان سر الرقة القذر Raqqa’’’’’’’’s Dirty Secret  ونشر على موقعها بالفيديو والصورة، ويتحدث التحقيق عن صفقة سلّم بموجبها مقاتلو داعش مدينة الرقة السورية عاصمة الخلافة المزعومة وغادر مئات المقاتلين العرب والأجانب وعائلاتهم مع أسلحتهم وذخائرهم، تحت سمع قوات التحالف وبصرهم، إلى مناطق أخرى في سوريا وخارجها، الصفقة أُبرمت مع قوات سوريا الديمقراطية والقوات الكردية بعد أن أخرجت كل وسائل الإعلام من المدينة ومنعت أية وسائل إعلامية أخرى من دخولها.
بالطبع رفض التحالف الاعتراف بأي دور له في هذه الصفقة.
قال أحد السائقين أن أربعة آلاف من المقاتلين وعائلاتهم غادروا المدينة في قافلة من المركبات قوامها 50 شاحنة و13 باصا وأكثر من مائة عربة وطول الموكب بلغ 6-7 كيلومترات، وحمّلت عشرة شاحنات بالعتاد والأسلحة، وفي حقيقة الأمر كان أكثر من إخلاء فكانت هجرة، أخفى مقاتلو داعش وجوههم ولم يسمح لهم برفع أعلامهم أو تعليق أية يافطات على الموكب.
ويضيف التحقيق أن مسوؤلين غربيين قد حضروا المفاوضات ولم يأخذوا دورا في النقاشات، وأن القافلة غادرت الشوارع الرئيسة إلى شوارع ترابية ورصدت آخر مرة في منطقة بو كمال، وأن مقاتلي داعش نزلوا من الشاحنات في بعض القرى على الطريق واشتروا سلعا عديدة دفعوا أثمانها، وأثناء المسيرة سمعوا طائرات قوات التحالف والطائرات دون طيار تطير فوق الموكب، وأحيانا كانت تلقي هذه الطائرات مشاعل أمام القافلة لتنير لهم الطريق وتشعرهم بقدرتها على الفتك بهم لو أرادت.
ثم يتحدث التقرير عن هرب بعض المقاتلين من سوريا إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا وآسيا الوسطى فضمن المقاتلين كان فرنسيون وأوروبيون وأوزباك وشيشان.
وعندما وصلت القافلة قرب الحدود العراقية تم القبض على بعض القيادات هناك وأخذوا إلى أماكن مجهولة.
وعلينا أن نتوقف كثيرا عند تصريح وزير خارجية قطر السابق الذي اعترف بدعم الجماعات الإرهابية بالتنسيق مع أطراف عديدة كتركيا والولايات المتحدة، ثم اتهامات روسيا العديدة للولايات المتحدة بتقديمها غطاء جويا لداعش وعرقلة عمل القوات الروسية في سوريا آخرها في أبو كمال.
وأعتقد أن دور الغرب يفوق كثيرا سياسة غض الطرف، وفي هذا يقول ألاستير كروك وهوضابط سابق متقاعد في وكالة الاستخبارات البريطانية م 16، أن الولايات المتحدة وبريطانيا ساهمتا في رعاية المنظمات الإرهابية في سوريا، فعندما كانت القوات البريطانية والأمريكية تشارك الأتراك في تدريب مختلف الجماعات المتمردة في سوريا كنا نعرف أن عددا من المتمردين متطرفون، ويضيف كروك أن هذا التواطؤ بين التطرف والاستخبارات الغربية قديم يعود إلى بدايات القرن الماضي، إذ استخدمت بعض التيارات الإسلامية لاحتواء الشرق الأوسط إبان قوى تحررية كالناصريين والبعثيين والشيوعيين، وتوج هذا التحالف إبان الغزو السوفييتي لأفغانستان، ولطالما آمنت أجهزة الاستخبارات بأنها قادرة على احتواء الإسلاميين حين يتطلب الأمر ذلك.
فنستطيع القول بثقة من أن القوى الغربية قد استعانت بمصادر خارجية لرعاية الإرهاب واستعانت بدول عديدة بشكل سري في تمويله حتى لا تظهر في الحياة السياسية داخل بلادهم.
مثل هذه الدراسات والتصريحات والتحقيقات تؤكد حقيقة أن داعش وأخواتها ما كان لها أن تظهر أو تتمدد إلا برعاية دول عديدة، لذلك فإن استمرارها ووجود عناصر لها منتشرين في العالم للقيام بعمليات إرهابية هو برعاية تلك الدول أيضا، فبرأيي إن مصطلح الذئاب الوحيدة التي تشكل تهديدا للدول الأوروبية ما هو إلا كذبة كبيرة، فهم مجندون من قبل دول، وعملياتهم هذه تخدم سياسات الإمبريالية.

عن "الدّستور" الأردنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية